يُقال إن الحروب التي أدمت الشرق الأوسط لها صلة بخطوط إمدادات الطاقة. وإن جذور هذا الصراع تعود لاشتباك مشروعين لنقل الغاز فيما بينهما. وسواء صح هذا التصور أم كان محض خيال فإن الصراع على خطوط الطاقة في العالم موجود.
يُقال إن الحروب التي أدمت الشرق الأوسط لها صلة بخطوط إمدادات الطاقة. وإن جذور هذا الصراع تعود لاشتباك مشروعين لنقل الغاز فيما بينهما. وسواء صح هذا التصور أم كان محض خيال فإن الصراع على خطوط الطاقة في العالم موجود. وهذا لا يعني تصديق نظرية المؤامرة بل صراع المصالح.
ومن يريد أن يتأكد من ذلك فما عليه غير استعادة شريط الخلاف الأميركي الروسي حول العديد من خطوط إمدادات الطاقة. وأحد هذه الخطوط هو ما يعرف بالسيل التركي "تورك ستريم" بين روسيا وتركيا الذي أعلن الرئيس الروسي موافقته عليه بداية هذا الشهر؛ وذلك بعد أن وافق عليه الجانب التركي في وقت سابق. فهذا المشروع الذي سوف يؤدي إلى تشكيل مجمع أو مخزون للغاز الروسي في تركيا يصل إلى أوروبا كان البديل للسيل الجنوبي الذي تؤكد قصة فشله الصراع المستميت على خطوط الطاقة. فالسيل الجنوبي كان مخططاً له أن ينقل الغاز الروسي عبر البحر الأسود إلى بلغاريا ومن هناك يتفرع باتجاه الجنوب إلى اليونان وإيطاليا ونحو الشمال باتجاه صربيا وهنغاريا وسلوفينيا والنمسا شأنه شأن السيل الشمالي-1 الذي صار ينقل الغاز عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا ابتداء من 2011.
ولكن لمواجهة السيل الجنوبي اقنعت الولايات المتحدة الدول الأوروبية بعدم الاعتماد على خطوط الغاز الروسية وحدها واقترحت عليهم إنشاء خط بديل تحت مسمى مشروع "نابوكو" الذي تقدر تكلفته بـ 6.14 مليارات دولار لنقل الغاز من الدول المطلة على بحر قزوين عبر الأراضي التركية إلى بلغاريا ورومانيا وهنغاريا والنمسا. والمهتم بالموسيقى يعلم أن "نابوكو" هي أوبرا إيطالية رائعة من تأليف فيردي سنة 1841؛ وقائعها تتحدث عن تحرير العبيد. وسميت بهذا الاسم نسبة للمك البابلي الكلداني نبوخذ نصر الثاني. ولكن روسيا، إذا استخدمنا السياق الموسيقي، لم تشأ أن ينعتق العبيد من سيطرتها فقامت بشراء كل الغاز المعد للتصدير من البلدان السوفيتية السابقة المطلة على بحر قزوين. وهكذا بقيت أوروبا تحت رحمة نبوخذ نصر الروسي بوتين.
وفشل مشروع "نابوكو" أدى إلى زيادة الضواغط على الدول الأوروبية من أجل التخلي عن مشروع السيل الجنوبي. وهذا ما حصل. ولكن روسيا، التي تطمح إلى الاستغناء عن أوكرانيا كممر لخطوط غازها، لم تستسلم فذهبت إلى تركيا ووقعت معها ما أشرت له في البداية السيل التركي. كما تخطط موسكو لمشروع السيل الشمالي -2. فإذا سارت الأمور دون عقبات فإن هذين الخطين سوف يكفلان لروسيا بحلول عام 2020 الاستغناء عن نقل الغاز عبر الأراضي الأوكرانية.
*نقلاً عن " الرياض "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة