العدوان التركي على ليبيا.. شريان يغذي إرهاب الساحل
تركيا تخطط لحلم السيطرة والتوسع والنفوذ، وتلبي طموح المليشيات والحركات الإرهابية لإيجاد موطئ قدم لها في المنطقة
الحكومة التركية التي استخدمت داعش في سوريا والعراق لنشر بذور الفوضى والتخريب، هي نفسها التي استقدمت المسلحين والمرتزقة إلى ليبيا، وربطت مع الحركات الإرهابية بالساحل الأفريقي وجنوب الصحراء الكبرى.
فمع انحسار رقعة تمدد الحركات الإرهابية بالبلدين في سوريا والعراق، ونهاية كابوس سيطرة داعش على بعض المناطق، كان مخطط نقل جزء من النشاط الإجرامي والإرهابي لهذه الجماعات نحو منطقة الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى، جاهزا للتنفيذ. برعاية نفس الجهة التي كانت أصلا وراء الفكرة، تمويلا وتسليحا وتخطيطا.
تتدخل أنقرة في ليبيا لتضخ دماء جديدة بشرايين الحركات الإرهابية في المنطقة بالعدة والعتاد والرجال، بهدف إحياء طريق التواصل الجغرافي عبر الصحراء الليبية بين الحركات الإرهابية ومليشياتها التي استقدمتها من سوريا، مع تلك التي تستوطن المنطقة أصلا وتعتنق نفس الفكر الإرهابي الدموي.
- المرصد السوري يكشف أعداد مرتزقة أردوغان في ليبيا
- ليبيون يقيمون عرضا للزي التقليدي.. لا مكان للغزاة الأتراك
أجنحة لنقل الإرهاب
في دراسة حديثة، يتتبع باحث وخبير موريتاني توزع وانتشار تنظيمي "القاعدة" و"داعش" في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، على ضوء مستجدات الوضع في سوريا والعراق حيث تقلصت فرصهما في الانتشار والظهور.
وترصد الدراسة واقع الجيوب والفروع التابعة لهما في هذه المنطقة، واحتمال تحولها إلى حاضنة للهاربين من العراق وسوريا.
الدراسة رصدت المعطيات المتوفرة عن بروز جيل جديد من الإرهابيين في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء، تمرَّس على المواجهة وخَبِر الحروب والاحتكاك، وبات أقدر على إلحاق الضرر بالمنظومة العالمية التي تحاربه، خصوصًا في منطقة تعاني الهشاشة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
ورغم أن الدراسة لم تتطرق إلى وسائل وآليات مخطط الانتقال أو الانزياح الإرهابي من سوريا والعراق نحو ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء، إلا أن ما كشف عنه التدخل التركي في ليبيا قدم الإجابة الصريحة للباحثين والخبراء الذي تنبؤوا بانتقال تلك الحركات من سوريا والعراق إلى الساحل، ليفضح جزءا من المخطط، وتثبت مسؤولية أنقرة في رعاية صناعة هذا الجديد من الإرهابيين الأكثر خطورة ودموية بالمقارنة مع الحركات الإرهابية المحلية.
ضلوع تركيا في تسهيل خروج العناصر الإرهابية إلى منطقة شمال أفريقيا أكده كذلك تقرير آخر لوكالة "أسوشيتد برس"، أشار إلى أن أنقرة ترسل إرهابيين سوريين ينتمون إلى جماعات مثل "القاعدة" و"داعش" للقتال في ليبيا.
وتضيف الدراسة أن تركيا التي دربت منذ فترة طويلة وموّلت مقاتلي المعارضة في سوريا، وخففت القيود على حدودها حتى انضم المقاتلون الأجانب إلى داعش في السنوات الماضية ، قامت في الأشهر الأخيرة بنقل المئات منهم إلى جبهات الحرب في ليبيا.
كما لفت إلى أن تركيا جلبت أكثر من 4000 مقاتل أجنبي إلى طرابلس، بينهم العشرات من معتنقي الفكر المتطرف.
وما يزيد خطورة استنساخ التجربة في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء هو أن المنطقة لم تتعاف بعد من إرهاب حركاتها المحلية، لتجد نفسها أمام رافد جديد من شأنه توفير المناخ الملائم لنمو وتفريخ المزيد من العناصر الإرهابية.
وبناء على ذلك، فإن التدخل التركي يقوض مساعي الشركاء الدوليين لإحلال الأمن في المنطقة، ويجعل تلك الجهود الدولية في مهب الريح من خلال تغذية نشاط هذه الجماعات وزيادة أعدادها وتكاثرها.
ومن بين الجهود مؤتمرات المانحين، وبرامج التعاون العسكري والاستخباراتي بين بلدان المنطقة وفرنسا الذي حقق نتائج جيدة على الأرض، كان آخرها مقتل زعيم "القاعدة في بلاد المغرب" عبد المالك دروكدال، وزيادة الضغط وتضييق الخناق على تنظيم داعش الصحراء.
تعاون جسده إنشاء قوات مشتركة لمحاربة الإرهاب بين دول المجموعة وإنشاء تحالف دول الساحل الخمس (يضم موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي وتشاد والنيجر)، ومساعي نشر قوات أفريقية في المنطقة، وعملية عسكرية أوروبية يجري الإعداد لها ومؤتمر دولي رفيع المستوى، وكلها جهود يسعى التدخل التركي إلى عرقلتها.
حرائق الإرهاب
تتركز جهود المجتمع الدولي على جبهة مساعدة بلدان الساحل الإفريقي لطرد الجماعات الإرهابية وإعادة الاستقرار والتنمية إلى ربوع منطقة تعاني أصلا من الهشاشة.
في الأثناء، تصب تركيا الزيت على نار الإرهاب، عبر جلب المليشيات إلى ليبيا، وفتح قنوات التمدد عبر الطرق السالكة إلى بؤر الإرهاب وقواعده الخلفية في الساحل والصحراء.
ويعتبر "الائتلاف من أجل الساحل" الواجهة الأحدث لتنسيق جهود المجموعة الدولية لصالح بلدان المنطقة، وهو تحالف تأسس بمبادرة من فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، وانضم إليها البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
ويعتزم الائتلاف عقد قمة لرؤساء الدول العام المقبل (2021) لمناقشة الوضع في الساحل الأفريقي، ودعم دول المنطقة في مواجهة خطر الإرهاب.
كما احتضنت موريتانيا، قبل أسبوع، اجتماعا عبر تقنية الفيديو كونفرانس، ضم ممثلين عن 60 بلدا وهيئة دولية، ناقش جهود مواجهة الإرهاب في المنطقة وآليات التصدي له.
وناقش المشاركون التطورات الأمنية وما حققته القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل من إنجازات على الأرض، بالإضافة إلى الاستعداد لإطلاق القوة العسكرية الأوروبية "تاسك تاكوبا" الموجهة إلى دول الساحل لدعم قوات عملية «برخان» الفرنسية.
وبالاجتماع نفسه، شدد المشاركون على التزامهم بدعم الجهود التي تبذلها دول الساحل الخمس في مواجهة التحديات البنيوية مثل الفقر وهشاشة التنمية والتغير المناخي.