كأن السياسة منطقة محظورة أو محرمة، وكأنها إثم من عمل الشيطان.. هذا ما يشيعه البعض
كأن السياسة منطقة محظورة أو محرمة، وكأنها إثم من عمل الشيطان.. هذا ما يشيعه البعض، وهذا ما روّج له على نطاقات واسعة في أزمنة متفرقة حتى أصبح البعض يردد مقولات متداولة مثل «أبعدونا عن السياسة» أو «خلينا في حياتنا.. ما لنا وما للسياسة»، والإشارة إلى أن السياسة تضاد استقرار الإنسان في حياة طبيعية وهادئة، حيث رياح السياسة عاصفة وتوحي بالتقلب والمراوغة، أو هكذا يفهم.
السبب أن كونك مسيساً يجعلك أقدر على الرؤية الشاملة التي لا تغفل أيضاً أدق التفاصيل، قرار الوزير المسيس أفضل من غير المسيس، بغض النظر عن تخصصه ومدى كونه تكنوقراطياً، إنه في كل الأحوال في ذروة بحر السياسة، فهل يتعلم السباحة أم يغرق؟
ذلك الفهم خاطئ بالتأكيد، السياسة ضرورة حياتية على مستويات عديدة، بدءاً من ارتباطها بالكياسة والذوق وحسن التصرف، مروراً بالعلاقة بين الفرد والآخر، وصولاً في نهاية المطاف إلى السياسة في معناها المتداول بكل حمولاته المتراكمة. وفي الإمارات طرح عنوان المشاركة السياسية منذ سنوات، حين أجريت أول انتخابات لنصف أعضاء المجلس الوطني الاتحادي في عام 2006، وقد طرحته وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي وتبنته وما زالت تتبناه، إذ لا يعقل الحديث عن انتخابات وبرامج انتخابية ودور أو أدوار للناخبين، من دون رفع شعار المشاركة السياسية كاتجاه حتمي.
ولم تتقبل البيئة الاجتماعية الأمر بسلاسة ويسر، فهناك هاجس في الضمير الجمعي ضد السياسة، وهناك هاتف، جراء الترديد المستمر، ينفر المواطنين من السياسة بهذا المعنى، وبالمعاني كلها.
سياسة.. فابتعد ولا تقترب. سياسة.. ممنوع الاقتراب والتصوير، ودع السياسة لأهلها فهم بها أعرف أو «أبخص»، ولا تمش بالقرب من الجدار مخافة أن يقع عليك.
ألا تعرف السياسة أو لا تعرف في السياسة فهو أمر غير مناسب تماماً، فهل تتجنب معرفة تحولات الدنيا ونشرات الأخبار؟ هل تبتعد عن الحوارات السياسية؟ هل تنكر صلة الاقتصاد بالسياسة؟ هل تنكر أن للسياسة تماساً مباشراً أو غير مباشر مع حياتك ومعيشتك ومعيشة أهلك؟ هل تتجنب السياسة ومجرياتها تحيط بك من كل صوب؟
النتيجة مخيبة للآمال حقاً، فهناك اليوم مسؤولون على مستوى عال، في أفق فكرة «التكنوقراط»، لكنهم على الرغم منهم أو بإرادتهم غير «مسيسين»، الأمر الذي يؤثر سلبياً في أدوارهم وأدائهم العام، السبب أن كونك مسيساً يجعلك أقدر على الرؤية الشاملة التي لا تغفل أيضاً أدق التفاصيل، قرار الوزير المسيس أفضل من غير المسيس بغض النظر عن تخصصه ومدى كونه تكنوقراطياً، إنه في كل الأحوال في ذروة بحر السياسة، فهل يتعلم السباحة أم يغرق؟
وقد رأينا بأم أعيننا، على مدى العقود، مسؤولين ووزراء ورؤساء تنفيذيين «يتورطون» إذا طلب منهم الكلام، ولا يحسنون أن يقولوا «كلمتين على بعض». النصيحة إدخال السياسة في برامج التعليم المستمر لا للدبلوماسيين والسفراء والمشتغلين بالسياسة فقط، وإنما لجميع من يتولى مركزاً حكومياً مهماً، خصوصاً حين تكون لدينا أكاديمية الإمارات الدبلوماسية التي هي محل فخرنا واعتزازنا، طبعاً هذا بالإضافة إلى الاستعداد والقابلية المفترضين ابتداء.
الإنسان يحب وطنه أكثر عندما يكون مسيساً أكثر. العاطفة وحدها، حتى في حب الأوطان، لا تكفي. لا بد من مزج العاطفة بشيء من العقل والحكمة.. والسياسة.
لذلك كله وأكثر منه فإن المطالبة بالابتعاد عن السياسة ومعرفتها تمثل دعوة «ملغومة». كيف تنتظر من المواطن أن يكون وطنياً من دون أن يكون مسيساً؟
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة