الإمارات وتركيا.. تقارب ووفاق تتصاعد فرصه في المنطقة
تراجع الدول سياساتها وتعيد ترتيب أولوياتها، بحيث تصبح مواجهة الأخطار وفق المصالح العليا، محركا أساسيا لسياساتها وتحالفاتها الخارجية.
ويبدو أن تركيا والتي حتى وقت قريب كان يصفها مراقبون بـ"الجار المرتبك"، تستكمل خطواتها في الانفتاح على الدول الخليجية والعربية ذات الثقل السياسي والاقتصادي، ضمن سياق توافقي إقليمي عام لتبريد التوترات في المنطقة.
وليس أدل على ذلك من استقبال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس الأربعاء، للوفد الإماراتي رفيع المستوى برئاسة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني الإماراتي، في المجمع الرئاسي بأنقرة، والتصريحات الإيجابية التي أعقبت هذا اللقاء.
دولة الإمارات، وبذكاء معهود، تلقت التصريحات بإيجابية وتفاعلت معها بواقعية، حيث وصف الدكتور أنور محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات، لقاء الشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني الإماراتي مع الرئيس التركي، بأنه "تاريخي وإيجابي".
وكتب قرقاش، في حسابه عبر تويتر: "اجتماع تاريخي وإيجابي للشيخ طحنون بن زايد مع فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان".
وأشار قرقاش إلى أن "التعاون والشراكات الاقتصادية كان المحوّر الرئيسي للاجتماع"، مضيفا أن "الإمارات مستمرة في بناء الجسور وتوطيد العلاقات، وكما أن أولويات الازدهار والتنمية محرّك توجهنا الداخلي فهي أيضًا قاطرة سياستنا الخارجية".
3 عوامل
وبحسب خبراء، هناك 3 عوامل رئيسية، دفعت أنقرة إلى التقارب مع الإمارات، تتمثل في: الرغبة في كسر حالة العزلة الإقليمية والدولية، وكذلك تفكيك حالة الخصومة بشكل كامل مع المحور الفاعل في المنطقة المتمثل في الإمارات والسعودية ومصر، وأخيرا محاولة تحسين أوضاعها الاقتصادية المتردية.
واتفق الخبراء، على أنه ثمة تغييرات ستشهدها المنطقة، تتجاوز مربع الاختلافات إلى مرحلة وفاق وتشكيل تحالف يضم الدول الثلاث (مصر والإمارات والسعودية) إضافة إلى تركيا في وجه دول تريد العبث بالمنطقة وتخريبها.
وفاق تركي إماراتي
المحلل السياسي الإماراتي، عبدالخالق عبدالله يقول لـ"العين الإخبارية" إن استقبال الرئيس رجب طيب أردوغان للشيخ طحنون بن زايد مستشار الأمن الوطني وبعد ذلك خطابه الإيجابي عن آفاق العلاقات مع الإمارات وتصريح معالي المستشار الدكتور انور قرقاش، هي مستجدات تقع ضمن سياق توافقي إقليمي عام بدأ مع المصالحة الخليجية لتبريد الخلافات وتجاوز التوترات في المنطقة.
ويرى "عبدالله" أن "الوفاق التركي الإماراتي هو جزء من هذا السياق التوافقي، وسبقه حوارات مصرية تركية وأيضا حوارات سعودية تركية، لكن كعادتها الدبلوماسية الإماراتية سبّاقة وتتخذ قراراتها بصفة وتمهد الطريق لغيرها".
وحول أهم ما يميز الوفاق الإماراتي التركي، يوضح السياسي الإماراتي أن "الوفاق بين بلاده وأنقرة قائم على أرضية اقتصادية استثمارية وتجارية راسخة"، لافتا إلى أنه "بالرغم من الفتور السياسي الذي شاب العلاقات بين أبوظبي وأنقرة إلا أن العلاقات الاقتصادية لم تتأثر على الإطلاق".
وتتميز العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وتركيا بأنها وثيقة ومبنية على المصلحة المشتركة، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 8 مليار دولار عام 2020 والإمارات هي ثاني أكبر شريك تجاري عربي لتركيا، فيما بلغ حجم استثمارات بين البلدين مؤخرا 5 مليار دولار.
وشدد "عبدالله" على أن "أي وفاق قائم على أرضية التصالح الإقليمية، أقوى بكثير من الوفاق السياسي والعسكري بين الدول".
عوامل عدة، دفعت إلى تطور الوفاق الإماراتي التركي، بحسب المحلل السياسي الإماراتي، وهي "اتخاذ تركيا لمجموعة من القرارات أبرزها التصالح مع مصر ووقف تحريضها ضد النظام المصري، وكذلك مراجعة أنقرة لمواقفها التحريضية ضد السعودية، والأهم أن التوافق الإماراتي التركي تسارع بعد أن تخلت تركيا عن دعمها السياسي والإعلامي والتنظيمي لجماعة الإخوان الإرهابية".
ويتابع حديثه: "هذا التراجع والمراجعة التركية هي التي مهدت الطريق لزيارة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، هي التي تمهد أيضا الطريق للقاء مهم بين الشيخ محمد بن زايد والرئيس أردوغان لتتويج التفاهمات بين أبوظبي وأنقرة".
ومع قراءة المراقبون لحيثيات الزيارة، لا يمكن، أن يمر تصريح الرئيس التركي حول العلاقات مع الإمارات مرور الكرام، وهو الذي حاول فيه تعزيز حالة الوفاق مع دولة الإمارات، كبوابة مرور هامة وفارقة في تشكيل أي محور بالمنطقة.
ومساء أمس، قال أردوغان، إنه تواصل مع الإمارات خلال الأشهر الماضية وتم إحراز بعض التقدم، مضيفا أنه ”ناقش الاستثمار في تركيا مع مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان.
كما أشار إلى أن ”تقدم المحادثات بصورة جيدة يعني أن الإمارات ستكون لها استثمارات ضخمة في تركيا“.
واقعية إماراتية
ويعلق المحلل السياسي الإماراتي، على دلالات الزيارة وما أعقبها من تصريحات بقوله: "الإمارات تؤكد من جديد أنها دولة براغماتية استباقية ترى التحولات وتتفاعل مع المستجدات بثقة وواقعية. وما حدث هو انتصار للدبلوماسية الاماراتية خاصة الدبلوماسية الاقتصادية التي هي من أبرز سمات العمل الدبلوماسي الإماراتي خلال المرحلة القادمة".
وتابع: "الكل رحب بخطوة الوفاق الإماراتي التركي فهو وفاق يعزز الاستقرار في المنطقة، ما عدا جماعة الإخوان العبثية التي أخذت "تلطم" حظها العاثر في ضوء اللقاء بين الرئيس أردوغان والشيخ طحنون بن زايد آل نهيان".
متفقا معه، يقول محمد ربيع الديهي، الباحث المصري في العلاقات الدولية، حيث قال إن "الخارجية الإمارتية تتعامل ببراجماتيه في الملفات الخارجية والتهديدات المحيطة بالمنطقة، في إطار التوجه العربي بصفه عامة خاصة في ظل الدعوات الإماراتية من أجل إحلال السلام بالمنطقة والعالم أجمع".
لكن ثمة شروط عربية، برأي الديهي، تبقي أي عملية تفاوضية بين الإمارات وتركيا، بدعم من مصر والسعودية، مرهونة بعدد من التغيرات في الموقف التركي، أولها توقف أنقرة التام عن دعم الفاعليين من غير الدول في المنطقة، وثانيا وقف دعم المرتزقة من ليبيا والتي تهدد به الأمن القومي العربي، ثالثا عدم التدخل في اليمن وتخفيض عدد الجنود أو سحب قواعدها العسكرية من الخليج بصوره عامة.
محور 3+1
وفي تأكيد لأهمية هذا الواقعية، يقول الكاتب والأكاديمي السعودي خليل الخليل لـ"العين الإخبارية"، إن "التطورات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية في المنطقة على إثر جائحة فيروس كورونا، والأحداث في أفغانستان، وتقارب بعض الدول العربية مع إسرائيل، وما يواجه المنطقة من تهديدات إيرانية للتجارة الدولية وللملاحة البحرية ولأمن واستقرار المنطقة، أوجبت على دول المنطقة المؤثرة وعلى رأسها السعودية ومصر والإمارات التقارب وبناء تفاهمات وسياسات استراتيجية للحفاظ على المكتسبات ولتلاف المخاطر والتهديدات".
هذه التفاهمات، في رأي الخليل، تتم من خلال بناء سياسات جديدة مدروسة فيما بينها، ومع الدول المؤثرة على الأحداث في المنطقة ودولياً، ومنها تركيا التي هي عضوٍ في حلف الناتو وإحدى دول العشرين الاولى في الاقتصاد العالمي G20.
ويزيد شارحا: "التحرك السياسي الإماراتي والمصري والتركي بدعم سعودي، يتجه نحو سياسات راشدة للتهدئة وللتكامل الاقتصادي والتعاون في مواجهة ما يضعف اقتصاديات دول المنطقة ويستنزف مواردها، مما يفيد ويبعد المنطقة من أجواء التوتر".
محور ثلاثي بدا أنه أقرب للتحالف، يطفو على سطح المنطقة، ليحميها من أخطار ومؤامرات جمة، يدلل عليه المحلل السياسي السعودي بقوله: "الزيارات واللقاءات التي تمت بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات والأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع في المملكة العربية السعودية، وكذلك الزيارات التي قام بها الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني الإماراتي للقاهرة ثم لتركيا، واستقبال الرئيس التركي له وتصريحاته حول رغبته في اللقاء بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان.. كلها أمور في هذا الاتجاه".
ويتضح أن اللقاءات المكثفة، والتصريحات الإيجابية بين تركيا والدول الثلاث، دليل على "استدارة من قبل حكومة تركيا لحاجتها لذلك ولما تمليه المصالح المشتركة"، وفق الخليل.
وتوقع المحلل السعودي أن تشهد المنطقة مقاربات وتفاهمات بين عدد من القيادات السياسية في المنطقة مما لم يكن متوقعا في السابق، كاشفا أن التوجه الحالي هو تدشين عصر جديد واعد لتعزيز العلاقات بين تركيا والدول الثلاث المترابطة في مواقفها سياسيا واقتصاديا وأمنيًا وعسكريا: السعودية والإمارات ومصر.
كيف تنظر أنقرة للإمارات؟
كيف تنظر أنقرة للإمارات؟.. سؤال بدا صعبا قبيل أعوام قليلة، لكن باتت الإجابة حاضرة في التقارب التركي الإماراتي الأخير، والذي من المنتظر أن يتوج قريبا، مع لقاء الشيخ محمد بن زايد والرئيس أردوغان.
طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، يجيب عن هذا التساؤل بقوله: "تركيا تنظر للإمارات بأنها دولة مهمة في الإقليم وتستطيع أن تكون بوابة الدخول للعالم العربي ومنطقة الخليج على وجه الخصوص".
ويضيف "فهمي" لـ"العين الإخبارية" أن هذه الزيارة "هدفها تعزيز العلاقات الثنائية بين أنقرة والإمارات خاصة في مجالات التعاون الاقتصادي والتجارة والاستثمار والصحة والطاقة".
ويرى المحلل السياسي المصري أن الزيارة تحمل بعدا مصريا كما تحمل بعدها الخليجي، حيث تنفتح تركيا على الإمارات وعيناها على مصر والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.
بدورها تنفتح الدبلوماسية الإماراتية على الدول الرئيسية في الإقليم وهي مصر وتركيا وإسرائيل وايران، لتوسيع دائرة العلاقة بينهم، في سياق حرص إماراتي علي تطوير العلاقة مع تركيا.
ويعود بالتاريخ للوراء، يوضح الباحث المصري محمد ربيع الديهي، والمتخصص في العلاقات الدولية والتركية: "تعمل أنقرة منذ فترة طويلة علي إعادة علاقاتها مع القوي العربية المتمثلة في مصر والإمارات والسعودية، خاصة أن هذه المحور هو الذي يتبني دور القيادة في المنطقة وعمل خلال السنوات الماضية علي مواجهه التهديدات التي واجهت الأمن القومي العربي بل وتبنى الأمر داخل المحافل الدولي بعكس تركيا".
ويتابع: "ممارسات تركيا جعلت الدول الثلاث تتبني استراتيجية لمواجهتها من خلال العديد من الأدوات منها الكشف عن الوجه الحقيقي لتركيا وكذلك استخدام الأداة الفكرية والإعلامية لمواجهه السموم التي كانت تبث من قبل تركيا عبر الأبواق الإعلامية الموالية لها والناطقة بالعربية".
وواقعيا، وعقب نجاح استراتيجية المحور الثلاثي العربي وفشل الطموحات السياسية لتركيا مع تراجع اقتصادها، عملت أنقره علي السعي نحو إعادة العلاقات مع الدول الثلاث منذ نهاية عام ٢٠١٩ من خلال التواصل عبر قنوات دبلوماسية التي احتفظت بها الدول الثلاث.
بنفس الرؤية، يرى الخبير المصري المختص بالشأن التركي كرم سعيد، أن تركيا تستهدف بهذه الزيارة الاستراتيجية تحقيق نقلة نوعية تتمثل في مجموعة من المصالح في مقدمتها إحداث نقلة نوعية في العلاقات مع الإمارات، على صعيد التهدئة مع قوى إقليمية ووازنة على مستوى العلاقات الإقليمية والدولية.
بالإضافة إلى أن تفكيك حالة العزلة التي يعاني منها الداخل التركي، عبر إحداث اختراق في الداخل التركي من خلال تحقيق نصر خارجي يتمثل في التقارب مع الإمارات، يسكت الانتقادات الموجهة لأردوغان وحزبه.
aXA6IDE4LjExNy45NC43NyA=
جزيرة ام اند امز