تشكيل تحالفات دولية من أجل معالجة وضع أمني أسلوب فاعل لردع تهور بعض السياسيين
الخميس الماضي، أعلنت دولة الإمارات الانضمام إلى تحالف بحري دولي مقره مملكة البحرين وبقيادة الولايات المتحدة الأمريكية هدفه: تأمين طرق الملاحة في منطقة الخليج العربي والمحيط الهندي، والحفاظ على سلامة الممرات البحرية الدولية من العمليات الإرهابية التي تكررت أكثر من مرة من قبل النظام الإيراني وإن اختلف الفاعلون في المشهد وانكرت طهران.
فقد دفعت الهجمات التي تشنها الميليشيات التابعة لإيران والحرس الثوري والتي تميزت بدرجة من الكثافة والغموض إلى حصول تفاهمات إقليمية ودولية في محاولة لاحتواء هذا الخطر قبل أن يستفحل ويشكل أزمة طاقة على المجتمع الدولي بأكمله، فإذا كانت الدول المجاورة لإيران يقلقها التهور وعدم المسئولية لتصرفات النظام الإيراني في العديد من سلوكياته فإن الغرب والشرق البعيدون عن المنطقة يراقبون الوضع ويتخوفون من انقطاع استمرار تدفق الطاقة الذي هو شريان حيوي إليهم لأنها متأكدة أن الإضرار بمعامل النفط في المنطقة يعني الإضرار لاقتصادهم، ويمكن القول أن هذا القلق والخوف هو ما دفع الدول المترددة في بداية الإعلان عن التحالف إلى اتخاذ خطوات الانضمام وكان الحادث الأخير في معامل أرامكو قد أثار اهتمام مراكز صنع القرار العالمي.
استنكار العالم لما يتم من عمليات استهداف المتكررة للطاقة سواء، للناقلات أو معامل التكرير، خطوة إيجابية مهمة، لكنها في كل الأحوال لا يمكن التعويل عليها حول ما يحمله قادم الأيام أو اعتبارها خطوة كافية لأننا نتعامل مع نظام لا يضع اعتباراً لشعبة فكيف يمكن أن يهتم بالآخرين
ومن الناحية النظرية، يعتبر تشكيل تحالفات دولية من أجل معالجة وضع أمني أسلوب فاعل لردع تهور بعض السياسيين خاصة الذين يفكرون بمنطق وعقلانية، أو أنه يمكن أن تساهم (تحالفات) في أن يغير بعض القادة من طريقة تفكيرهم، وما تطمح إليه الدول المنظمة إلى هذا التحالف هو إعادة تأهيل النظام الإيراني لينتقل من الثورة إلى دولة طبيعية في المجتمع الدولي وبالتالي تكون دولة صالحة لمواطنيها أولاً، ثم لجوارها الجغرافي وللأمن العالمي بكل أشكاله بما فيه أمن الطاقة وإلا تحول التحالف في خيار أخير منه إلى مواجهة عسكرية ورفع وتيرة التعامل مع التعنت والاستمرار في تهديد أمن الملاحة وأمن الطاقة وفي هذه الحالة يكون النظام الإيراني كمن يجبر الدول المتحالفة على مواجهته عسكرياً اعتقاداً منه أنه لن يكون خاسراً.
وإذا كانت هناك من كلمة موجزة تلخص الرسالة التي ينبغي أن يفهمها قادة إيران أن المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة لن يقبل التعدي على الطاقة فهي أحد أعمدة أو ثوابت الاستراتيجية الأمريكية منذ السبعينيات من القرن الماضي وإذا كان هناك فهما بأن تركيز واشنطن مؤخراً اتجه إلى جنوب شرق آسيا فإن ذلك من باب الاطمئنان الأمريكي بأن أمن الطاقة والملاحة في المنطقة مستتب نظراً لعدم وجود من يهدده خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وتراجع القوى الأخرى ولكن ينبغي ألا تسيء إيران الفهم بأن المجال بات مفتوحاً لها فما زالت أهمية استقرار استمرار تصدير الطاقة موجوداً وعليه فإن طريقة التعامل في لحظة الحسم ستختلف.
ومع أنه معروف عن دولة الإمارات عدم تفضيلها سياسة المحاور والأحلاف لما لها من فهم مريب والشك في نوايا المنظمين إليها خاصة في المنطقة التي هي تعاني بالأصل من التوتر، إلا أن السياسات التي يقوم بها النظام الإيراني، والتي زادت مؤخراً بشكل لافت، سواءً بطريقة مباشرة كما يحدث من خلال لغة التهديد والغطرسة ضد دول المنطقة أو بطريقة غير مباشرة من الأذرع السياسية التي تديرها في المنطقة، فلم يكن أمامها من مجال إلا الانضمام إما لحماية سفنها التي استهدفت بالقرب من المياه الإقليمية الإماراتية أو المنشاءات البترولية لها وكذلك مشاركة السعودية الحليف الاستراتيجي لها في المنطقة التي تقود تحالفاً عربياً من أجل صد الطموحات الإيرانية وتحمل مسئوليتها أمام المجتمع الدولي، ولعل هذا أحد أسباب الثقة الدولية التي تتمتع بها، لذا لن يكون غريباً إذا رأينا زيادة عدد الدول المنضمة إلى هذا الحلف بعد دخول دولة الإمارات فيه.
استنكار العالم لما يتم من عمليات استهداف المتكررة للطاقة سواء، للناقلات أو معامل التكرير، خطوة إيجابية مهمة، لكنها في كل الأحوال لا يمكن التعويل عليها حول ما يحمله قادم الأيام أو اعتبارها خطوة كافية لأننا نتعامل مع نظام لا يضع اعتباراً لشعبة فكيف يمكن أن يهتم بالآخرين، لهذا فإن المسئولية الدولية تفرض على كل الدول المصدرة والمستوردة للنفط الخليجي خاصة الاقتصادات الكبرى التي تعتمد عليه بشكل أساسي أن يكون لهم موقف واضح وصريح من خلال الانضمام إلى هذا التحالف الذي يعتبر أحد أدوات إفهام الخصوم بأن خطوط الملاحة الدولية، خط أحمر.
انضمام أي دولة إلى هذا التحالف لا يعني بتاتاً إعلان حرب بل هو إجراء وقائي يتم تطبيقه من أجل منع المتهورين وردعهم من وقوع في خطأ أكبر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة