تصرفات الحكومة لا تشير أبدا إلى ثقتها في الفوز بالانتخابات، بدليل استمرارها في عرقلة التظاهرات الانتخابية للمعارضة.
من المحرج والمخجل أن دولة بثقل تركيا ووزنها وتأثيرها في المنطقة، دولة كانت تطرح نفسها كواحة للديمقراطية والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة، ولم يتسلل الشك في نزاهة انتخاباتها منذ انتخابات عام 1950 وحتى أربع سنوات مضت، أن يكون في هذه الدولة هاجس احتمال تزوير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجرى يوم الأحد المقبل هو الهاجس الطاغي على أحزاب وناخبي المعارضة الذين يشكلون حوالي نصف الناخبين. هذا الهاجس عرفته تركيا لأول مرة في الانتخابات البلدية الأخيرة في مارس 2014، حيث ثارت شبهات قوية حول فوز مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم لبلدية أنقرة مليح غوكشيك مقابل مرشح المعارضة المشترك منصور ياواش حينها، إذ أكدت المعارضة حينها فوز مرشحها وأثبتت ذلك بالأرقام، وأثبتت أيضا أن اللجنة العليا للانتخابات قد أدخلت في نظامها أرقاما خاطئة مما أدى إلى فوز مرشح الحزب الحاكم.. استسلمت أحزاب المعارضة حينها للأمر الواقع وبدأت تأخذ احتياطاتها في الانتخابات التي تلتها.. وفي الاستفتاء على النظام الجمهوري في أبريل العام الماضي، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان من طرف واحد وقبل فرز جميع الأصوات، نجاح الحكومة في حصد 52% من الأصوات لصالح ذلك التعديل، وسط اعتراض قوي من المعارضة التي قالت إن النتيجة كانت رفض 52% من الناخبين لهذا المشروع، وانتقدت اللجنة العليا للانتخابات التي احتسبت آلاف الأصوات المشبوهة وغير الممهورة وغير معروفة المصدر والتي كانت تؤيد ذلك المشروع، في مخالفة صريحة للقانون والدستور اللذين يؤكدان ضرورة عدم احتساب أي ورقة انتخابية غير ممهورة.
من المؤشرات التي دعت المعارضة للقلق والحديث عن سيناريو التزوير المحتمل هذا، كان إعلان ثلاث وكالات استطلاع رأي مقربة من الحكومة يوم الخميس نتائج استطلاعات تؤكد فوز أردوغان وتحالفه بالانتخابات، رغم أن بقية استطلاعات الرأي تشير إلى عكس ذلك
أما اليوم فقد لجأت أحزاب المعارضة إلى تشكيل هيئة مستقلة موازية للجنة العليا للانتخابات لرصد وجمع نتائج الاقتراع، من خلال توزيع نحو 600 ألف مراقب لصناديق الاقتراع، يرسلون نتائج عد وفرز الصناديق بشكل مباشر كل من موقعه إلى هذا المركز من أجل التأكد من نتيجة الاقتراع، بعد أن فقدت المعارضة ثقتها في الهيئة العليا للانتخابات ونزاهتها.. وقبل أربعة أيام من الانتخابات، ثارت شكوك جديدة لدى المعارضة بوجود سيناريو للتزوير تعمل عليه الحكومة، بعد تسريب صور لمركز جمع الأصوات في وكالة الأنباء الرسمية الأناضول التي تسيطر عليها الحكومة، وتشير الصور إلى محاكاة افتراضية لجمع نتائج الأصوات والنتيجة النهائية، التي أظهرت حصول أردوغان على 52% من الأصوات، وفوز تحالف الحكومة بأغلبية مقاعد البرلمان. هذا التسريب دفع مرشحة المعارضة للانتخابات الرئاسية زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنار للتحذير من وجود سيناريو جاهز للتزوير، وشرح الكاتب في صحيفة جمهورييت المعارضة قدري غورسال ما توصل إليه من معلومات وتسريبات تفيد بالتحضير لمثل هذا السيناريو على الشكل التالي:
- ستنشر وكالة أنباء الأناضول الرسمية الحكومية النتائج الأولية تباعا بعد بدء عمليات الفرز، وستنقل عنها جميع وسائل الإعلام الموالية للحكومة هذه النتائج، وبعد فرز نصف الأصوات، ستقفز الوكالة بشكل مفاجئ للإعلان عن فوز الرئيس أردوغان بالانتخابات الرئاسية وتحالفه بالانتخابات البرلمانية، وسيخرج الرئيس أردوغان مبكرا وفورا لإعلان هذه النتيجة من طرف واحد، وسيدعو أنصاره للنزول إلى الشارع من أجل الاحتفال بالنصر المزعوم.
- سيتم وضع المعارضة أمام أمر واقع وأحد خيارين، إما الاستسلام لهذه النتيجة واللجوء إلى المحاكم للاعتراض، مع العلم مسبقا برفض المحكمة لهذا الاعتراض بسبب سيطرة الرئيس أردوغان على مؤسسة القضاء، أو النزول إلى الشارع والتظاهر شعبيا ضد هذا الأمر ووقوع أعمال عنف بين متظاهري الحكومة والمعارضة وتدخل الأمن بشكل قمعي قوي، وهنا سيحمل الرئيس أردوغان المعارضة مسؤولية هذا العنف وسيقول أن المعارضة تسعى لزعزعة الاستقرار وحمل تركيا إلى حرب أهلية وفق مؤامرة دولية غربية.
وربما يتوقع أردوغان -وفق هذا السيناريو الذي تتحدث عنه المعارضة- أن يتلقى اتصالات من رؤساء بعض الدول لتهنئته، وفي مقدمتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يؤيد أردوغان في هذه الانتخابات بقوة، وقد فعل ترامب ذلك في الانتخابات الروسية وسارع إلى تهنئة الرئيس فلاديمير بوتن بالفوز سريعا رغم اعتراض مستشاريه، ورغم حديث المعارضة عن حدوث تزوير.. هذا الأمر إن حدث سيقطع أي دعم دولي للمعارضة في اعتراضها على نتائج الانتخابات.
وهنا نوضح بعض الإشارات القوية على دعم ترامب لأردوغان في هذه الانتخابات، والتي ظهرت جميعها قبل أيام فقط من الانتخابات لتصب في صالح دعم شعبية أردوغان ومنها، التوصل إلى اتفاق في منبج شمال سوريا لدخول الجيش التركي رغم الاعتراضات السابقة لوزارة الدفاع الأميركية، وكذلك السماح للجيش التركي بشن عملية عسكرية ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق رغم معارضة بغداد.. كذلك تعيين سفير أميركي في أنقرة قبل أيام بعد عام ونصف ظلت فيه السفارة الأميركية في أنقرة خالية من سفير، كذلك تسليم تركيا ثلاث طائرات من طراز إف 35 رغم اعتراض الكونغرس وإصدار مجلس الشيوخ قانونا يمنع حدوث ذلك، إلا بإذن من الرئيس ترامب.
من المؤشرات التي دعت المعارضة للقلق والحديث عن سيناريو التزوير المحتمل هذا، كان إعلان ثلاث وكالات استطلاع رأي مقربة من الحكومة يوم الخميس نتائج استطلاعات تؤكد فوز أردوغان وتحالفه بالانتخابات، رغم أن بقية استطلاعات الرأي تشير إلى عكس ذلك، ورغم أن قانون الانتخابات يمنع نشر أي نتائج استطلاع رأي اعتبارا من يوم الأربعاء الماضي، وهي إشارة إلى سعي الحكومة لتهيئة الرأي العام بأن انتصار أردوغان في الانتخابات سيكون أمرا متوقعا وطبيعيا وليس مفاجئا.
كما يدعمها أيضا حديث وزير الداخلية سليمان صويلو عن خطة لانتشار أمني واسع يوم الانتخابات بحجة حماية صناديق الاقتراع ومراكزها، وكذلك حديثه عن مراقبة حثيثة للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في ذلك اليوم وقطع خدمة الإنترنت إن استدعى الأمر عن أي "مصادر تحاول إثارة البلبلة حول النتائج".
تصرفات الحكومة لا تشير أبدا إلى ثقتها في الفوز في الانتخابات، بدليل استمرارها في عرقلة التظاهرات الانتخابية للمعارضة ومنع وصولها صوتا وصورة إلى الناخبين، إذ قطعت بلدية في إسطنبول تابعة للحزب الحاكم الكهرباء يوم الخميس على تظاهرة انتخابية للمرشحة المعارضة ميرال أكشنار، كما تجاهلت وسائل الإعلام الموالية للحكومة نقل أي صورة عن التظاهرة الانتخابية المليونية غير المسبوقة لمرشح المعارضة الأقوى محرم إنجه في إزمير.
تركيا دولة كبيرة والديمقراطية فيها قديمة، وواجب الحكومة والرئيس أردوغان ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وتقديم مصلحة الديمقراطية على أي مصلحة شخصية أو حزبية، وهو أمر لا تظهر مؤشراته حتى الآن مع دخول تركيا الانتخابات في ظروف غير عادلة بالمرة، مع سيطرة أردوغان على معظم وسائل الإعلام والأمن والقضاء، والإصرار على إجراء الانتخابات تحت قانون الطوارئ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة