تُجسّد الهوية الوطنية في دولة الإمارات منظومةً متكاملةً من القيم والمعاني التي تتجاوز حدود الشعارات والرموز إلى فضاء الفعل المؤسسي والسياسات العامة.
فالهوية هنا ليست مفهومًا نظريًا جامدًا، بل إطارًا عمليًا متجددًا يتجلى في الفكر والسياسة والمجتمع. ومن هذا المنطلق، جاء إعلان الحكومة عن استراتيجية الهوية الوطنية وإطلاق 13 مبادرة نوعية ليشكّل نقلةً استراتيجيةً في مسار ترسيخ الانتماء الوطني، وتحويل الهوية من فكرة ثقافية إلى ممارسة اجتماعية وسياسية حيّة تسهم في بناء الإنسان والمجتمع والدولة.
لقد جاءت هذه الاستراتيجية ثمرةَ تعاونٍ مثمرٍ بين وزارة الثقافة ومكتب المشاريع الوطنية في ديوان الرئاسة، لتضع إطارًا وطنيًا شاملًا يُعرّف الهوية ويحدّد مكوّناتها وأدوات تعزيزها، ضمن رؤيةٍ متقدمةٍ ترتكز على ثلاثة محاور رئيسة هي: التعريف، والتفعيل، والحوكمة.
هذه المحاور الثلاثة تعكس إدراك الدولة العميق بأن الهوية ليست مجرد انتماء رمزي، بل عنصرٌ تنمويٌّ متجدد يربط بين الإنسان والمكان، ويوازن بين الماضي والمستقبل في إطار مشروعٍ حضاريٍّ متكامل.
وتقوم الاستراتيجية على ست ركائز أساسية تشكّل جوهر الهوية الإماراتية وملامح شخصيتها المميزة: القيم الإسلامية ومكارم الأخلاق، اللغة العربية واللهجة المحلية، الاتحاد والوطن، التراث والعادات، التاريخ والذاكرة المشتركة، والأسرة الإماراتية باعتبارها نواة المجتمع ومصدر القيم الأصيلة.
هذه الركائز تمثل الأساس الذي تُبنى عليه الشخصية الوطنية، وهي ليست رموزًا ساكنة، بل مكوّنات فاعلة في تحصين المجتمع وتعزيز مناعته الثقافية أمام التحولات السريعة التي تفرضها العولمة والرقمنة.
وتؤكد القيادة الإماراتية من خلال هذه الرؤية أن الهوية الوطنية ليست حنينًا إلى الماضي ولا انغلاقًا على الذات، بل مشروعٌ وطنيٌّ للمستقبل يقوم على استعادة التوازن بين الأصالة والانفتاح، وبين الجذور والتطور، وبين الثوابت والابتكار.
فالإمارات التي قدّمت للعالم نموذجًا استثنائيًا في التسامح والتعايش الإنساني، تسعى اليوم إلى تحصين هذا النموذج وترسيخ استدامته عبر إعادة بناء وعي الأجيال الجديدة بذاتها وبخصوصيتها الحضارية، في انسجامٍ تامٍّ مع تطلعات الدولة نحو التنمية الشاملة والريادة العالمية.
إن الهوية الوطنية الإماراتية، في جوهرها، ليست شعارًا ولا احتفالًا دوريًا، بل عقدًا اجتماعيًا متجددًا يربط بين المواطن والمقيم والدولة في منظومة قيمٍ جامعةٍ ومصيرٍ مشترك. إنها التزامٌ بالمشاركة في البناء الوطني، ومسؤوليةٌ جماعيةٌ في صون الإنجازات وتعزيز روح الانتماء.
بهذا المعنى، تُعيد استراتيجية الهوية الوطنية تعريف مفهوم الانتماء من كونه مجرد شعورٍ وجداني إلى كونه سلوكًا وممارسةً ومسؤوليةً تسهم في صناعة مستقبل الدولة وازدهارها.
إن ما يميّز التجربة الإماراتية أنها لا تكتفي بتأكيد الهوية كرمزٍ تاريخي، بل تُحوّلها إلى قوةٍ ناعمةٍ تؤثر في الداخل والخارج على السواء، وتُبرز صورة الإمارات كدولةٍ واثقةٍ من ذاتها، منفتحةٍ على العالم، قادرةٍ على الجمع بين الأصالة والتجدّد في آنٍ واحد.
وهكذا، تتحول الهوية الوطنية الإماراتية إلى إطارٍ مستمرٍّ لصناعة المستقبل، وإلى ركيزةٍ حضاريةٍ تُعزّز موقع الدولة في محيطها الإقليمي والعالمي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة