عامان على «اتفاق الإمارات» التاريخي في COP28.. علامة فارقة بمسيرة العمل المناخي العالمي
في ديسمبر/كانون الأول 2023، سجل العالم حدثا تاريخيا في دبي، حيث احتضنت دولة الإمارات الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP28".
شارك في المؤتمر أكثر من 70 ألف مشارك من 198 دولة، يمثلون الحكومات، والقطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية، والشباب، والمرأة، لمناقشة مستقبل كوكب الأرض، والخروج بـ"اتفاق الإمارات التاريخي" الذي أصبح اليوم مرجعا عالميا للعمل المناخي.
لم يكن هذا الاتفاق مجرد نص مكتوب، بل شكل خارطة طريق حقيقية لتحقيق التنمية المستدامة وتقليل الانبعاثات وحماية الأجيال القادمة. وبمشاركة فاعلة من جميع الأطراف، برزت قدرة المجتمع الدولي على التعاون وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات المناخية العالمية، وهو ما جعله نموذجا عالميا يحتذى به في العمل متعدد الأطراف.
استضافة الإمارات لـCOP28 عكست رؤيتها الاستشرافية والتزامها بخدمة الإنسانية. فقد أظهرت الإمارات قدرتها على الجمع بين التميز التنظيمي والقدرة الدبلوماسية العالية لتحقيق نتائج ملموسة على صعيد العمل المناخي، وهو ما عزز مكانتها الدولية في قيادة الجهود المناخية والتنموية، وبناء مستقبل مستدام للبشرية وكوكب الأرض.
كان اتفاق الإمارات موضع إشادة عالمية من كبار الزعماء والمسؤولين الدوليين، الذين عبروا عن تقديرهم للدور الإماراتي ودفع اتفاق COP28 باتجاه نتائج استثنائية.
وأشاد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بالاتفاق واصفا إياه بـ “الخطوة التاريخية” في مسعى العالم للحد من تغير المناخ، معتبرا أن العالم ما زال أمامه الكثير من العمل لكنه اقترب خطوة كبيرة في مواجهة الاحترار العالمي.
ونوه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن إدراج بند التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري في الوثيقة الختامية لمؤتمر COP28 يمثل بداية نهاية عصر الوقود الأحفوري، وشدد على أن هذا الانتقال يجب أن يتحقق مع العدالة والإنصاف، داعيًا إلى دعم جميع البلدان، خصوصًا النامية منها، في كل خطوة نحو التنفيذ.
وأشاد وزراء ومسؤولون من دول عديدة بأهمية COP28 ووصفوه بأنه الأهم في تاريخ مؤتمرات المناخ، مشددين على أن الدعم المالي الجديد، والتوافق حول الأهداف والتزام الإمارات بالجمع بين مختلف أطياف المجتمع الدولي كلها أمور أسهمت في هذا النجاح الفريد.
ورحب جون كيري مبعوث الولايات المتحدة السابق للمناخ بالاتفاق، معتبرا أنه يمنح سببا للتفاؤل في عالم يواجه نزاعات متعددة، مؤكدا مشاركة بلاده والصين في تحديث استراتيجيات مناخية أطول أجلا في المستقبل
كما أشاد قادة دول مثل كينيا، وجنوب أفريقيا، وغانا، والبرازيل بالدور الريادي للإمارات في التوصل إلى توافق دولي شامل.

بنود "اتفاق الإمارات" التاريخي
تميز "اتفاق الإمارات" بالعديد من الإنجازات غير المسبوقة، والتي تركزت على ثلاثة محاور رئيسية: الطاقة، والطبيعة، والتمويل.
أولاً، تم تحقيق انتقال منظم ومسؤول وعادل في قطاع الطاقة، يضمن خفض الانبعاثات بما يتماشى مع الحقائق العلمية. وتركز الاتفاق على زيادة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة 3 مرات بحلول عام 2030، وهو هدف طموح عالمي يشجع على الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ثانيًا، شمل الاتفاق مضاعفة كفاءة الطاقة على مستوى العالم، بهدف تقليل الهدر وتحسين الأداء البيئي والاقتصادي. وتساهم هذه الإجراءات في تقليل استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 30% في بعض القطاعات الصناعية، ما يترجم إلى خفض الانبعاثات وتحقيق وفورات مالية كبيرة للدول والشركات.
ثالثًا، ركز الاتفاق على حماية الطبيعة والتنوع البيولوجي، والحد من إزالة الغابات، لتعزيز قدرة النظم البيئية على التكيف مع تغير المناخ. وأنشئ صندوق عالمي لمعالجة الخسائر والأضرار لتقديم الدعم المالي للدول الأكثر تضررا من التداعيات المناخية، حيث بلغت التعهدات الأولية 792 مليون دولار، وهو ما يعكس أهمية التضامن الدولي في مواجهة التحديات البيئية.
وشمل إطار عمل الإمارات للمرونة المناخية العالمية قطاعات استراتيجية أساسية، بما في ذلك المياه والغذاء والزراعة والصحة والنظم البيئية والبنية التحتية والقضاء على الفقر، إلى جانب الحفاظ على التراث الثقافي.
كما دعا الاتفاق إلى الالتزام بخفض الانبعاثات عالميا بعد ذروتها المتوقعة في 2025، مع مراعاة الظروف الوطنية المختلفة، وتقديم مساهمات وطنية شاملة تشمل كافة القطاعات الاقتصادية وأنواع الغازات الدفيئة، بما يضمن تحقيق الهدف العالمي للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
التمويل والمبادرات الاستراتيجية
كان التمويل حجر الزاوية في نجاح COP28، حيث تجاوزت التعهدات المالية 85 مليار دولار لدعم العمل المناخي العالمي. وشملت هذه الاستثمارات مشاريع حماية الطبيعة، تطوير النظم الغذائية والزراعية، تحسين الرعاية الصحية، ودعم المجتمعات المحلية المتضررة من تغير المناخ.
أطلقت الإمارات صندوق الاستثمار المناخي "ألتيرّا" برأسمال تحفيزي 30 مليار دولار، بهدف تحفيز 250 مليار دولار إضافية من الاستثمارات الخاصة حول العالم، ليصبح نموذجا رائدا في توجيه التمويل نحو مشاريع الطاقة النظيفة والتكيف مع المناخ.
وشمل التمويل أيضا: 3.5 مليار دولار لتجديد صندوق المناخ الأخضر، 134 مليون دولار لصندوق التكيف، 129.3 مليون دولار لصندوق البلدان الأقل نموا، و31 مليون دولار للصندوق الخاص لتغير المناخ، بالإضافة إلى 200 مليون دولار من حقوق السحب الخاصة لدعم الاستدامة والمرونة.
من أبرز المبادرات التمويلية أيضا دعم الابتكارات في مجال التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة، بما في ذلك تمويل مشاريع الهيدروجين الأخضر، وتوسيع شبكات الطاقة الذكية، وتطوير تقنيات تخزين الطاقة، والتي تعد أساسية لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات عالميا.
دور الشباب والمرأة في COP28
تميّز المؤتمر بإشراك كافة شرائح المجتمع، خاصة الشباب والمرأة، عبر مبادرات مبتكرة. من أبرزها برنامج "رائد المناخ للشباب"، الذي أصبح جزءا دائما من منظومة مؤتمرات الأطراف لضمان إدماج أصوات الشباب في المفاوضات الدولية.
كما شمل برنامج مندوبي شباب الإمارات للمناخ 100 شاب من الدول الجزرية والدول الأقل نموا والشعوب الأصلية، لتسليط الضوء على التحديات الخاصة بهذه الفئات.
كما تم دعم مشاركة المرأة عبر برامج تدريبية ومبادرات تمكينية، وإطلاق شراكات لضمان مراعاة النوع الاجتماعي في التحولات المناخية، بمشاركة 77 دولة. ويعكس هذا التوجه الالتزام العالمي بتعزيز الشمولية في صنع القرار، وضمان تمثيل جميع الفئات في السياسات البيئية.
إنجازات أولية ومبادرات جديدة
شهد COP28 إطلاق 11 تعهدا وإعلانا جديدا، شملت تعهد زيادة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة كفاءة الطاقة من قبل 133 دولة، وإعلان الإمارات حول الزراعة المستدامة والنظم الغذائية المرنة والعمل المناخي بمشاركة 159 دولة، وإعلان المناخ والصحة بمشاركة 147 دولة، إلى جانب تعهد خفض انبعاثات قطاع النفط والغاز من قبل 52 شركة تمثل 40% من الإنتاج العالمي.
كما أطلق المؤتمر برنامج عمل الانتقال العادل لمدة خمس سنوات لدعم أهداف اتفاق باريس، واحتضن لأول مرة موضوعات جديدة لمؤتمرات الأطراف، مثل الصحة العامة والتعليم والتجارة العالمية والشعوب الأصلية والأديان، ليؤكد شمولية العمل المناخي وارتباطه بجوانب الحياة كافة.
التميز الدبلوماسي والإماراتي
أثبتت الإمارات قدرتها على توظيف الدبلوماسية الذكية والقوة الناعمة لتحقيق توافق عالمي شامل، حيث لعب فريق المفاوضين الإماراتيين دورا محوريا في تقريب وجهات النظر بين الدول وضمان شمولية القرارات لتشمل الجميع.
كما كانت القيادة الإماراتية حاضرة وداعمة خلال جميع مراحل التفاوض، ما ساهم في الوصول إلى "اتفاق الإمارات" التاريخي الذي جمع 198 دولة تحت مظلة واحدة.
هذا التميز الدبلوماسي يعكس قدرة الإمارات على الجمع بين الطموح الاستراتيجي والعمل الرصين، وخلق بيئة تفاوضية متوازنة تضمن تحقيق مصالح جميع الأطراف، مع الحفاظ على الأولويات المناخية العالمية.
المرجع الدولي للعمل المناخي
بعد عامين على اعتماد الاتفاق، أصبح المرجع الدولي الأساسي للعمل المناخي، حيث ساهم في تحفيز الدول لتقديم مساهمات وطنية طموحة تشمل كافة القطاعات الاقتصادية، وتوجيه الاستثمارات نحو الطاقة المتجددة ومبادرات التكيف، وحماية الطبيعة والتنوع البيولوجي من خلال مبادرات مثل تحالف القرم للحفاظ على الغابات الساحلية ومبادرة تنمية المحيطات.
كما ضمن الاتفاق شمولية واحتواء جميع الفئات والمجتمعات، بما في ذلك الشباب والمرأة والشعوب الأصلية، ليصبح مثالا فريدا على النجاح الذي يمكن تحقيقه من خلال التعاون متعدد الأطراف، وحشد الإرادة السياسية والمالية، وإدماج جميع الأطراف في صنع القرار.
شهد COP28 إطلاق مجموعة واسعة من المبادرات الأولى من نوعها في مؤتمرات الأطراف، من بينها: جناح التعليم "إرث من أرض زايد"، الذي استضافته وزارة التربية والتعليم لتعزيز التوعية المناخية بين الطلاب، بالإضافة إلى برنامج "مندوبي شباب الإمارات للمناخ"، لدعم مشاركة الشباب في صنع القرار المناخي.
كما شملت المبادرات البيئية العالمية: حماية غابات القُرم بمشاركة 37 دولة، بحجم تمويل يصل إلى 4 مليارات دولار، بهدف تنمية 15 مليون هكتار بحلول 2030. وإطلاق مبادرة "تنمية المحيطات" لدعم الحياة البحرية وخفض الانبعاثات. وتبني أنماط زراعية مستدامة باستخدام حلول مبتكرة مثل الزراعة المحمية والعضوية والعمودية.
ويعزز الاتفاق القدرة على قياس أثر السياسات المناخية عالميا، من خلال مؤشرات أداء واضحة، مثل تخفيض الانبعاثات، زيادة كفاءة الطاقة، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه والطاقة والزراعة والصحة.
ووضع "اتفاق الإمارات" معايير جديدة للعمل المناخي العالمي، وشكل نقطة انطلاق للدورات القادمة لمؤتمرات الأطراف من خلال "ترويكا رئاسات مؤتمر الأطراف"، لضمان استمرارية الزخم وتحقيق طموحات المناخ العالمية.
كما عكس الاتفاق قدرة دولة الإمارات على الجمع بين الطموح الاستراتيجي والعمل الدبلوماسي الرصين، وإيجاد حلول متوازنة بين التنمية وحماية البيئة، مما يعزز مكانتها الريادية عالميا ويثبت أن العمل المناخي الناجح ممكن حين يتوفر الإرادة والتعاون والمشاركة الشاملة.
وفي نهاية المطاف، يشكل COP28 و"اتفاق الإمارات" إرثا حيا للعالم، إذ يمثل نموذجا يحتذى به في تحقيق التوازن بين التنمية والبيئة، ويؤكد أن التضامن الدولي والشمولية والمرونة والتمويل المستدام هي الركائز الأساسية لضمان مستقبل آمن ومستدام للبشرية وللكوكب.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAzIA== جزيرة ام اند امز