الدبلوماسية الإماراتية.. القرن الأفريقي نموذجا

ما قدمته الدبلوماسية الإماراتية من إسهام في المصالحة الإثيوبية الإريترية يصب في مصلحة تأمين الأمن القومي العربي

ما تحقق من مصالحة بين إثيوبيا وإريتريا يعد حدثاً تاريخياً له أبعاده على القارة الأفريقية، وكذلك الدولية، نظراً لأن إعلان نهاية الحرب بينهما سيُحدث تحولات أساسية في منطقة القرن الأفريقي المطلة على باب المندب، وإذا كان للدبلوماسية الإماراتية دور أساسي في التقريب بين أديس أبابا وأسمرا، فهذا هو الجزء الرئيس من زاوية التكامل العربي وحماية الأمن القومي العربي، هذه الزاوية هي الأكثر أهمية لما أسهمت فيه الإمارات سياسياً.

ما قدمته الدبلوماسية الإماراتية من إسهام في المصالحة الإثيوبية الإريترية يصب في مصلحة تأمين الأمن القومي العربي، وهو دور من الأدوار الرئيسة التي تقوم بها السعودية والإمارات في مهمة تثبيت الأمن العربي، ولذلك يبقى مثلث «السعودية والإمارات ومصر» يشكل ذراعاً قادرة على التأثير الإيجابي في المنطقة العربية

فتحت فوضى «الربيع العربي» في عام 2011م الأبواب للخطر الداهم على الكيانات السياسية العربية، فما أصاب العالم العربي من اهتزازات كشف عن حجم الخطورة التي تشكلها القوى الطامعة، وأكد أن لا أحد يمكنه الاستهانة بما تحاول تلك القوى من تدخلات وصلت منتهاها، باعتبار الإيرانيين يتحكمون في أربع عواصم عربية، إضافة إلى وقوع دولة محورية بحجم مصر في شباك تنظيم الإخوان المسلمين، ما أكد ضرورة مواجهة هذا التحدي عبر المحور العربي الذي قامت فيه السعودية بالدور القيادي بدعم من دولة الإمارات.

توالت الأحداث، وقوبلت محاولات طهران المحمومة لفرض نفوذها السياسي وأجندتها التخريبية، بحزم التحالف العربي، الذي تمكن من استعادة أجزاء واسعة من اليمن، وأفشل محاولات إيران لفرض نفوذها على اليمن والممرات المائية في خليج عدن وباب المندب، ما أعطى الصراع أبعادا شمولية استدعت قراءة مختلفة، خاصة بعد الموقف العربي الحازم (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) من ممارسات النظام القطري في يونيو 2017م.

كان لا بد أن يتم استدراك ما يجري في القرن الأفريقي، خاصة أن مواقف متغيرة لدول مثل الصومال وجيبوتي عززت ضرورة التحرك العربي في القرن الأفريقي، وتحديداً باتجاه أديس أبابا التي تخوض مع القاهرة مفاوضات صعبة للغاية بشأن سد النهضة، وهو ما يستوجب عملاً دبلوماسياً يحقق لأمن مصر والعالم العربي شكلاً مستقراً ينهي أي تهديدات قد تحصل في حال حاولت القوى الأخرى الاصطياد في المفاوضات المصرية الإثيوبية.

في يونيو 2018م عقد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، جلسة محادثات رسمية مع رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد، في أديس أبابا، تناولت تعزيز علاقات الصداقة والتعاون والشراكة الاستراتيجية بين البلدين ومجمل القضايا ذات الاهتمام المشترك، وشدد الجانبان على أهمية مضاعفة المجتمع الدولي جهود تحقيق السلام والأمان في المنطقة والعالم، وهو ما يفسر الاختراق السياسي الذي استطاعت من خلاله الدبلوماسية الإماراتية النجاح فيه للوصول إلى المقاربة مع إريتريا التي كان زعيمها أسياس أفورقي قد التقى الشيخ محمد بن زايد في أبوظبي.

أطلقت الإمارات حزمة مشاريع اقتصادية في إثيوبيا قاربت المليار دولار، كانت محفزاً لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد للتقدم خطوات جريئة، خاصة أنه، للتو، وصل للسلطة بعد سنتين من احتجاجات واسعة شهدتها إثيوبيا، طالبت بإصلاحات سياسية واقتصادية، وهو ما جعل من رئيس الوزراء أبي أحمد متسلحاً بالدوافع الداخلية لتحقيق المصالحة التاريخية مع جارته إريتريا، فالمسألة ليست فقط طيّاً لسنوات الحرب الطويلة بين البلدين، بل حزمة اقتصادية كبيرة تضمن الرفاه لشعبه.

نجح أبي أحمد في الاستفادة من الأجندة الإصلاحية التي جاء بها، وهو ما من شأنه إعادة النظر في المسار الاقتصادي بمنطقة القرن الأفريقي. هنا تصبح إعادة تنشيط التجارة بين إريتريا وإثيوبيا سبيلاً لتحسين الأوضاع المعيشية لمواطني البلدين.

ما قدمته الدبلوماسية الإماراتية من إسهام في المصالحة الإثيوبية الإريترية يصب في مصلحة تأمين الأمن القومي العربي، وهو دور من الأدوار الرئيسة التي تقوم بها السعودية والإمارات في مهمة تثبيت الأمن العربي، ولذلك يبقى مثلث «السعودية والإمارات ومصر» يشكل ذراعاً قادرة على التأثير الإيجابي في المنطقة العربية، فالنجاح بقطع أي خطر ممكن نحو القرن الأفريقي خطوة تصب في مصلحة العرب وأفريقيا معاً، والنجاح الدبلوماسي الإماراتي في معالجة واحدة من أعقد مشكلات العالم يعطينا، نحن الشعوب العربية، ثقة بأن تلعب هذه الدبلوماسية أدواراً أكثر في معالجات لأزمات عربية تتطلب هذه القدرات الإماراتية الكبيرة.

نقلا عن "البيان"