الإمارات وجهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.. نجاح يتلوه آخر
يوما بعد يوم.. تواصل دولة الإمارات مسيرتها التي تعد نموذجا يحتذى في مجال مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، عبر خطوات وتشريعات قوية ومتلاحقة.
وعبر تعاون دولي وثيق، تعمل دولة الإمارات على إحباط الجريمة المنظمة بجميع أشكالها لحماية البلاد منها ودعم نزاهة النظام المالي الدولي وذلك في إطار من التعاون الدولي مع الشركاء".
ولعل النموذج الأحدث في هذا المضمار قضية المحامي الأمريكي المدان بغسل الأموال والتهرب الضريبي الإخواني صاحب العلاقات المتشعبة والمشبوهة عاصم غفور، والتي أبرزت التعاون الواسع والمتزايد بين دولة الإمارات العربية المتحدة وأمريكا في مكافحة جرائم غسل الأموال.
إدانة "غفور"
في وقت سابق اليوم الإثنين، كشفت دولة الإمارات نتائج التحقيقات التي أجرتها في قضية المحامي عاصم غفور، مشيرة إلى أن التحقيقات أثبتت إدانته في قضيتين وهما "التهرب الضريبي وغسل الأموال".
وأصدرت سفارة دولة الإمارات في العاصمة الأمريكية واشنطن، الإثنين، بيانا جاء فيه، إنه في إطار التعاون المكثف لمكافحة غسل الأموال عبر الحدود والتمويل غير المشروع، تبادلت دولة الإمارات والولايات المتحدة المعلومات في قضية عاصم غفور منذ أكثر من عامين.
وكانت دولة الإمارات المتحدة بدأت تحقيقها عام 2020 في أنشطة "غفور" بعد تلقيها طلبًا رسميًا من السفارة الأمريكية في أبو ظبي نيابة عن وزارة العدل الأمريكية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي وقسم التحقيقات الجنائية في دائرة الإيرادات الداخلية للحصول على المساعدة القانونية المتبادلة المتعلقة بتحقيق جارٍ مع غفور من قبل السلطات الأمريكية.
وبناءً على هذا التحقيق، أدانت محكمة إماراتية غفور بتهم غسل الأموال والتهرب الضريبي في 25 مايو/ أيار 2022.
وتعكس القضية تعاونًا قضائيا موسعًا بين دولة الإمارات والولايات المتحدة في مكافحة الجرائم المالية العابرة للحدود.
شهادات دولية ومؤشرات
فى وقت سابق، أشار بيان مشترك أعقب الاجتماع الثنائي الإماراتي الأمريكي في 16 يوليو/ تموز الماضي إلى أن الرئيس جو بايدن أقر بجهود دولة الإمارات لتعزيز سياساتها وآلياتها التنفيذية في مكافحة الجرائم المالية والتدفقات المالية غير المشروعة".
وشكل التزام دولة الإمارات الثابت بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، جزءاً رئيسيا من الرؤية المتكاملة لمكانة البلاد كمركز تجاري عالمي جاذب ومواكب لأحدث مستجدات النمو والتطور، حيث يتم اتخاذ كافة الإجراءات الحصيفة والتدابير الفعَّالة من قبل الحكومة والقطاع الخاص لضمان استقرار واستدامة وسلامة النظام المالي.
وجاءت دولة الإمارات في المرتبة الأولى عربيا و15 عالميا في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي لعام 2020، بل وإحدى أفضل دول العالم في مؤشرات التنافسية.
وأظهرت بيانات المكتب التنفيذي لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في دولة الإمارات، أن قيمة عمليات وإجراءات مواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب خلال 2021، بلغت نحو 1.048 مليار دولار "3.848 مليارات درهم".
وتوزعت هذه المبالغ بين مصادرة أصول بقيمة 625 مليون دولار (2.3 مليار درهم) و64 مليون دولار (235 مليون درهم) غرامات عدم الامتثال لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب مرورًا بـ5.3 مليون دولار (19.5 مليون درهم) عقوبة على مؤسسات مالية كبرى في دولة الإمارات.
كذلك، شملت عقوبات بقيمة 10.8 مليون دولار (39.6 مليون درهم) على العديد من الأفراد الذين ثبتت إدانتهم بارتكاب التهرب الضريبي وغسل الأموال، ومصادرة 109 ملايين دولار (400 مليون درهم)، كإجراءات وقائية لمكافحة تمويل الإرهاب.
أيضا، تم تنفيذ غرامة جماعية تقدر بـ234 مليون دولار (892.3 مليون درهم) على 48 مدعى عليهم وشركات أدينت في قضية واحدة من قبل محاكم أبو ظبي بتهمة غسل الأموال والاحتيال.
وكونها مركزًا ماليًا عالميًا مهمًا لممارسة الأعمال التجارية، جددت دولة الإمارات التزامها بالعمل مع المجتمع الدولي لمكافحة الجرائم المالية وتذكير الشركات بالتزاماتها فيما يتعلق ببرامج العقوبات الدولية.
ووقعت وحدة المعلومات المالية في دولة الإمارات أكثر من 65 مذكرة تفاهم مع شركائها ونظرائها الدوليين، فيما شاركت الوحدة بفعالية في المناقشات البناءة مع الشركاء بهدف إحراز تقدم في التحقيقات والملاحقات الحساسة والمعقدة في مجال مواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب داخل دولة الإمارات وخارجها.
وتتمثّل أبرز هذه الشراكات في الشراكة مع المملكة المتحدة بهدف التصدّي للتدفقات المالية غير المشروعة، و"الحوار الهيكلي للاتحاد الأوروبي".
نجاح يتلوه آخر
شكلت إدانة محكمة إماراتية لعاصم غفور، بتهم غسل الأموال والتهرب الضريبي، دليلا يثبت تورط المحامي الأمريكي بعلاقات مع التنظيمات الإرهابية، وهي ضربة ناجحة لقضاء الإمارات ولنهج الدولة البناء في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهيه لم تكن الضربة الناجحة الأولى ومن غير المرجح أن تكون الأخيرة بطبيعة الحال.
عين الإمارات اليقظة في هذا المضمار ظهرت أيضا في يونيو المنصرم عندما إنجازًا عالميا جديدًا على مسار تجربتها الرائدة في مكافحة جرائم غسل الأموال والتهرب الضريبي، عبر إسقاطها "سانجاي شاه" المشتبه به في قضية احتيال ضريبي وغسل أموال بقيمة 1.7 مليار دولار في الدنمارك.
وجاءت العملية بعد استلام مذكرة توقيف دولية صادرة عن السلطات الدنماركية الأمر الذي يشير بوضوح إلى استمرار دولة الإمارات العربية المتحدة في التعاون الوثيق والعمل مع الشركاء الدوليين من أجل الملاحقة الدولية للجريمة.
وتمكنت القيادة العامة لشرطة دبي من إلقاء القبض على شاه الذي يحمل الجنسية البريطانية ويبلغ من العمر 52 عامًا، يوم 3 يونيو/حزيران 2022، إذ لاقى الخبر اهتماما كبيرا على مستوى العالم.
وعملت السلطات الإماراتية على مدى العامين الماضيين عن كثب مع نظيرتها الدنماركية، لحشد مجموعة قوية من الأدلة في هذه القضية وتم تنفيذ 25 طلب مساعدة قانونية بين دولتي الإمارات العربية المتحدة والدنمارك بشأن هذه القضية على وجه الخصوص.
وتجسد هذه القضية التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون في معاهدة تسليم المجرمين العامة الموقعة مع الدنمارك في مارس/آذار 2022.
وتُعد المعاهدة مع الدنمارك؛ واحدة من 37 معاهدة تم إبرامها في السنوات الأخيرة بينما تعتزم دولة الإمارات توقيع المزيد من المعاهدات مستقبلًا.
التزام دائم
وتم حتى اليوم، تنفيذ تدابير فعَّالة وإجراءات تنظيمية استباقية لحماية البيئة المالية للدولة من قبل السلطات المختصة، بما في ذلك مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، وهيئة الأوراق المالية والسلع، ووزارة الاقتصاد، ووزارة العدل، وسوق أبو ظبي العالمي، وسلطة دبي للخدمات المالية، فضلًا عن التعاون الوثيق بين الجهات المعنية.
على المستوى التشريعي، تم إجراء عدد من التعديلات القانونية الرئيسية خلال الفترة الماضية مثل التعديل الخاص بقانون غسل الأموال ليتضمن صلاحيات أوسع بشأن المصادرات.
كذلك، تم وضع ضوابط للأصول الافتراضية والتي تعد من أهم التعديلات على مستوى المنطقة، في وقت يتم حاليا العمل على إصدار تعديل للائحة التنفيذية لقانون مواجهة غسل الأموال، علاوة على التعديلات الخاصة بنظام الإدراج في قوائم مجلس الأمن وذلك لمكافحة تمويل الإرهاب وتعزيز منظومة العقوبات المالية المستهدفة.
كما أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة في فبراير/شباط 2021، المكتب التنفيذي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لتنسيق الجهود على الصعيد الوطني.
ويتمتع المكتب بصلاحيات واسعة النطاق لضمان التنسيق بين جميع الجهات الإماراتية في تنفيذ خطة العمل الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل لإرهاب، وبدأت دولة الإمارات بـ8 تقييمات في المخاطر القطاعية والموضوعية، في إطار التقييم الوطني للمخاطر.
وفي أغسطس/آب الماضي، أعلنت محاكم دبي عن إنشاء محكمة متخصصة في "غسل الأموال" في كل من المحكمة الجزائية الابتدائية ومحكمة الاستئناف.
فيما تؤكد دولة الإمارات دومًا التزامها وجهودها المستمرة لتعزيز إطارها التنظيمي في ما يتعلق بمكافحة الجرائم المالية، حيث تواصل السلطات المختصة فرض عقوبات فعالة وتنفيذها والقيام بأنظمة وعمليات مراقبة صارمة، لضمان سلامة وأمن النظام المالي العالمي.
ويأتي كل ذلك تماشيا مع المعايير الدولية والاستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتتعاون السلطات الإشرافية في دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل وثيق في ما بينها، وكذلك مع القطاع الخاص، لتنفيذ العقوبات المالية المستهدفة ومكافحة التهرب من العقوبات، بما يتماشى مع الالتزامات الدولية وأفضل الممارسات.
كما أصدر مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي إرشادات محكمة لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، للمؤسسات المالية المرخصة التي تقدم خدماتها للأعمال التجارية التي تستخدم النقد بكثافة.
وبموجب الإرشادات الجديدة، فإنه يتعيّن على المؤسسات المالية المرخصة إظهار الامتثال لمتطلبات المصرف المركزي في غضون شهرٍ واحدٍ من دخول هذه الإرشادات حيز التنفيذ.
ويعد القطاع الخاص الإماراتي، شريكا استراتيجيا لدعم جهودها وتنفيذ الالتزامات الدولية لدولة الإمارات في هذا الملف والتي ترتبط بشكل مباشر بمدى امتثال القطاع الخاص للمتطلبات القانونية والإجراءات التي تعلن عنها السلطات المختصة بما فيها وزارة الاقتصاد.
إذ تم تأسيس لجنة الشراكة بين القطاعين العام والخاص كأحد اللجان الفرعية للجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل التنظيمات غير المشروعة.
وتضم اللجنة في عضويتها نحو 17 جهة حكومية بالإضافة إلى 21 كيانا من القطاع الخاص تشمل مؤسسات مالية وغير مالية محلية وعالمية.
إشادة دولية
وأشادت مجموعة العمل المالي "فاتف" في مارس الماضي بالتقدم الإيجابي الذي أحرزته دولة الإمارات لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، وذلك، ضمن جهود دولة الإمارات الحثيثة لتطوير منظومتها الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح.
كما اعتمدت "فاتف" في سبتمبر/أيلول الماضي الدكتورة مريم السويدي الرئيس التنفيذي لهيئة الأوراق المالية والسلع بالإنابة، أول إماراتية يتم اختيارها خبيرا مقَيِّما معتمدا في تقييم نظم مواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويؤكد روب جونز المدير العام للمركز الوطني للجريمة الاقتصادية وهيئة صاحبة الجلالة للإيرادات والجمارك، أن المملكة المتحدة ملتزمة بالعمل مع دولة الإمارات لمواجهة التدفقات المالية غير المشروعة ضمن إطار الشراكة الإماراتية البريطانية التي تم التوقيع على إطلاقها في سبتمبر 2021.
ويضيف أن ورش العمل التي عقدت في أبوظبي ولندن سمحت بالعمل معًا لفهم التهديدات التي نواجهها بشكل أفضل والاتفاق على إجراءات مشتركة لاستهداف غاسلي الأموال الذين يمكن أن يرتكبوا أسوأ أشكال الإجرام.
مضيفا ": نحن نقدر السلطات الإماراتية التي تعاونت معنا لإنجاح ورش العمل هذه ونتطلع إلى المرحلة المقبلة من الشراكة".
وفي الإطار قال عبدالله بن طوق المري وزير الاقتصاد الإماراتي في تصريح سابق: "إن الترابط بين شبكات الجريمة المنظمة الدولية، الذي تطور في كثير من الأحيان بفضل التقدم التكنولوجي، يثير قلق الدول في جميع أنحاء العالم".
وأضاف، "نحن في الإمارات العربية المتحدة نواجه ذلك من خلال التحليلات "الذكية" والمتقدمة والتكنولوجيا والتحقيقات والشراكات بين القطاعين العام والخاص".
وكان خالد محمد بالعمى، محافظ مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، رئيس اللجنة الوطنية لمواجهة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب وتمويل المنظمات غير المشروعة، أكد أن دولة الإمارات العربية المتحدة، بدأت منذ سنوات، العمل على تعزيز منظومتها التي تتميز بالتكامل، وتتسم بالديمومة لمواجهة الجرائم المالية بكافة أشكالها وأنواعها لحماية النظام المالي المحلي والعالمي وضمان سلامته، وذلك مع دخول دولة الإمارات مرحلة جديدة من الرؤى والطموحات المستقبلية التي تهدف لأن تكون أفضل دول العالم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فيما قال حامد الزعابي المدير العام للمكتب التنفيذي لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، "بصفتها مركزا تجاريا عالميا، فإن دولة الإمارات منفتحة على الشركات ورجال الأعمال في جميع أنحاء العالم".
كما أكد طلال محمد الطنيجي مدير المكتب التنفيذي للرقابة وحظر الانتشار "تلتزم دولة الإمارات بصفتها عضوا مسؤولا في المجتمع الدولي، بضمان استقرار وسلامة اقتصاد الدولة من خلال تطبيق العقوبات المالية المستهدفة".