هناك بؤر صراع على الأرض سواء في شمال غربي أو شمال شرقي سوريا، حيث يمكن لأي تطورات ميدانية أن تقلب الأوضاع رأسا على عقب
يمكن اعتبار الإعلان عن إطلاق عمل اللجنة الدستورية لحل الأزمة السورية بعد الاتفاق على تشكيلتها ومرجعيتها وقواعد عملها بموجب القرار الأممي 2254، الخطوة الأولى في مسار التسوية السورية، على الرغم من أن الطريق لا يزال طويلاً وشاقاً، كما يمكن تسجيله كأول إنجاز لمبعوث أممي منذ بداية الأزمة في ربيع 2011، حيث نجح جير بيدرسون فيما فشل فيه أسلافه.
رغم المؤشرات الإيجابية لهذا الاتفاق، لا يمكن التقليل من شأن العقبات التي قد تعترض تعديل الدستور السوري أو صياغة دستور جديد، خصوصاً أنه لا يوجد أية ضمانة لعدم تدخل الجهات الخارجية
أهمية إعلان الاتفاق تكمن في كونه جاء على لسان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، وليس عبر مجموعة الدول الضامنة لمسار «أستانا» (روسيا وتركيا وإيران) ولا حتى «مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي» أو «المجموعة الصغيرة» التي تضم أمريكا وبريطانيا وفرنسا ودولاً عربية.
اللافت في الاتفاق أيضاً أنه جاء متوازناً من حيث المساواة بين الحكومة والمعارضة السياسية، شكلاً ومضموناً، ومن حيث التشكيلة والتناوب على الرئاسة، والتأكيد على «الالتزام بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها»، ما يعني إقرار دمشق بوجود معارضة «معتدلة» أو غير إرهابية، الأمر الذي لا بد أن ينعكس في الخطاب الرسمي مع تقدم المفاوضات والحوار السوري. كما يلفت الانتباه ما ورد بشأن مضمون اللجنة الدستورية، بحيث تكون مهمتها «إعداد وصياغة إصلاح دستوري يُطرح للموافقة العمومية (الاستفتاء) كإسهام في التسوية السياسية وتطبيق القرار 2254 ».
وكانت هذه صياغة دبلوماسية وقانونية بعدما ظهر خلاف بين تمسك دمشق بـ«مناقشة الدستور الحالي لعام 2012» ومطالبة المعارضة بدستور جديد والإفادة من التجارب الأخرى.
لكن رغم المؤشرات الإيجابية لهذا الاتفاق، لا يمكن التقليل من شأن العقبات التي قد تعترض تعديل الدستور السوري أو صياغة دستور جديد، خصوصاً أنه لا يوجد أية ضمانة لعدم تدخل الجهات الخارجية ورفض أي تدخل من هذا النوع أياً كانت هذه الدول أو القوى، كما أن هناك بؤر صراع على الأرض سواء في شمال غربي أو شمال شرقي سوريا، حيث يمكن لأي تطورات ميدانية أن تقلب الأوضاع رأساً على عقب، فضلاً عن عدم تمثيل الأكراد، وتلبية طموحاتهم السياسية في الاعتراف بالإدارة الذاتية، في وقت لا تزال العنجهية التركية على حالها لجهة اجتياح مناطق شرقي الفرات بذريعة محاربة وحدات الحماية الكردية التي تصنفها أنقرة منظمةً إرهابية، للتستر على أطماعها التوسعية الدفينة في احتلال الأراضي السورية. وبالمحصلة، يمكن للاتفاق أن يشكل خطوة أولى على طريق الحل السياسي، إذا وجد الدعم والإرادة الحقيقييْن من أطراف الصراع والقوى الداعمة لها.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة