رحلة انهيار الليرة التركية.. متى ينتهي اكتئاب ما بعد الانتخابات؟
تواصل الليرة التركية تراجعها أمام الدولار وسجلت نحو 23,66، وكأنها تعيش مرحلة اكتئاب منذ الانتخابات التركية.
تراجعت الليرة التركية على مدار السنوات الماضية أمام الدولار، ولا يعد تراجعها بنسبة إضافية تجاوزت 20% هذا العام اختلافا عن مسارها الطبيعي.
انخفضت قيمة العملة التركية بأكثر من 80% خلال السنوات الخمس الماضية وحدها، في رحلة تراجعت فيها من 4.62 مقابل الدولار بتاريخ 5 يونيو/حزيران 2018 إلى 23.67 وقت كتابة هذا التقرير.
قد يبدو هذا محبطا لحاملي الليرة التركية، لكنه لا يعكس سوى صورة صغيرة إذا ما نظرنا إلى العشر سنوات الماضية، حيث كان الدولار الأمريكي يساوي 1.88 ليرة تركية بتاريخ 5 يونيو/حزيران 2013، بحسب فوربس.
وهو ما يعني أن الليرة قد ضعفت بأكثر من 12.5 مرة خلال العقد الماضي.
يشار أيضا أن قيمة العملة التركية كانت ستؤول إلى التراجع بغض النظر عن فوز رجب طيب أردوغان بالرئاسة بسبب القضايا الهيكلية داخل الاقتصاد التركي، وتحديدا الإجراءات التي اتخذها الرئيس التركي للبلاد منذ عقدين.
رحلة هبوط الليرة التركية
وبدأت رحلة الليرة نحو الكساد منذ أقل من عقد بقليل، في هذا الوقت تقريبا، حصل رئيس تركيا على لقب "عدو" مستويات الفائدة بملاحظة تعليقاته العامة حول سياسة مستويات الفائدة التركية.
وهو ما جعل المستثمرين يشككون في استقلالية البنك المركزي، التي أضحت من الموضوعات الحساسة التي لا يرغب أي مستثمر في مناقشتها مع الآخرين.
في السنوات التالية، علت نبرة تعليقات الرئيس داخل الدولة، واستبدل العديد من كبار المسؤولين في البنك المركزي أو غيرهم من كبار المسؤولين "وزراء الاقتصاد والمالية"، فيما ترك البعض مناصبهم فجأة.
وبالطبع كان المجتمع الدولي يراقب كل هذه التطورات عن كثب، ولم يعد التمسك بالليرة التركية شديدًا.
السير عكس التيار
لم يكن التوجه الذي ينتهجه الرئيس التركي غير تقليدي فحسب، بل كان غير صحيح بالمرة وفقًا للنظريات الاقتصادية التقليدية، التي تعمل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم على زيادة مستويات الفائدة في محاولة لمنع ضغوط التضخم المستمرة.
في أواخر أبريل/كانون الثاني 2023، وقبل الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، صرح زعيم تركيا مرة أخرى أنه لن يرفع مستويات الفائدة طوال وجوده في السلطة.
كان من المفترض أن يؤدي هذا إلى تراجع التضخم، الذي يعاكس ما يقوم به صانعو السياسة في البنك المركزي في جميع أنحاء العالم حاليًا.
ألقى الضعف المستمر في الليرة بظلاله على الاقتصاد التركي، الذي عانى من التضخم الشديد لسنوات نتيجة ارتفاع تكاليف الاستيراد. ولا تزال نسبة الضغوط التضخمية تقف عند 40% اليوم بسبب الانخفاض المستمر في القوة الشرائية للعملة. شجع هذا التجار على بيع الليرة التركية.
ثم هناك المشكلة المعروفة الأخرى المتمثلة في أن الماء والإمدادات اللازمة للتعامل مع حرائق الغابات تنفد من البنك المركزي التركي.
لقد ناضل البنك المركزي عبثا لتقوية الليرة أو الحفاظ على استقرارها من خلال إنفاق احتياطاتها الدولية، حيث بلغ احتياطي العملات الأجنبية 112.6 مليار دولار في نوفمبر/تشرين الثاني 2013. وتراجع إلى 60.9 مليار دولار في أبريل/نيسان 2023.
ومن المتوقع أن يستمر هذا الرقم في التضاؤل، حيث إن المجتمع الدولي على دراية بمتغير آخر من شأنه أن يشجع المشاعر السلبية تجاه الليرة، ألا وهو أن قيمة الدولار الأمريكي قد تعززت عالميًا على مدار العشر سنوات الماضية.
الليرة ونتيجة الانتخابات التركية
لا يمكن إغفال أن قيمة الليرة كانت للتراجع أكثر بعد نتيجة الانتخابات، لأن أتباع القائد داخل تركيا مخلصون للغاية.
كذلك، كان من الممكن أن يؤدي تغيير الرئاسة إلى اضطرابات اجتماعية أو محاولات القيادة الحالية للطعن في النتيجة.
أما الآن، وبعد أن اتضح أن لا قائد جديد، إذن، لا سياسات جديدة.
بل، عين وزير مالية جديد يحظى بالاحترام الدولي، إضافة إلى محافظ للبنك المركزي، مما قد يؤدي إلى استقلالية البنك المركزي.
مع هذا يظل الحذر مطلوبًا في هذه المرحلة، حيث إن تعهدات العودة إلى الأسواق الحرة ليست بجديدة.
ويمكننا أن نراقب ما إذا كان الرئيس التركي سيحاول الحصول على المزيد من القوة، الأمر الذي من شأنه أن يضعف الآمال - الضعيفة على أي حال - في عودة سياسات صديقة لليرة التركية في السوق.
ومما ينبغي مراعاته أيضا في تقييمات المخاطر وجود استراتيجية طويلة الأجل لأن تصبح تركيا قوة اقتصادية موجهة نحو التصدير.
وهو ما سيعني أن المسؤولين سيواصلون الضغط داخليًا لإضعاف قيمة العملة.
وهو أيضا ما قد يعني أيضا استمرار المشاكل المذكورة أعلاه بالنسبة لليرة التركية، والقضاء على احتمالية تعويض الليرة لخسائرها.