الإمارات في القرن الأفريقي.. رعاية السلام لتعزيز أمن المنطقة
محللون إثيوبيون وإريتريون لـ"العين الإخبارية": الإمارات تعزز أمن منطقة القرن الأفريقي وتفتح الباب للاستقرار بين دولها.
بفضل سياساتها الخارجية المرنة القائمة على دعم السلام ومكافحة التطرف والإرهاب، استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة تحقيق أكبر تحول جيوسايسي في منطقة القرن الأفريقي عبر الدور المحوري الذي لعبته في تحقيق المصالحة التاريخية بين الجارتين إريتريا وإثيوبيا ووضع نهاية لحالة الخصومة السياسية و الاحتراب التي سادت بينهما لما يربو على العقدين.
عملت دولة الإمارات على إعادة العلاقات الرسمية والشعبية بين الدولتين ورمت بثقلها الدبلوماسي لتحقيق المصالحة بينهما لتعزيز الاستقرار الأمني في منطقة القرن الأفريقي والذي ظل يشهد لعقود طويلة تفاقم الصراعات والأزمات الأمنية التي جعلته هدفاً لدول محور الشر الثلاثي تركيا وإيران وقطر.
ويرى محللون تحدثوا لـ"العين الإخبارية" أن الإمارات استطاعت إزالة كثير من التعقيدات أثناء عملية التفاوض بين أديس أبابا وأسمرا، ما أدى لتهدئة المخاوف التي وقفت عقبة لمدة طويلة في سبيل إتمام عملية المصالحة التاريخية بين الجارتين، وصولا إلى استكمال الاتفاق الذي جرت مراسم توقيعه الشهر الماضي، لينتقل بالمنطقة نحو واقع جديد تتجسد فيه طموحات السلام والاستقرار بين الشعوب الأفريقية .
ويرى أحمد رشيد، وهو دبلوماسي إثيوبي سابق، أن الأدوار الإماراتية الإيجابية في منطقة القرن الأفريقي ونجاحها غير المسبوق في إنهاء الخلافات الإريترية الإثيوبية، تعود بفوائد كبيرة على الشعبين وعلى المنطقة، كما أنها ستسهم في تهدئة حالة التوتر والترقب المسيطرة منذ سنوات طويلة، لتضع حداً لتصاعد التوترات، ما سيقود إلى التركيز الأمني في محاصرة نشاط الجماعات الإرهابية المسلحة.
وأوضح رشيد في حديث لـ"العين الإخبارية" أنه يمكن النظر لاتفاقية السلام الإثيوبية الإريترية كتتويج للجهود الدبلوماسية الإماراتية الجبارة وانتصارا لإرادتها المتمثلة في إيجاد معالجات حقيقة لكثير من القضايا والأزمات السياسية والأمنية التي عصفت بالمنطقة طوال الفترات السابقة، وكانت تحول دون وصول البلدين لأي عملية تسوية من شأنها إنهاء حالة الخصومة وإنقاذ المنطقة من محاولات التدخل والعبث والتأثير في القرار السياسي وخصوصا من دول المحور القطري التركي الإيراني.
وتعد استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة، الثلاثاء، القمة التي جمعت بين الرئيسين الإريتري أسياس أفورقي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، استكمالا لعملية المصالحة بين الدولتين، ما يؤكد حرص القيادة الإماراتية على استكمال جهودها في تحقيق الاستقرار والسلام في أفريقيا بشكل عام وفي منطقة القرن الأفريقي التي تكتسب أهميتها من موقعها الاستراتيجي وإطلالتها على البحر الأحمر والمحيط الهندي، ويعد استقرار الأوضاع الأمنية في دولها مفتاحا لاستقرار حركة الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وخصوصا النفطية والتي تمر أغلبها عبر المنطقة.
ويرى كثير من المحللين أن عملية المصالحة التي قادتها الإمارات تعد إنجازا تاريخيا وهدية لشعوب المنطقة لإنهائها سنوات طويلة من العداء والقطيعة وبات ينظر إلى ما تم من إنجاز كنموذج غير مسبوق في التدخل الإيجابي لإنهاء النزاعات بين الدول لصالح الاستقرار والأمن، وخصوصا في قارة أفريقيا التي أنهكتها الصراعات .
ويذهب صلاح محاري الكاتب والمحلل الإرتري، في ذات الاتجاه، مشيراً إلى أن دولة الإمارات استطاعت أن تحرك ملف النزاع الإريتري الإثيوبي بعد عقود من الجمود وخيبة الأمل في إحداث أي أختراق.
وأشار في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن الإمارات استطاعت بدبلوماسية ناعمة أن تقوم بخطوات ذكية لترتيب وتهيئة عمليات المصالحة بين البلدين عبر انعاش الاقتصاد الإثيوبي وإنقاذه من الانهيار بمنحة بلغت 3 مليارات دولار، كما استطاعت حل عقبة منطقة بادمي الحدودية والتي شكلت على الدوام مصدراً لتجدد النزاع وعقبة أمام إنجاز أي تقدم حقيقي في ملف العلاقات بين الجارتين.
وأضاف محاري أن دور الإمارات تمثل في إحداث التقارب والتفاهم بين رئيس الوزراء أبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي وإقناع البلدين بالقبول باتفاق الجزائر عام 2002 وتمهيد الأجواء نحو فتح العلاقات الشعبية.
وتابع: "الإمارات تدرك مسبقا أن صنع الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي الاستراتيجية يمر عبر تحقيق السلام والمصالحة بين أهم دولتين في المنطقة بما ينعكس إيجابيا على استقرار حركة الملاحة البحرية والتجارة الدولية وخصوصا النفطية وسيمكن من التعاون الإقليمي في محاصرة نشاط مجموعات القراصنة التي تنشط في هذه المنطقة مستغلة ظروف التدهور الأمني الإقليمي وحالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تعيشها أغلب دول المنطقة".
ونظرا للأهمية الاستراتيجية الخاصة لمنطقة القرن الأفريقي فقد ظلت عرضة للعديد من الأطماع لكثير من الدول وعلى رأسها إيران وتركيا وقطر، التي تحاول أن تجد لها موطأ قدم سعيا وراء إثارة الفوضى وتقويض حركة الملاحة البحرية وزعزعة الاستقرار الداخلي لفرض واقع سياسي وأمني جديد، عبر زرع خلايا الحركات الإرهابية ومحاولة إيصالها للسلطة باستغلال حالة الهشاشة الأمنية لتحقيق مصالحها الذاتية الضيقة دون الالتفات لقضايا السلم والأمن العالميين.
ويؤكد الناشط الإريتري ويدريانو هباش في ذات الاتجاه قائلا إن الجهود الإماراتية ستصب مباشرة في إحداث عملية استقرار في المنطقة وستمنعها من الانزلاق نحو حالة الفوضى الأمنية والسياسية كما ستساهم على حد وصفه في منع تغلغل الأنشطة الإرهابية وقفل الباب في وجه من يعملون على تمدد الإرهاب، مضيفا أن أي تحول نوعي في العلاقات بين دول الإقليم سيشكل ضربة قاصمة لنشاط الجماعات الإرهابية.
ويؤكد هباش أن المنطقة ظلت عرضة لنشاط إيراني- قطري مكثف عبر أذرعها الممتدة داخل القارة والتي يجب أن يتم وضع حد نهائي لها حتى لا تتأثر حركة التجارة الدولية في البحر الأحمر.
ويصف الصحفي الإثيوبي يوناس كارلوس في حديثه لـ"العين الإخبارية"، الانفتاح الإثيوبي على دول الخليج العربي وخصوصا الإمارات والذي قاده رئيس الوزراء الجديد أبي أحمد، بالتاريخي والإيجابي لإثيوبيا والمنطقة.
ويرى أن تطور العلاقات الإماراتية الإثيوبية وتفاهماتها الاستراتيجية انعكست على مواقف القيادة السياسية في أديس أبابا التي استطاعت بدعم من الإمارات أن تنهي عقوداً من الخصومة مع إريتريا.
وأوضح أن المصالحة ستساهم في إعادة الوحدة الشعبية بين مواطني البلدين وفك حالة العزلة السياسية عن إريتريا.