تشهد العلاقات الثقافية بين الإمارات والصين ازدهارا متناميا، يرتكز على ما يربط البلدين من علاقات سياسية راسخة وشراكة اقتصادية متينة.
وترتكز العلاقات "الإماراتية - الصينية" على أسس قوية وضعها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، خلال زيارته التاريخية للصين في مايو/أيار عام 1990، رداً على زيارة الرئيس الصيني الأسبق "يانج شانج كون" إلى دولة الإمارات في ديسمبر/كانون الأول عام 1989؛ حيث كانت الزيارة بمثابة ترسيخ لمبدأ من مبادئ السياسة الخارجية الإماراتية، وهو تنويع العلاقات السياسية والاقتصادية، والانفتاح على جميع الدول الصديقة.
وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أول رئيس من دول مجلس التعاون الخليجي، يقوم بزيارة رسمية للصين، فيما بدأت العلاقات بين الإمارات والصين في 3 ديسمبر/ كانون الأول 1971، أي بعد يومين على قيام دولة الإمارات، حينما بعث القائد المؤسس، ببرقية إلى شو ان لاي، رئيس مجلس الدولة الصيني. كما أن هناك اتفاقية تعاون اقتصادي وفني موقعة بين البلدين منذ عام 1985، وسلسلة من الاتفاقات المتخصصة في مجالات مختلفة تم توقيعها خلال عقد التسعينيات.
ويولي الجانبان اهتماما كبيرا بتعزيز وتشجيع التبادل الثقافي، حيث شهد عام 2010 افتتاح أول مدرسة من نوعها على مستوى المنطقة لتدريس اللغة الصينية في أبوظبي ليتوالى بعد ذلك افتتاح هذه المدارس ليصل إلى 60 مدرسة، فيما شهد عام 2020 افتتاح أول مدرسة صينية رسمية خارج الصين في دبي. كما تحظى الجالية الصينية في دولة الإمارات بترحيب وتقدير كبيرين على المستوى الرسمي والشعبي، حيث يقدر عدد المقيمين الصينيين في الإمارات بأكثر من 270 ألفا.
الصين في إكسبو 2020 دبي
عكست المشاركة المتميزة للصين في معرض إكسبو 2020 دبي، هذه العلاقات الوثيقة، حيث شكل جناح بكين أحد أكبر أجنحة المعرض على مساحة 4636 مترا مربعا، مع تصميم مميز على شكل فانوس صيني تقليدي يرمز إلى السعادة والأمل، مازجا بين الثقافتين المحلية والغربية، تحت شعار "بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية.. الابتكار والفرص".
وضم الجناح 4 أقسام رئيسية، هي "الحلم المشترك، والأرض المشتركة، والوطن المشترك، والمستقبل المشترك"، وذلك عبر 3 طوابق و6 مناطق عرض، إضافة إلى مطاعم لعشاق الأكل الصيني، وقاعات متعددة الوظائف، وكذلك قاعة لاستقبال كبار الشخصيات.
وقدم جناح الصين في إكسبو 2020 دبي، جولة تاريخية مضيئة للابتكار الصيني، تعكس آلاف السنين من الثقافة والتكنولوجيا الصينية، والتي تؤكد أنه لا توجد نهاية للابتكار والاستكشاف، بدءا من الاختراعات الصينية القديمة مثل البوصلة والبارود، إلى التطورات الحديثة في البلاد في مجال الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية اللاسلكية جي 5.
وعلى هامش الحدث الدولي، وقعت مجموعة الصين للإعلام CMG اتفاقية تعاون مع معرض إكسبو دبي لتكون الناقل الإعلامي الرسمي والوحيد باللغة الصينية للمعرض. وضمن هذه الاتفاقية حصلت المجموعة على الحقوق الحصرية لنقل أحداث المعرض للمشاهدين داخل الصين.
وقالت مو لي نائب المديرة للمكتب الإقليمي لمجموعة الصين لإعلام الشرق الأوسط، عقب توقيع الاتفاقية، إن "معرض إكسبو دبي 2020 وفر لمجموعة الصين للإعلام وبصفتها الشريك الإعلامي الصيني الرسمي لهذا المعرض العالمي منصة خاصة، وأنها ستسخر كافة الإمكانيات لنقل هذه التجربة بشكل فريد لمشاهديها داخل الصين وخارجها"، من خلال إنتاج العديد من البرامج ونشرات الأخبار والتقارير الخاصة بالمعرض، مع تسليط الضوء على أبرز الفعاليات، فضلا عن محاورة المسؤولين وأصحاب القرار والمفكرين والفنانين المشاركين في المعرض لنقل تجاربهم ورؤاهم للعالم.
تدريس اللغة الصينية بمدارس الإمارات
لم تأت هذه المشاركة الصينية اللافتة في إكسبو 2020 دبي من فراغ، حيث سبقتها سنوات وخطوات طموحة من التعاون الثقافي والعلمي بين الإمارات والصين، وهو ما تجلى في قرار الإمارات في سبتمبر/ أيلول 2019 بتدريس اللغة الصينية في 200 من المدارس الحكومية، كلغة ثالثة، إضافة إلى الإنجليزية والعربية.
وارتفع عدد المدارس الحكومية التي تدرس اللغة الصينية على مستوى الإمارات في أبريل/ نيسان 2022، إلى 142 مدرسة، موزعة على 73 في دبي والمناطق الشمالية، و69 في أبوظبي والعين والظفرة. ويبلغ عدد الطلبة الذين يدرسون اللغة الصينية 45 ألفاً و317 طالباً وطالبة في مختلف المراحل الدراسية، بالمدارس الحكومية على مستوى دولة الإمارات.
وتتوافق مستويات اللغة الصينية المطبقة في المناهج الدراسية الإماراتية مع اختبارات المهارة المعتمدة والموحّدة للغة الصينية والتي يُطلق عليها اسم "هانيو شويبنج كاوشي"، إضافة إلى "الإطار الأوروبي المرجعي العام للغات".
وتستهدف تلك المناهج بناء أساس صلب لمفردات ومهارات التواصل في اللغة الصينية من خلال دمج اللغة والمحتوى بالعناصر الثقافية، وذلك عبر 18 كتاباً تغطي 6 مستويات، بمعدل 3 كتب لكل مستوى كما أن سلسلة الكتب تتبنى "مقاربة شاملة" للتعلم وتؤكد على تنمية مهارات الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة.
كما أعلنت وزارة التربية والتعليم الإماراتية عند إطلاق المشروع في يوليو/ تموز 2019 عن تطوير كتب أخرى بالتعاون مع دار نشر نيشان الصينية من أجل مساعدة الطلاب الإماراتيين في فهم الثقافة والمجتمع الصيني بشكل أفضل عبر محاور: الفن والتصميم والرياضيات والجغرافيا والعلوم والموسيقى والدراما والتاريخ والآداب والرياضة والمجتمع.
ويتلقى الطلاب 90 دقيقة في الأسبوع، من مهارات اللغة الصينية، من خلال أساليب الحوار والمحادثة، والتعرف إلى العادات وتقاليد الثقافة الصينية، بواقع حصتين في الأسبوع، وبلغ عدد معلمي اللغة الصينية 185 معلماً ومعلمة على مستوى الدولة. وجاء اعتماد اللغة الصينية في المدارس الحكومية، ضمن معاهدة تعميق العلاقات المشتركة بين دولة الإمارات وجمهورية الصين الشعبية في مجال التعليم.
أسبوع الثقافة الافتراضية بين الإمارات والصين
في يوليو/ تموز 2020، جرى إطلاق أسبوع الثقافة الافتراضية بين الإمارات والصين من خلال تقنية الاتصال المرئي، ولمدة 5 أيام، وضم محادثات وعروضاً موسيقية ومحاضرات ثقافية في كل من دولة الإمارات والصين.
وشدد السفير الإماراتي في بكين، في كلمته خلال افتتاح الفعاليات، على أن الإمارات تعد بوابة عالمية على طريق الحرير الجديد، وهي في وضع مثالي للمساهمة في استراتيجية (حزام واحد، طريق واحد) الصينية"، مشيرا إلى أن هذا الأسبوع الثقافي الافتراضي الإماراتي الصيني هو امتداد طبيعي لتلك العلاقة الراسخة.
ومثلت فعاليات هذا الأسبوع أول ماراثون ثقافي إماراتي صيني يقام كامتداد لأسبوع الثقافة الإماراتي الصيني الذي أطلق في عام 2018 بمناسبة زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الإمارات العربية المتحدة. ونظمت الأسبوع شركة فالكون أند آسوشيتس، وخريجون صينيون من برنامج دبي لتدريب رواد الأعمال الذي يحظى برعاية كريمة من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وتم بثه على الهواء مباشرة ليصل إلى ملايين الناس في جميع أنحاء العالم.
ريادة الإبداع والابتكار
يشكل طموح الإمارات والصين نحو الإبداع والابتكار، قاسما مشتركا للعلاقات بين البلدين، وهو ما عبر عنه "وانج يي" مستشار الدولة وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الإماراتية "وام" في مارس/ آذار 2021، مشيرا إلى وجود 3 ركائز للشراكة الاستراتيجية بين البلدين، أولها الثقة السياسية المتبادلة القوية.
أما الركيزة الثانية، فهي التعاون الرائد والمبتكر حيث أصبح الإبداع طابعا أساسيا للتعاون العملي بين الصين ودولة الإمارات من التعاون في لقاح "كوفيد – 19" إلى استئناف الأعمال والإنتاج، ومن التعاون في الطاقة التقليدية والاقتصاد والتجارة والاستثمار إلى اتصالات الجيل الخامس والبيانات الكبيرة والذكاء الاصطناعي وغيرها من مجال التكنولوجيا المتقدمة والحديثة، ومن البنية التحتية إلى الحديقة الصناعية النموذجية وصولا إلى التعاون في الطاقة الإنتاجية.
في حين تتمثل الركيزة الثالثة، بحسب وزير الخارجية الصيني، في الأساس الشعبي المتين وجذور الصداقة الصينية الإماراتية في التواصل الشعبي، إذ يعني هذا التواصل في مجالات التعليم والثقافة والسياحة والشباب بشكل نشط، حيث يعيش في دولة الإمارات أكثر من 220 ألف مواطن صيني، وفي عام 2019، زار ما يقرب من مليوني سائح صيني دولة الإمارات.
وضرب الوزير الصيني مثالا على التعاضد الشعبي بين بلاده والإمارات، بإضاءة برج خليفة، أعلى مبنى في العالم، بشعارات داعمة لمدينة ووهان، وبمناسبة الحداد الوطني الصيني في يوم 4 أبريل/ نيسان 2020 على خلفية تفشي جائحة كورونا، كما نشر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حينئذ، على حسابه الرسمي بموقع تويتر تغريدات باللغات الصينية والإنجليزية والعربية، أعرب فيها عن التعازي في الشهداء والضحايا الصينيين في هذه الجائحة، الأمر الذي ترك أثرا كبيرا في قلوب الشعب الصيني.
ولفت إلى أن "دولة الإمارات اسم مشهور في الصين ويقدر الشعب الصيني استكشاف دولة الإمارات نمط تحديث فريدا بإرادتها المستقلة وهو نمط يجمع بين التقاليد والحداثة وبين الانفتاح والتسامح، ويحقق التعايش والوئام بين مختلف الحضارات".
وشدد وزير الخارجية الصيني على أهمية توطيد الأساس الشعبي للصداقة الصينية الإماراتية المتوارثة جيلا بعد جيل والمضي في تعزيز التفاهم بين الشعبين، وتعزيز التواصل الإنساني والثقافي في مجالات التربية والتعليم والسياحة والشباب لتعزيز التعارف بينهما.