الإمارات أصبحت مدرسة متكاملة في الحكم من خلال العلاقة بين الحاكم والشعب وفي العلاقات الدولية من خلال التركيز على القيم الإنسانية
الترجمة التاريخية والسياسية لاستعادة قصة الشيخ زايد، قبل يومين، في توحيد الإمارات السبع وفي النهضة التنموية التي تعيشها الدولة في الاحتفال بالعيد الوطني الـ47 الذي أقيم في استاد زايد وحضره أصحاب السمو حكام الإمارات هي: أن الشخصيات التي تترك بصماتها الوطنية والإنسانية لا يمكن للزمن أن يمحوها بل ستظل الأجيال والإنسانية تتذكر مواقفها وإنجازاتها لعقود طويلة إن لم يكن على مدى الزمن.
يتفق المؤرخون الذين عايشوا الشيخ زايد والحاليون على أنه شخصية استثنائية وأنه زعيم سياسي غير عادي لا يتكرر كثيرا في تاريخ الأمم والشعوب، وترك تراثا سياسيا وإنسانيا ثريا وغزيرا نحتاج إليه لاستلهام الدروس، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها منطقتنا والعالم والتي تحتاج إلى "حكيم" أكثر منها إلى سياسي
قصة الاحتفال وتفاصيله تخبرنا أن المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الاتحاد، لعب دوراً أساسياً في تحولات تاريخ الدولة بل المنطقة كلها، نظراً لما كانت تعيشه المنطقة من انقسامات سياسية وقبلية وتحديات إقليمية حقيقية، وأنه صنع المعجزات على هذه الأرض بعيداً عن التنظير السياسي والتعقيد الأيديولوجي حتى باتت اليوم دولة الإمارات نموذج وحدوي وأيقونة تنموية.
إذا وضعنا أعمال الشيخ زايد وإنجازاته التنموية خلال فترة رئاسته للدولة التي امتدت من عام 1971 إلى 2004 في جانب على المستوى المحلي والإقليمي العربي والدولي، وتمت مقارنتها بالوضع السياسي والأمني في المنطقة والعالم، فإننا هنا نتحدث عن شخصية قيادية غير عادية في بُعد نظرها وعمق رؤيتها حتى بات الكل يتفق على "حكمته" وهي حالة غير موجودة في العالم السياسي. بل تؤكدها الأحداث التي تمر علينا خلال هذه الأيام من تحديات وظروف استثنائية بحاجتنا له ولفكره، لهذا فهو الشخصية الحاضرة بسيرتها معنا، بل نراها في إنجازاتها وأعمالها الخالدة وإن غابت عنا بجسدها.
لا يوجد تفسير دقيق لقدرة هذه الشخصية على تحقيق حلم الوطن وصناعة قصة نجاح رغم كل الظروف والتحديات سوى الإرادة الصلبة التي مثّلت قاطرة لنقل الإمارات من هامش التاريخ إلى قلبه وأن تكون صانعة له حتى باتت حديث الساعة.
الذي تابع الفعاليات التي رافقت "عام زايد" من خارج الإمارات وعلى مستوى العالم والتي تم من خلالها استعراض وسرد جانبا بسيطا من إنجازات الوالد المؤسس، تأكد له أن دولة الإمارات تعد نموذجا تنموياً وسياسياً رائعاً يمكن الاستفادة منه خاصة في تجربة بناء الدولة، فإذا كانت بعض الدول العربية عانت من نتائج ما كان يعرف بـ"الربيع العربي" وما زالت إلى أن وصل الأمر إلى تهديد كيانها بسبب التنافس السياسي بين التيارات المختلفة أو الطموحات السياسية الشخصية كما هو الوضع في العراق وليبيا، وبالتالي فإنه بات من حقنا هنا في دولة الإمارات أن نتفاخر بتجربتنا القصيرة في عمر الدول والكبيرة في الإنجازات.
الإمارات أصبحت مدرسة متكاملة في الحكم من خلال العلاقة بين الحاكم والشعب وفي العلاقات الدولية من خلال التركيز على القيم الإنسانية مثل التسامح والتعايش والمساعدات، التي مع أنها كانت ممارسات عفوية للشيخ زايد ويومية -يشهد بها الرحالة الغربيون ومن رافقه من العرب- إلى أن أضحت اليوم نظرية سياسية تدرس في العلاقات الدولية فيما بات يسمى "القوة الناعمة".
ليست هذه كل الصورة عن الشيخ زايد في "تعميره للأرض" فهي أكثر من أن تعد أو تحصى، لكن أكبر شهادة على تميزه السياسي يتمثل في حضوره بيننا، فرغم مرور عقد ونصف على رحيله، فإن سيرته لا تزال متوهجة في أذهان الإنسانية وليس الإماراتيين فقط، فقبل أيام احتفل مركز دراسات الأهرام بجمهورية مصر العربية بمئوية زايد وأصدر كتاباً عن سيرته الإنسانية وعن علاقاته العربية، وفي جمهورية الصين الشعبية أحيا معهد الدراسات الإسلامية ومركز الشيخ زايد للغة العربية التابع لجامعة بكين حفلاً عن الشيخ زايد بمناسبة الذكرى المئوية له، وبالتالي فكما أن سيرته ما زالت تتردد بين الإماراتيين فإنها كذلك حاضرة من خلال الخدمات التي قدمها للإنسانية التي عززت من مفاهيم كثيرة بات العالم يحتاج إليها الآن.
يتفق المؤرخون الذين عايشوا الشيخ زايد والحاليون على أنه شخصية استثنائية وأنه زعيم سياسي غير عادي لا يتكرر كثيرا في تاريخ الأمم والشعوب، وترك تراثا سياسيا وإنسانيا ثريا وغزيرا نحتاج إليه لاستلهام الدروس، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها منطقتنا والعالم والتي تحتاج إلى "حكيم" أكثر منها إلى سياسي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة