رغم دعوات التهدئة، إلا أن الأزمة الناشبة بين ألمانيا وتركيا قد تكون الأخطر في تاريخ العلاقات بين البلدين، ذلك أن الأزمة التي انفجرت على نحو غير مسبوق
رغم دعوات التهدئة، إلا أن الأزمة الناشبة بين ألمانيا وتركيا قد تكون الأخطر في تاريخ العلاقات بين البلدين، ذلك أن الأزمة التي انفجرت على نحو غير مسبوق، مؤخراً، جاءت على خلفية تراكمات متعددة الأسباب والدوافع، باتت تهدد العلاقات التركية مع أوروبا والغرب عموماً، وسط مخاوف من تسريع اندفاع أنقرة نحو الحضن الروسي.
قد يكون التلاسن الحاد بين أنقرة وبرلين ووصف أردوغان لألمانيا الحالية بالنازية ورد الفعل الألماني برفض هذا الوصف واتهامه ب«الحاكم المطلق والاستبدادي» جاء تتويجاً لسلسلة من التراكمات تعود جذورها إلى الخلافات حول ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وتتمحور أساساً حول انتهاكات أنقرة لحقوق الإنسان، ومدى أهليتها للانضمام للاتحاد.
الأزمة التي انفجرت مؤخراً بين أنقرة وبرلين، نتيجة تراكمـــات باتت تهدد العلاقات التركية مع أوروبا والغرب عموماً، وسط مخاوف من تسريع اندفاع أنقرة نحو الحضن الروسي
لكن هذه الخلافات تفاقمت حول ملف الهجرة وتهديد أنقرة الدائم بإغراق أوروبا بالمهاجرين، ثم جاء موضوع الانقلاب التركي وما رافقه من تداعيات وحملات اعتقال والموقف الألماني الأوروبي الذي بدا مؤيداً ضمناً للانقلاب أكثر مما هو داعم لبلد لا يزال يعتبر نفسه عضواً في حلف «الناتو». لكن الشعرة التي قصمت ظهر البعير، جاءت بعد إلغاء العديد من الولايات والمدن الألمانية لفعاليات كان من المفترض أن يشارك فيها وزراء ومسؤولون أتراك لحث الجاليات التركية على تأييد التعديلات الدستورية المزمع الاستفتاء عليها الشهر المقبل وتعطي أردوغان سلطات مطلقة. ويرى بعض المتابعين أن هناك نحو مليون ونصف المليون ناخب تركي في ألمانيا من شأنهم التأثير في نتيجة الاستفتاء في ظل تقديرات تشير إلى أن نتائج الاستفتاء ليست مضمونة لصالح أردوغان. كما أن هناك حساسية تركية تجاه امتدادات الصراع التركي الكردي في الخارج، خصوصاً بوجود إشارات قوية بأن الجاليات الكردية وتحالفاتها مع العديد من الأحزاب الألمانية لعبت دوراً مهماً في إفشال الفعاليات المؤيدة لحكومة أردوغان، تحت عناوين قمع الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان.
والأسوأ من ذلك ظهور دعوات على المستوى الأوروبي تطالب بحظر الفعاليات المؤيدة لأردوغان، خصوصاً بين قوى اليمين المتطرف والشعبوي في العديد من البلدان الأوروبية. لكن بالمقابل هناك دعوات عقلانية على مستوى القادة الأوروبيين من أجل التهدئة والبحث عن حلول واقعية للخلافات مع أنقرة، خوفاً من اندفاع تركيا أكثر فأكثر نحو أحضان روسيا، وهو الأمر الذي بات أكثر ترجيحاً، بعدما اختارت واشنطن الأكراد السوريين للمشاركة في تحرير الرقة معقل تنظيم «داعش» الإرهابي واستبعدت تركيا، بل إن واشنطن نشرت قوات لحماية حلفائها الأكراد في منبج، بعد أن كانت هدفاً مباشراً لأنقرة، فهل نشهد استدارة تركية كاملة نحو الشرق وتغيير التحالفات القائمة منذ عقود؟
*نقلاً عن " الخليج "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة