"الإمارات ومصر قلب واحد".. 5 عقود من التأسيس لليوبيل الذهبي
احتفالية إماراتية مصرية غير مسبوقة بمرور 50 عاما على العلاقات، تتوج أخوة تاريخية، وتؤسس لخمسينية جديدة تنطلق فيها العلاقات لآفاق أرحب.
الاحتفالية الكبيرة تنطلق اليوم الأربعاء، تحت رعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في مصر، وتستمر 3 أيام تحت عنوان "الإمارات ومصر قلب واحد" للاحتفاء بمرور 50 عاماً على العلاقات الإماراتية المصرية.
وتتضمن الاحتفالات أجندة متنوعة من الفعاليات بحضور 1800 شخصية من كبار المسؤولين والمستثمرين ورجال الأعمال والمثقفين والمبدعين والإعلاميين من دولة الإمارات ومصر.
أجندة حافلة تتضمن فعاليات سياسية واقتصادية وثقافية وفنية ورياضية بهدف تعزيز الروابط والعلاقات المتينة الممتدة لأكثر من خمسة عقود، وصياغة مستقبل أكثر تعاوناً وإنجازاً بين البلدين في مختلف المجالات والقطاعات الحيوية.
أكثر من 50 عاما مرت على العلاقات الإماراتية المصرية، ما زادتها السنوات إلا رسوخا وقوة، حتى أضحت العلاقات بينهما نموذجا يحتذى به، في العلاقات الأخوية العربية، التي تستند إلى الشراكة والتعاون والتنسيق.وتكتسب العلاقات بين مصر والإمارات قوتها من جذورها التاريخية، التي تعود إلى ما قبل تأسيس الاتحاد عام 1971، والتي أرسى دعائمها مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
في التقرير التالي تستعرض "العين الإخبارية" مراحل تطور العلاقات بين البلدين بدءا من التأسيس ووصولا لليوبيل الذهبي ( مرور 50 عاما على العلاقات).مرحلة التأسيس
تعود العلاقات الثنائية بين البلدين إلى ما قبل إعلان اتحاد دولة الإمارات عام 1971، حيث جمعت بين الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، والمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، علاقة أخوية عكست القيم المشتركة والاحترام المتبادل بين الشعبين الشقيقين.
وجمعت الزعيمين مشاعر القومية العربية، وهو ما كان يتحقق في حلم الاتحاد الذي كان يسعى الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى تحقيقه في تلك الفترة، وكان الرئيس المصري حينها جمال عبدالناصر داعماً كبيراً لقيام اتحاد الإمارات وقام بإرسال بعثات من المدرسين والمهندسين والأطباء، في مرحلة التأسيس لقيام الاتحاد.
وكانت رؤية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تنطلق أبعد من حدود الاتحاد في استهداف مستقبل عربي مزدهر ومتضامن، وهو ما عبر عنه بمسارعته -وكان وقتها حاكم إمارة أبوظبي- لدعم مصر بعد حرب 1967.
وبعد رحيل جمال عبدالناصر عام 1970، ساندت مصر بقيادة رئيسها آنذاك محمد أنور السادات إعلان قيام دولة الاتحاد عام 1971.
وقبل نحو 8 شهور من إعلان الاتحاد، أجرى الشيخ زايد زيارة إلى مصر في أبريل/ نيسان عام 1971 بدعوة من الرئيس الراحل محمد أنور السادات، أهداه خلالها وشاح آل نهيان تقديراً لدوره في مساندة جهود قيام الاتحاد.
وعقب قيام اتحاد دولة الإمارات، كانت مصر من أوائل الدول التي دعمته بشكل مطلق حيث سارعت للاعتراف به فور إعلانه، وقامت بتبادل العلاقات على مستوى السفارات، ودعمته إقليميا ودوليا معتبرة أنه ركيزة للأمن والاستقرار وإضافة جديدة تصب في صالح قوة العرب.
وبالفعل أثبتت التطورات سريعا أن الاتحاد قوة للعرب ، برز ذلك جليا خلال الموقف الإماراتي التاريخي المساند لمصر في عام 1973 ودعم حقها في استعادة أراضيها المحتلة، فكان قرار الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بوقف تصدير البترول إلى الدول المساندة لإسرائيل، معلنا أمام العالم أجمع مقولته التاريخية: "النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي".
وعقب انتهاء الحرب، كان دعم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، لمصر بـمبلغ 100 مليون دولار بهدف إعادة إعمار محافظات قناة السويس كافة، من المواقف الخالدة في مسيرة العلاقات المشتركة.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1976، زار الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مدينة الإسماعيلية، وقص الشريط الخاص بالمدينة التي تحمل اسمه، والتي أنشأها في إطار مساهمة الإمارات في جهود إعادة إعمار المدينة بعد حرب 1973.
نماذج من مواقف عديدة جمعت البلدين خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، أسست لعلاقات ثنائية متينة خلال العقد الأول بعد تأسيس الاتحاد (1971-1981) ترجمت في فترة وجيزة إلى مواقف وتعاون في جميع المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، وغيرها.تعزيز الشراكة
ومع رحيل الرئيس المصري محمد أنور السادات عام 1981، وتولى الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك حكم مصر، تواصل الزخم في علاقات البلدين، وانتقلت العلاقات الإماراتية المصرية من مرحلة التأسيس إلى تعزيز الشراكة والتعاون.
ونقلت الدولتان خلال العقد الثاني في تاريخ العلاقات بينهما (1981-1991) علاقاتهما إلى مستوى أرفع عبر إنشاء جهة تنظيمية تشرف على تطوير علاقتهما الثنائية في كافة المجالات وفق آلية ممنهجة تأخذ بعين الاعتبار حجم إمكانات البلدين حيث تم عام 1988 توقيع اتفاق إنشاء اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، كما وقع البلدان على اتفاق تبادل تجاري وتعاون اقتصادي وتقني وتشجيع وحماية الاستثمارات بين كل من الإمارات ومصر.
وازدادت العلاقات قوة في العقد الثالث من تاريخ العلاقات (1991-2001)، حيث تبادلت قيادتا البلدين الزيارات الدبلوماسية، وفي كل مرة كان يحتفي الشعبان بروابط الأخوة التي تجمع بينهما.
وظهرت المكانة التي يحظى بها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في قلوب المصريين بشكل جلي في إحدى زياراته إلى مصر، وتحديدا خلال زيارة جرت في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1994، حينها صدرت صحيفة "لأهرام" المصرية العريقة بعنوان: "أهلا بعاشق مصر الأول"، وجاء العدد على شكل إصدار خاص يروي فيه نخبة من الخبراء والدبلوماسيين دور الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، المساند لمصر بالقول إن "زايد مصري الجنسية.. عربي الهوية.. إماراتي الموطن".
وخلال هذا العقد حافظ الطرفان على علاقات وثيقة مبنية على الاحترام والتقدير المتبادل والمصالح المشتركة التي حرص الجانبان دوما على أن تبقى في أفضل المستويات وتتطور بشكل مستمر.
وتوجت العلاقات خلال هذا العقد، بالاتفاق على إنشاء مجلس الأعمال المصري- الإماراتي المشترك في عام 1993 بين الاتحاد العام للغرف التجارية واتحاد غرف تجارة وصناعة أبوظبي من أبرز إنجازات تلك الحقبة الزمنية على مستوى العلاقات الثنائية بين البلدين.
هذا العقد شهد إنشاء مدينة الشيخ زايد في محافظة الجيزة المصرية عام 1995، بمنحة من صندوق أبوظبي للتنمية، ومساحتها 38.4 كيلومتر مربع، ومن أبرز معالمها المميزة تمثال للشيخ زايد، وتبعد نحو 30 كيلو متراً عن وسط القاهرة.الأبناء على درب الآباء
أما العقد الرابع في تاريخ العلاقات بين البلدين ( 2001-2011)، والذي رحل فيه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 2004، تاركا وصية خاصة بمصر، يخلدها تاريخ العلاقات الأخوية بين البلدين، قال فيها : "نهضة مصر نهضة للعرب كلهم.. وأوصيت أبنائي بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر.. وهذه وصيتي، أكررها لهم أمامكم، بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم.. إن مصر بالنسبة للعرب هي القلب، وإذا توقف القلب فلن تكتب للعرب الحياة".
وتولى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مقاليد الحكم، وسار الأبناء على درب المؤسس، لتتطور العلاقات بين البلدين بشكل أكبر، وتأخذ طابعا استراتيجيا خلال العقد الرابع من العلاقات بينهما، حيث بدا واضحا حجم التقارب والتنسيق العالي المستوى بين قيادتي البلدين في التعاطي مع العديد من الملفات والقضايا الحساسة في المنطقة حينها.
وهكذا نجحت الإمارات ومصر بفضل إدارتهما الحكيمة ورؤيتهما الاستشرافية في الحفاظ على سيادة الأمن والاستقرار ودعم السلم الدولي.
وتتويجا لهذا التطور في العلاقات، ووقعت دولة الإمارات وجمهورية مصر العربية من خلال وزارتي خارجية البلدين، عام 2008 مذكرتي تفاهم بشأن المشاورات السياسية، تستهدف تعزيز المشاورات الثنائية بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.قلب واحد
أما العقد الخامس في عمر العلاقات بين البلدين، فقد وصلت فيه العلاقات إلى مرحلة تقارب وتنسيق غير مسبوقة في تاريخ علاقات البلدين. ولا ينسى المصريون الوقفة التاريخية للإمارات في هذا العقد، في أعقاب ثورة 30 يونيو/ حزيران بمصر عام 2013، وما عانته مصر آنذاك من ظروف اقتصادية صعبة، وكانت الإمارات بقيادتها ودبلوماسيتها وأموالها في طليعة الدول الداعمة لها لتنهض مجددا وتستعيد دورها.
وبادرت دولة الإمارات في مساعدة الجانب المصري فضلاً عن الاشتراك في استثمارات كبرى لدعمها؛ ففي عام 2013 وقع البلدان اتفاقية لدعم البرنامج التنموي المصري، قدمت بموجبها دولة الإمارات 4.9 مليار دولار لتنفيذ مجموعة من المشاريع التنموية في مصر.
ومع تولي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حكم مصر عام 2014، وصلت خصوصية العلاقات بين الدولتين ذروتها، حيث شهدت تطورًا كبيرًا ونوعيًا في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية وغيرها.
ومن الأحداث الفارقة لدى المصريين الكلمة التاريخية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال لقائه الرئيس السيسي عقب توليه رئاسة مصر في يونيو /حزيران 2014، التي قال فيها إن "الإمارات ستظل على عهدها وفية لمصر وسندا قويا لها".
وبالفعل قدمت الإمارات عام 2015 حزمة دعم جديدة بقيمة 14.7 مليار درهم للشعب المصري تتكون من شريحتين متساويتين في القيمة، إحداهما وديعة في المصرف المركزي المصري، والثانية لصالح مشاريع متنوعة في قطاعات مختلفة، كما أعلنت خلال مشاركتها في القمة الاقتصادية بشرم الشيخ، أن إجمالي ما قدمته خلال العامين الأخيرين لمصر-في ذاك الوقت- بلغ نحو 51 مليار درهم.
وعلى درب تعزيز العلاقات، اتفق البلدان عام 2017 على تشكيل آلية تشاور سياسي ثنائية تجتمع دورياً مرة كل 6 أشهر على مستوى وزراء الخارجية، وعلى مستوى كبار المسؤولين في القطاعات الأخرى.
العلاقات في هذا العقد وصلت إلى مرحلة أقوى، مع الحرص على عقد القمم المتواصلة والزيارات المتبادلة بين قادة ومسؤولي البلدين.
ولا تكاد تمر فترة قصيرة إلا ويعقد قائدا البلدين قمما واجتماعات ومباحثات لتعزيز التعاون وبحث المستجدات وسبل مواجهة التحديات، وتبادل وجهات النظر حول كيفية دعم قضايا الأمة، حتى باتت شعوب المنطقة والعالم تترقب تلك القمم والاجتماعات وما سيسفر عنها من نتائج تسهم في الخير والازدهار والاستقرار للمنطقة.
ومنذ تولي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات مقاليد الحكم في 14 مايو/ أيار الماضي، جمعته 5 لقاءات وقمم مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي من بين 11 لقاء وقمة جمعتهم خلال 9 شهور فقط، الأمر الذي يبرز قوة العلاقات بين البلدين.
قمم ولقاءات نقلت مستوى العلاقات الثنائية خلال السنوات الأخيرة إلى مراحل متقدمة مما أسهم في تعزيز حضورهما، كأحد أهم اللاعبين الأساسيين في المنطقة على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري.
وتعكس الزيارات المتبادلة والمباحثات المتواصلة والقمم المستمرة بين الجانبين قوة الشراكة الاستراتيجية، وتلك العلاقات التي تجمع البلدين، والحرص على التنسيق والتشاور المستمر بينهما بما يدعم أمن واستقرار المنطقة.
وتتويجا للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين، تم في مايو/ أيار الماضي الإعلان عن الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة تجمع الدولتين بالإضافة إلى المملكة الأردنية الهاشمية، من أجل تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في 5 مجالات صناعية واعدة ومؤهلة للتكامل والتعاون، وتخصيص صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار، للاستثمار في المشاريع المنبثقة عنها.
ويواصل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات والرئيس المصري السير على درب المؤسس في تعزيز العلاقات المتميزة والوطيدة بين البلدين على المستويات كافة وفي مختلف المجالات، وهو ما يتجسد بشكل جلي في الاحتفالية التي تقام هذه الأيام والتي تؤكد قولا وفعلا أن "الإمارات ومصر قلب واحد" .