الإمارات وعُمان.. "نقلة نوعية" في العلاقات تتوج عيد السلطنة
تشارك دولة الإمارات شقيقتها سلطنة عمان احتفالاتها بالعيد الوطني الـ52، في وقت تشهد فيه العلاقات التاريخية بين البلدين نقلة نوعية.
نقلة نوعية أسهمت فيها الزيارة التاريخية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات للسلطنة قبل شهرين، والذي أجرى خلالها مباحثات مع سلطان عمان هيثم بن طارق، وتوجت بتوقيع 16 اتفاقية لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.
هذه المباحثات والاتفاقيات ترسم خارطة طريق مستقبلية لعلاقات أخوية متنامية ومستدامة تسهم في رخاء وازدهار البلدين والمنطقة.
وتحل ذكرى العيد الوطني لسلطنة عمان هذا العام، في وقت يمضي فيه البلدان لتنفيذ تلك الاتفاقيات بما يسهم في تعزيز التعاون الثنائي بينهما على مختلف الأصعدة.
وفاء وصدق
وتحتفل عمان بعيدها الوطني يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني، الذي يوافق يوم مولد سلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد، لما شهدته البلاد في عهده من نهضة وتطور في مجالات شتى، فيما بدأ الاحتفال به قبل 52 عاما مع تولي السلطان قابوس الحكم عام 1970.
وكان قابوس أعلن عقب توليه الحكم بدء انطلاق مسيرة نهضة السلطنة العمانيّة، وعلى إثرها بدأت مرحلة بناء الدّولة الحديثة.
وبعد توليه مقاليد الحكم في 11 يناير/كانون ثاني 2020، وجه السلطان هيثم بن طارق باستمرار يوم 18 نوفمبر/تشرين ثاني يومًا وطنيًّا للنهضة تحتفل به السلطنة كل عام، في لفتة طيبة تعبِّر عن أصدق مواقف الوفاء والصدق وأنبل المشاعر تجاه السلطان الراحل.
وفيما يعد السلطان قابوس مؤسس نهضة عمان الحديثة، فإن خلفه هيثم بن طارق أسس عقب توليه الحكم مرحلة أخرى من نهضة عُمان المتجددة، وضع بعض ملامحها في رؤية "عُمان 2040".
ولا يمكن أن تمر مناسبة وطنية مثل احتفال سلطنة عمان بعيدها الوطني دون أن تحظى بأهمية خاصة من قيادة وشعب دولة الإمارات العربية المتحدة.
فالاحتفالات المشتركة تتوج ما يربط شعبا البلدين من علاقات اجتماعية وثقافية، تتسم بخصوصية مستمدة من التاريخ والجغرافيا (الجوار بالحدود الطويلة المشتركة) وروابط النسب والجذور الواحدة للقبائل والعائلات، وشكلت في مجملها مرتكزات قوية للعلاقات بين الدولتين تدفع في اتجاه تطويرها باستمرار.
أهمية خاصة
ويحمل العيد الوطني لسلطنة عمان هذا العام أهمية خاصة على صعيد علاقاتها مع دولة الإمارات، كونه يأتي بعد شهرين فقط من زيارة الدولة التاريخية لرئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى السلطنة يومي 27 و28 سبتمبر/أيلول الماضي، التي شكلت منعطفا مهما في تاريخ العلاقات بين البلدين، بما حملته من دلالات ورسائل مهمة وما أسفرت عنه من نتائج.
فقيام الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بزيارة دولة إلى سلطنة عمان، التي تعد أرفع أنواع الزيارات الرسمية، أبرز قوة ومتانة العلاقات الأخوية بين البلدين التي تستمد جذورها من التاريخ المشترك وحسن الجوار وعمق صلات المودة التي تجمع بين شعبي البلدين.
تلك العلاقات القوية عبر عنها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في تصريح له بمناسبة زيارة السلطنة التي وصفها بأنها "بلد عزيز يحظى بمكانة خاصة في قلوب الإماراتيين قيادة وشعباً".
وأكد فيها أن العلاقات التاريخية الراسخة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان الشقيقة، لها طابعها الخاص.
وعبر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن اعتزازه بالعلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمعه مع السلطان هيثم بن طارق سلطان عمان، منوهاً بنهج التواصل الأخوي الأصيل الذي تحرص عليه قيادة دولة الإمارات وسلطنة عمان منذ تأسيسهما.
واستذكر خصوصية العلاقات الأخوية التي جمعت الراحلين الكبيرين الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والسلطان قابوس بن سعيد ودورهما التاريخي في تعزيز هذه الروابط القائمة على المحبة والاحترام، مؤكدًا أن "قيادة البلدين ستمضي بإذن الله على طريقهما ونهجهما".
ويعد اللقاء الذي جمع بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وأخيه سلطان عمان هيثم بن طارق خلال الزيارة هو الثاني خلال 4 شهور بعد اللقاء الذي جمعهما خلال زيارة سلطان عمان إلى الإمارات مايو/أيار الماضي، لتقديم التعازي بوفاة رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
زيارات على مستوى القادة تأتي ضمن عشرات الزيارات التي جرت على مدار العام الجاري بين مسؤولي البلدين، شهدت مشاورات ومباحثات لتعزيز التعاون بين البلدين على مختلف الأصعدة.
وأجرى قائدا البلدين مباحثات معمّقة سادتها روح الأخوة والانسجام جرى خلالها التأكيد على تعزيز التعاون في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، والإشادة بما تم تحقيقه من تعاون وتنسيق.
وأكدا الدور الهام الذي تقوم به اللجنة العليا المشتركة، ورحّبا بالتواصل الفعّال بين الوزراء في البلدين لبحث المواضيع المشتركة التي من شأنها تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.
إرادة مشتركة
وتم خلال الزيارة توقيع نحو 16 اتفاقية ومذكرات تفاهم لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.
وتغطي مذكرات التعاون طيفا واسعا من المجالات التي تعزز من العلاقات الراسخة بين البلدين حيث تشمل التعاون في الثقافة والإعلام والسكك الحديدية والتعليم والبحث العلمي والثروات الزراعية وأسواق المال.
من أبرز الاتفاقيات التي تم توقيعها أيضا اتفاقية تعاون بشأن مشروع ربط السكك الحديدية بين البلدين.
وتتضمن الاتفاقية تأسيس شركة عُمان والاتحاد للقطارات المملوكة بالمناصفة بين الجانبين بهدف تصميم وتطوير وتشغيل شبكة سكك حديدية تربط ميناء صحار بشبكة السكك الحديدية الوطنية في دولة الإمارات، باستثمارات إجمالية للمشروع بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي.
وبعد يومين فقط من توقيع الاتفاقية، عقد مجلس إدارة الشركة المشتركة، اجتماعه الأول، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي لبحث خطط تنفيذ المشروع المشترك.
عقد الاجتماع بعد توقيع الاتفاقية بيومين فقط يكشف عن إرداة قوية مشتركة للمسارعة في تعزيز التعاون بين البلدين وتطبيق ما يتم الاتفاق عليه.
وظهر ذلك جليا أيضا في الاجتماع التي تم عقده 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري لبحث الملاحظات الواردة من اللجنة الإماراتية العمانية المشتركة.
وقبل أيام، استقبلت اللجنة التنظيمية للمنافذ والنقاط الحدودية في الشارقة في منفذ خطم ملاحة الحدودي وفدا من شرطة عُمان السلطانية.
وعقد الجانبان اجتماعا تنسيقيا تناول عددا من قضايا العمل المشترك وأوجه التعاون، إضافة إلى بعض الملاحظات الواردة من اللجنة الإماراتية العمانية المشتركة، وأكدا أهمية الاستفادة من الخبرات والممارسات المعمول بها في الجانبين بما يسهم في تسهيل عبور المسافرين وتيسير حركة التجارة البينية بين البلدين الشقيقين.
وكانت "لجنة المتابعة المنبثقة عن اللجنة العليا الإماراتية - العمانية المشتركة" قد عقدت اجتماعها الدوري 7 يونيو/حزيران الماضي في العاصمة أبوظبي، امتثالا لتوجيهات القيادتين بدولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان واستكمالا للجهود المبذولة لتعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات.
تم خلال الاجتماع مناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بين الجانبين والتوافق بشأنها، والتي ستسهم في خدمة ورفاه مواطني البلدين.
احتفال مشترك
وبالتوازي مع الجهود الرسمية لتعزيز علاقات البلدين، تتحول المناسبات الوطنية في البلدين إلى احتفالية مشتركة تجسد أواصر الأخوة والمحبة والمصير المشترك الذي يجمع بين البلدين، والعلاقات الأخوية والروابط التاريخية التي تتوثق وتزداد تلاحما وقوة عاما تلو الآخر.
وتشهد الإمارات مجموعة من الفعاليات والعروض المميزة احتفاءً بالذكرى الـ 52 للنهضة المباركة لسلطنة عمان.
وتتضمن الفعاليات إضاءة عدد من أبرز معالم الدولة العمرانية بالعلم العماني، واستقبال الزوار العمانيين القادمين إلى دولة الإمارات عبر المعابر الحدودية والمطارات بالورود والهدايا التذكارية، وتخصيص ختم خاص لجوازات سفرهم من وحي المناسبة، إلى جانب تنظيم فعاليات خاصة للاحتفال بالمناسبة في أبرز مراكز التسوق والترفيه في الدولة.
وتحتفل سلطنة عمان بعيدها الوطني يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، فيما تحتفل دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر/كانون الأول كل عام باليوم الوطني.
ويجسد احتفاء البلدين، قيادة وشعبا، باليوم الوطني في كل منهما عمق العلاقات الأخوية التاريخية بين البلدين والمصير المشترك الذي يجمعهما.
ويتقاسم البلدان موروثا ثقافيا مشتركا من فنون وآداب شكلت هوية ثقافية متجانسة لشعبيهما ولجميع شعوب منطقة الخليج العربي، فيما تنعكس العادات والتقاليد المشتركة بين الشعبين على الكثير من المفردات في الشعر والنثر والقصة والموروث الشفهي والأمثال والمرويات الشعبية، إلى جانب ما يتصل بأساليب وطرائق الحياة بصفة عامة.
وتزداد الروابط الثقافية والاجتماعية بين دولة الإمارات وسلطنة عُمان تداخلا وعمقا بدرجات كبيرة، تصل إلى مستوى العلاقات الأسرية والعائلية وتقاسم العادات والأزياء والفنون، نتيجة للتاريخ المشترك والتلامس الجغرافي.
علاقات تاريخية
وفي كل مناسبة وطنية يستذكر شعبا البلدين جهود القادة المؤسسين في إرساء علاقات أخوية قوية بين البلدين.
علاقات أخوية تزداد نموا وترسخا في ظل القيادة الحكيمة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات، والسلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد سلطان عمان.
ومنذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر/كانون الأول عام 1971، حرص المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، على التأسيس لعلاقات قوية وراسخة مع سلطنة عُمان الشقيقة، وكان لدى المغفور له السلطان قابوس بن سعيد، الرغبة نفسها في أن تكون العلاقات الإماراتية - العُمانية نموذجاً يُحتذى به على الصعيدين الخليجي والعربي، بل والدولي أيضاً.
وقد شكلت الزيارة التاريخية للشيخ زايد إلى سلطنة عمان في عام 1991 منعطفاً مهماً في مسيرة التعاون بين البلدين، والتي تم على أثرها تشكيل لجنة عليا مشتركة بين البلدين كان من أبرز إنجازاتها اتخاذ قرار بتنقل المواطنين بين البلدين باستخدام البطاقة الشخصية "الهوية" بدلاً من جوازات السفر، وتشكيل لجنة اقتصادية عليا أجرت العديد من الدراسات لإقامة مجموعة من المشاريع المشتركة.
وتعد دولة الإمارات أكبر شريك تجاري لسلطنة عمان على مستوى العالم، فهي أكبر مصدّر إلى عُمان وأكبر مستورد منها، وتستحوذ على أكثر من 40% من مجمل واردات عمان من العالم فيما تستأثر بنحو 20% من صادرات عمان إلى الأسواق العالمية.
وقد بلغت قيمة التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين في عام 2021 أكثر من 46 مليار درهم بنمو 9% عن 2020، وبلغ متوسط النمو في تجارة البلدين خلال آخر 5 سنوات نحو 10%. وفي المقابل تعد سلطنة عُمان ثاني أكبر شريك تجاري خليجي لدولة الإمارات وتستحوذ على 20% من إجمالي تجارتها مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وعلى صعيد الاستثمار، تعد دولة الإمارات أكبر مستثمر عربي وثالث أكبر مستثمر عالمي في سلطنة عمان وتساهم بأكثر من 8.2% من إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في عُمان.
فيما بلغت القيمة الإجمالية للاستثمارات المتبادلة بين البلدين 15 مليار درهم تشمل كافة القطاعات والأنشطة الاقتصادية تقريباً.