في التراث العربي، يحتل الفارس مكانة لا تشبه سواها فهو لا يحمل سيفه ليغزو بل ليحمي، ولا يمتطي جواده طلبا للمجد بل نصرة للحق، أما الشهم، فهو الذي تناديه المروءة قبل أن يُدعى لها، فيبادر إلى فعل ما تمليه عليه النخوة.
وحين يجتمع الفارس والشهم في كيان واحد، يظهر النبل العربي في أنقى صوره، فتنتقل الفروسية من ميادين القتال إلى ميدان الضمير الإنساني، حيث لا خصم يهزم، بل جرح يضمد وطفل ينقذ وأمل يستعاد.
من هذا المزيج الأصيل، ولدت مبادرة «الفارس الشهم»، الاسم الذي لم يكن شعاراً، بل مرآة للهوية الإماراتية التي جعلت من الفروسية خلقاً ومن الشهامة نهجاً ومن العطاء التزاماً ومن الإنسانية نبراساً لا يحده زمان ولا مكان.
من هنا من أرض السلام، انطلقت دولة الإمارات لتعيد إلى العالم روح الفروسية الحقيقية لا في ميدان الحرب بل في ميدان الإنسانية، حين أطلقت مبادرتها «الفارس الشهم 3» في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، لتقول للعالم إنه ما زال في الإنسانية من يسابق الريح ليغيث، ومن يمد يده للعون وفاء للضمير.
عامان مرا على انطلاق المبادرة لكن صداها لم يخفت، ظلت جسراً من الأمل يصل بين دولة الإمارات وقلوب الفلسطينيين في غزة، حيث كانت الأنفاس تختنق تحت ركام الحرب، فلم تكن تلك المبادرة مجرد استجابة إنسانية عابرة، بل كانت عملا متكاملا يعيد تعريف معنى التضامن ويرسخ صورة دولة الإمارات والنهج الإنساني الذي وضعه الوالد المؤسس الشيخ زايد وجعل من العطاء والعمل الإنساني جزءا لا يتجزأ من هوية الدولة، وعلى الدرب يسير الأبناء.
فمنذ انطلاقها قبل عامين، قدمت الإمارات 2.57 مليار دولار من المساعدات، أي ما يعادل 46% من إجمالي المساعدات العالمية الموجهة لقطاع غزة، لتتصدر بذلك المشهد الإنساني العالمي، لا بالتصريحات، بل بالفعل الموثق بالأرقام والحقائق، وفي خضم الدمار، ووسط العجز الدولي، كانت القوافل الإماراتية تصل إلى غزة حاملة الحياة، أكثر من 100 ألف طن من المواد الغذائية والطبية والمياه تدفقت عبر الممرات إلى القطاع.
أما المستشفى الميداني الإماراتي الذي أقيم داخل غزة بسعة 200 سرير، فقد تحول إلى رمز للأمل، حيث استقبل أكثر من 53 ألف حالة من الجرحى والمرضى، فيما كان المستشفى العائم في مدينة العريش المصرية، بسعته البالغة 100 سرير، ينقذ الأرواح فوق الماء، ويستقبل أكثر من 20 ألف حالة، في مشهد إنساني نادر يجسد معنى الإخلاص والواجب الإنساني.
ولأن الحياة لا تقوم على العلاج وحده، أنشأت دولة الإمارات محطة لتحلية المياه بطاقة مليوني جالون يوميا، يستفيد منها أكثر من مليون شخص، في خطوة أعادت إلى غزة حقها في شربة ماء نظيفة بعد طول العطش، وبعد أن روت الظمأ، أشبعت البطون أيضا، إذ دعمت 75 مطبخا شعبيا و42 مخبزا لتأمين الغذاء اليومي لعشرات الآلاف من الأسر، لتؤكد أن العطاء الإماراتي لا يقف عند حدود الإنقاذ العاجل، بل يمتد إلى إعادة دورة الحياة نفسها.
ومن الجو، واصلت مبادرة «طيور الخير» تحليقها، حيث نفذت 81 عملية إنزال جوي حملت معها 4,076 طنا من المساعدات، لتؤكد أن لا عائق يمكن أن يمنع وصول رسالة الإمارات إلى من يحتاجها، مهما كانت الظروف.
أما على أرضها الطيبة، فقد فتحت دولة الإمارات أبوابها لاستقبال ألف طفل وألف مريض سرطان وذويهم للعلاج والرعاية، لتمنحهم ليس فقط الدواء، بل دفء الإنسانية ذاته.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي قصص حياة كتبتها دولة الإمارات بمداد من الرحمة، خلف كل طن من الغذاء آلاف من الأطفال شبعوا بعد جوع، وخلف كل سرير في المستشفى أم استردت أبناءها من براثن الخطر، وخلف كل رحلة علاج حلم بالشفاء وابتسامة تعود إلى وجوه عابسة فارقتها الابتسامة.
وفي الذكرى الثانية لهذه المبادرة الخيرة، لعل أولئك من ضعاف النفوس الذين تساءلوا يوما ماذا فعلت دولة الإمارات لغزة؟، قد وجدوا الجواب بأنفسهم، لا في البيانات أو التصريحات، بل في وجوه الأطفال الذين عاد إليهم الأمل، وفي عيون الأمهات التي استعادت ضوء الحياة، وفي ضمائر الأحرار الذين أيقنوا أن في هذا العالم ما زال من لا ينسى واجبه الإنساني مهما اشتدت العواصف وتعاظمت التحديات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة