في مثل هذه الأيام قبل 52 عاماً ولدت التجربة العربية الوحدوية الوحيدة الناجحة حتى الآن، تجربة صمدت أكثر من نصف قرن ضد رياح الزمن وتقلبات السياسة وتحديات البيئة الإقليمية الأكثر اضطراباً وتوتراً وقابلية للانفجار في العالم بأسره.
فلماذا نجحت تجربة اتحاد الإمارات وفشل ما سبقها وما لحقها من تجارب ومشاريع وحدوية عربية كثيرة ومتعددة لم يستمر بعضها سوى 24 ساعة؟
يمكن القول بكل ثقة إن سر نجاح هذه التجربة الوحدوية الفريدة يعود إلى امتلاك مؤسسيها، رحمهم الله، الإرادة السياسية الكافية واللازمة لإنجاح أي تجربة بهذا الحجم، وقناعتهم بأن الاتحاد قوة والتفرق ضعف وأن ما عندك يضيف لما عندي ويكمله ولا ينتقص منه وأن بإمكاننا أن نصعد جميعا بتكاملنا لا بتصارعنا، والقناعة بأن المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة هما الأساس لأي وحدة والركيزة لأي تعاون.
نجحت لحرص حكامها على السير على خطى مؤسسيها من حيث إعلاء قيمة "الاتحاد" على ما عداه، ووضعه أعلى سلم الأولويات وجعله المحدد الرئيسي في جميع السياسات والقرارات والتوجيهات التي يصدرها كل حاكم والتي تتخذها كل إمارة، وهذا ما بدا ويبدو جلياً في كل تصريحات حكام الإمارات في هذه المناسبة وفي غيرها.
ولعل كلمات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، أول من أمس، التي هنأ فيها الإماراتيين بعيد الاتحاد الـ52 خير دليل على ذلك حين قال "إلى كل من يعتبر دولة الإمارات وطناً وكل من يسهم في أن نخطو خطوة أخرى من أجل الوطن، نحن محظوظون بكم".
وقبل 5 أعوام تقريباً، وتحديداً في يناير/كانون الثاني 2019 وحينما أراد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، أن يحتفل بمناسبة مرور 50 عاماً على توليه أول منصب له في خدمة وطنه، فضّل أن يشكر مهنئيه بطريقته الخاصة التي يجيدها، وهي التعهد باستمرار الإبداع في العمل والإصرار على تقديم المزيد في خدمة الوطن والمواطنين، والإسراع في تحقيق المزيد من الإنجازات والمنجزات.
استغل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هذه المناسبة ليضع خريطة طريق لمستقبل الإمارات بما يضمن استمرار مجدها ورفعتها وعلو شأنها وضمان جودة حياة مواطنيها والمقيمين على أرضها، فترك لنا وللتاريخ وثيقة شاملة وضعت أسساً لإدارة المستقبل وضمان نتائجه في الحكم والسياسة والاقتصاد والمعرفة والتجارة والاستثمار والتعليم.
لم تترك الوثيقة أي شاردة ولا واردة تتعلق بالمستقبل إلا وتطرقت إليها من خلال 8 مبادئ جامعة تمثل مرتكزات للحكم والحكومة وفلسفة متكاملة للحكم الرشيد في السياسة والاقتصاد؛ أولها وأبرزها هو مبدأ "الاتحاد هو الأساس" انطلاقاً من قناعة حاكم دبي بأن اتحاد الإمارات ووحدة ترابها، هو الأولوية وهو الغاية وهو المصير، فـ"مصلحة الاتحاد فوق مصلحتنا، وقوانين الاتحاد فوق قوانيننا وتشريعاتنا، وسياسة الاتحاد هي سياستنا، وأولويات حكومة الاتحاد هي أولويات حكومتنا".
نجحت لأنها قامت على التكامل والتفاهم والتآخي والتساوي بين جميع مكوناتها وتوافق المصالح والأهداف والرؤى والتوجهات الاستراتيجية الراغبة في التعايش المشترك والحرص على المصلحة المشتركة وتعظيم مكاسب مواطنيها.
لهذا تزداد الإمارات قوة عاماً بعد عام وأصبحت نقطة جذب لكل حالم بمستقبل أفضل في كل مجال، بعد أن أصبحت بسرعة، واحدة من أكثر دول العالم إبداعاً في مجال التكنولوجيا والتعليم والتمويل والبنية التحتية ورمزاً للإنجاز والتفوق والتميز على المستوى العالمي، وبعد أن أضحت نموذجاً مثالياً للمجتمع المتعدد الذي تتعايش على أرضه جميع الديانات والجنسيات والأعراق في انسجام كامل ووئام تام وسلام دون أي منغصات ومع فرص متساوية في النجاح والتقدم.
لذا لم يكن غريباً أن الإمارات ورغم أنها من أحدث الدول العربية نشأة لكنها أكثرها إنجازاً وتقدماً، واستطاعت بعد 52 عاماً فقط، أن تتبوأ مكانة لا يضاهيها فيها أحد عربياً ولا شرق أوسطياً، مكانة تستند بقوة إلى منجزات ملموسة حققتها على المستويات كافة محلياً وإقليمياً ودولياً، بفضل حكمة قيادتها ورؤيتها الثاقبة والسير على نهج وخطى مؤسسها، مكانة تتجلى سنويا في العديد من المؤشرات الدولية التي تقيس التقدم والرفاهية والأمان والتي تأتي الإمارات على قمتها.
أتخيل ما كانت ستؤول إليه منطقتنا العربية لو تكررت هذه التجربة الناجحة التي تزداد نجاحاً عاماً بعد عام، بين دول ما يجمعها أكثر بكثير مما يفرقها.. رحم الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم وإخوانهما مؤسسي اتحاد الإمارات وكل عام وشعبها والمقيمين على أرضها وكل من تمنى لها الخير بخير.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة