ناصر الحزيمي كان أحد المنخرطين في «الجماعة السلفية المحتسبة» التي احتلت الحرم المكي الشريف عام 1400-1980
في لقاء عبر قناة روتانا خليجية مع الإعلامي القدير عبدالله المديفر، يقول ناصر الحزيمي أحد المنخرطين في «الجماعة السلفية المحتسبة» التي احتلت الحرم المكي الشريف عام 1400-1980 في شهادته التاريخية على الأحداث الدراماتيكية الجسيمة التي سبقت حادثة الحرم على يد المجموعة المارقة بقيادة «جهيمان»، إن إرهاصات وإشارات الحدث المزلزل بدأت قبل الحادثة المروعة بعدة سنوات وتحديدا منتصف الثمانينيات الهجرية، مارة ببداية التسعينيات بخروج جهيمان من الوظيفة الحكومية وتأسيسه جماعة دينية لديها آراء مخالفة لما عليه واقع الناس، بدءا بالصور المعلقة في الحوائط وكذلك «المنكانات» التي تعرض عليها الملابس في المحلات التجارية منتهية بمحاولة تغيير نظام الحكم على إثر احتلال الحرم.
كان اعتراضا ناعما تبعه فعل خشن فيما بعد، لم يكن أحد ممن تابع الأمر في بدايته يتوقع ولو للحظة عابرة أن تلك الاعتراضات الشفوية ستجر المجتمع كله إلى صدام عنيف وافتراق عميق، جاء على رأسه الصدام العسكري داخل الحرم.
من يصدق أن موضوع الصور و«المنكانات» الذي نظر إليه وقتها على أنه «بسيط» وبكثير من التندر والتغاضي سيؤدي بعد خمسة عشر عاما إلى واحدة من أكبر الأحداث الدموية في التاريخ الإسلامي، لا من حيث الفكرة التي استخدمت ولا من حيث المكان وقدسيته وعلاقة الإسلام والمسلمين به.
بدأ الأمر كما يقول «ناصر الحزيمي» بالاعتراض «الناعم» على وضع الصور في واجهة المحلات دون المساس بها، إلى أن وجد المعترضون أن الأمر الذي قاموا به مضى وقُبِل دون اشتباك إما بحسن نية أو تغافلا عنه، منتقلين لمرحلة أعلى قليلا وهي ممارسة التغيير بالقوة وفرض الأمر الواقع بالحياء حينا وبصياغة تفكير جمعي مساند لهم حينا آخر، مع الحرص على عدم الصدام مع الأجهزة الأمنية أو إثارة انتباهها والحفاظ على «شعرة معاوية» -على الأقل مرحليا-، لقد كانوا مؤمنين بأن من واجبهم تطبيق وجهة نظرهم «باليد»، وهي كما رأينا جاءت بعدما جسوا النبض في الاعتراض الناعم، ليأتي بعده الهجوم على المحلات التجارية المحيطة بالحرم النبوي الشريف وتكسير «المنكانات».
يؤكد الحزيمي في شهادته أن جهيمان كان يقول بلسانه «إنه لا يكفر الدولة» لكن هل كان صادقا في ذلك، وهل تكفي الأقوال التي يتم سوقها للتطمين، لقد كانت أفعاله تؤكد أنه أخذ أقصى درجات العداء مع النظام الاجتماعي والسياسي القائم، بدءا من الاعتراض على العمل لدى الحكومة وانتهاء باستحلال دماء المعصومين من العسكريين والمدنيين.
يضيف الحزيمي ما يلي: انتقل تفكير «الأفراد» المعترضين إلى العمل ضمن جماعة منظمة تحت الأرض، بعدما أنشأوا مقرا سريا ومجلس إدارة، سمي في ما بعد «بيت الإخوان»، ويقع في الحرة الشرقية بالمدينة المنورة، وأصبحت الجماعة السرية تتوسع تدريجيا وتستقطب مجاميع إضافية، وتقوم بالتحريض بين الناس.
كان اعتراضا ناعما تبعه فعل خشن فيما بعد، لم يكن أحد ممن تابع الأمر في بدايته يتوقع ولو للحظة عابرة أن تلك الاعتراضات الشفوية ستجر المجتمع كله إلى صدام عنيف وافتراق عميق، جاء على رأسه الصدام العسكري داخل الحرم إثر احتلاله ممن بدأ بإنزال الصور وتكسير الفترينات قبل سنوات.
اليوم وعلى اختلاف الصورة والزمن يستبدل «المعترضون» أنفسهم الصور بالفعاليات والأنشطة، ويقومون أيضا بالتذاكي نفسه وتصوير اعتراضهم على المشروع الحضاري الذي تشهده المملكة بأنه رأي «ناعم» لا يتعدى مطعم «كباب» يفتح الموسيقى، أو التجييش ضد حفل غنائي مستخدمين قميص العداء للحوثيين، أو مطالبين بتشجير الجبال والأودية ووضع المراجيح فيها بدلا من نشر المسرحيات، بالطبع تغيرت الأدوات لكن الهدف واحد، هو إزالة ما لا يستسيغونه ولا يريدونه بحجة حب الوطن أو الخوف عليه حتى يعيدوا صف المعترضين خلفهم مرة أخرى، متمنيا أن لا يشابه ما نراه اليوم الذي سبق احتلال الحرم.
نقلاً عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة