يوما تلو آخر، تثبت دولة الإمارات إيمانها المطلق بكرامة الإنسان، وبأخوة البشر، من شمال المسكونة إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها.
آمنت القيادة الإماراتية منذ زمن "زايد الخير"، طيّب الله ثراه، بأن الإنسانية تجمعها رغبة عالمية في الأخوة، وقد مضى "عيال زايد" على هذا الدرب الإنسانوي الخلاق، ما جعل من الإمارات مثالا حيًّا متجسدًا للروح الكوزمولوجية، والتي ينبغي، بل ويلزم، أن تلف العالم، لا سيما في أوقات المِحَن والملمات.
حين صدّرت دولة الإمارات وثيقة الأخوة الإنسانية، والتي بزغ فجرها العالمي من فوق التراب الإماراتي في فبراير/شباط من عام 2019، كانت تؤرّخ لحقيقتها الوجدانية عبر خمسة عقود خلت من يوم إعلان الدولة، وتستشرف عقودًا وقرونًا قادمة بإذن الله، تُظلل فيها بخيراتها على أخوة وأشقاء من أبناء آدم عليه السلام، ومن غير محاصصة طائفية، أو تصنيف عرقي، ولا تمايز ديني.
لماذا هذا الحديث في هذا التوقيت؟
لعل ما يجري في باكستان والسودان بنوع خاص من كوارث بيئية، ودور المساعدات الإنسانية الإماراتية، التي قُدمت -ولا تزال- بروح وجدانية عالية، وبسرعة زمنية فائقة، هو المنطلق لكتابة هذه السطور.
تابع العالم، ولا يزال، الآثار الكارثية للتطورات المُناخية في جمهورية باكستان، والأعداد الكبيرة من الضحايا الذين جرفتهم السيول، ناهيك بملايين البشر، الذين قطعت الأمطار سُبُلهم عن التواصل مع العالم، وغيرهم من الذين باتوا في حاجة ماسة إلى أساسيات المقومات الإنسانية.
لم يكن لدولة الإمارات أن تتوانى عن نجدة أخوة في باكستان، ومن هنا جاء أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بتقديم مساعدات إغاثية آنية تشمل نحو ثلاثة آلاف طن مساعدات غذائية ودوائية وخيامًا لازمة للإعاشة، الأمر الذي سوف تتذكره بالخير الأجيال الباكستانية في مستقبل أيامها.
وفي تقديم الإمارات مساعداتها لباكستان، يستنتج المرء أمرا مهما، وهو مدى جهوزية فرق الإنقاذ الإماراتية، ومستوى تأهيلها الرفيع، والتي قدمت بالفعل جميع أنواع الدعم للكوادر والمؤسسات الباكستانية المعنية بتأمين سلامة المتضررين، ما يعني أن الإمارات دولة تستبق الأحداث، تعمل بعزم وتفكر بحزم، وهذا يجعل منها طوق نجاة لكل من يتعرّض لمنزلقات الحياة، ضمن أطر الأسرة البشرية.
دعم الإمارات لباكستان، في حقيقة المشهد، لم يتوقف عند الجانب المادي، على أهميته القصوى، بل امتد إلى جانب آخر معنوي، تحتاج إليه الشعوب والأمم المنكوبة في وقت المِحَن، وبقدر لا يقل عن حاجتها إلى المعونات الغذائية والطبية، الأمر الذي تجلّى في الاتصال الهاتفي، الذي أجراه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، مع شهباز شريف، رئيس وزراء باكستان، والذي قدَّم فيه سموه واجب العزاء، وشدّ من عزم وعزيمة أخوة في الإنسانية يعانون من الخوف والقلق في مواجهة وحش الطبيعة المتمرد.
وإذا كانت الأعمال الإغاثية الإماراتية في باكستان قد تم تسليط الضوء عليها في الأسبوعين الماضيين، فإن قصة أخرى عن يد الإمارات الإنسانية الممدودة للعالم كانت تعمل في السودان الشقيق، تسارع الزمن لمواجهة فيضانات مدمرة، أهلكت الزرع والضرع، وتركت مئات الآلاف من الأحبّاء في السودان وسط أوضاع إنسانية مؤلمة للغاية.
فلم يكن من دولة الإمارات سوى أن شمّرت عن سواعد العمل الإغاثي، بعد أن أمر رئيس الدولة بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة بقيمة 25 مليون درهم، لتشمل المتأثرين والنازحين بسبب السيول والفيضانات، وللإسهام في دعم وتحسين الظروف المعيشية للسكان المتضررين وعائلاتهم.
الشاهد أن الغوث الإماراتي للسودان لم يتوقف عند اللحظات الطارئة، فهو قد وُجد من قبل، ويستمر من بعد، والحرص الإماراتي يتضح في دعم آليات التنمية المستمرة والمستقرة في السودان، ومن آيات ذلك حفْر ثماني آبار لاستخراج المياه الصالحة للشرب، أربع منها في شرق دارفور، ومثلها في غرب الإقليم عينه.
وفي أبريل/نيسان الماضي، قدّمت هيئة الهلال الأحمر الإماراتي ثلاث محطات متكاملة لتوفير المياه، تعمل بالطاقة الشمسية في المناطق التي تشهد شُحًّا في هذا المورد الحيوي في ولاية شمال كردفان، ضمن مبادرات الهيئة لتوسيع نطاق مشروع "سُقيا الإمارات".
أحسن القول الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، حين أشار في تغريدة له عبر "تويتر" إلى أن "البُعد الإنساني في علاقات الإمارات بالمحيط والعالم بات جزءا أصيلا من هويتنا".
هذا الحديث ليس من أنواع التشدق أو الغناء، بل تعبير عن حقيقة شهدت بها مراكز العمل الإنساني والإغاثي العالمي، كما الحال مع حاضرة الفاتيكان، والتي تعاونت مع الإمارات في زمن جائحة كوفيد-19، لإيصال مساعدات غذائية وطبية إلى بشر كاد أن يضحوا معزولين عن العالم في قلب غابات الأمازون، وفي أقصى ركن من الأرض.
هل من أمر آخر لفتت إليه الإمارات أنظار العالم، ولو بصورة غير مباشرة، من خلال أعمال الإغاثة الأخيرة؟
بلا شك، هناك بُعدٌ مؤكد، وبات يشكّل خطورة قاتلة على سكان الكوكب الأزرق، ونعني بذلك التهديدات الإيكولوجية لكوكبنا المتألم، حيث لم تنفك دولة الإمارات تُنذر وتحذر من الأخطار القائمة والقادمة، لا سيما إذا ظلت الدول الكبرى على عنادها وعدم استجابتها للمتطلبات الخاصة بإنقاص درجة حرارة الأرض.
دولة الإمارات تلعب اليوم دور "الأخ العالمي"، أخٌ بدوره وواجبه تجاه إنسانيته السامية بحمل آلام وأحلام أشقائه وأصدقائه، ويسعى للتخفيف عنهم بكل ما أوتي من إنسانية وخير، ودعم لا يتوقف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة