في منصة إنسانية فريدة، وعرس فكري سنوي، تحتضن أبوظبي عاصمة السلام والتسامح، أكبر تجمع للقيادات الدينية والفلسفات الروحية، وصناع الفكر والسياسة
في منصة إنسانية فريدة، وعرس فكري سنوي، تحتضن أبوظبي عاصمة السلام والتسامح، أكبر تجمع للقيادات الدينية والفلسفات الروحية، وصناع الفكر والسياسة على مستوى العالم، تجمعهم الأخوة الإنسانية وقيم الخير والفضيلة والرحمة والعطاء؛ في إطار الملتقى السنوي لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، الذي يرأسه وينتج إبداعه المستمر، معالي العلامة عبدالله بن بيه، رئيس "مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي"، وبرعاية كريمة من قائد الدبلوماسية، وصانع الثقافة، وصاحب الرؤية المستنيرة، الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي.
تقدم دولة الإمارات أفضل نموذج للتجمعات الإيجابية البناءة والملتقيات الخلاقة، تدفع إلى الخروج من النزعات الفردية الفكرية، المتمركزة حول الذات، إلى المشاركة التفاعلية في القضايا المصيرية المتعلقة بشأن هندسة التعايش والتسامح بين الأديان والطوائف المختلفة؛ لرسم لوحة جميلة لمستقبل زاهر
بثقة واقتدار، وجدارة وفخار، تخط دولة الإمارات العربية المتحدة؛ بمبادراتها الفكرية الخلاقة، مرحلة جديدة من تاريخ الإنسانية، تستعيد فيها قيم التسامح وفضائل الأخلاق، تألقها وبريقها في المشهد العالمي المعاصر. تتبنى الإمارات منهجا واضحا في احترام الآخر، وتؤسس فضاءً ثقافياً، يساعد في خلق بيئة قانونية وتشريعية وإنسانية؛ ونشر ثقافة التسامح مستلهمة مأثورات رائد التسامح، صاحب الإرث العظيم، الوالد، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي كان يؤكد بالفطرة، حتمية التعايش بين بني البشر والاحترام المتبادل بين الذوات الحرة، والسعي إلى بث روح الأخوة الإنسانية في أرجاء المعمورة. وهو ما انتهت إليه الفلسفات الكونية.
إن دولة الإمارات ترسي تقليداً ثقافياً متمايزاً على المستوى الإنساني، تقليدا يجمع بين الحوارات العقلانية والمنصات النقاشية، التي تستقطب قيادات الأديان وصناع الفكر والثقافة من حول العالم؛ ضمن بوتقة أخلاقية وإنسانية خالصة، ترمي من ورائها إلى تجاوز الصفحات الغابرة، من صدام الحضارات وتطاحن المعتقدات، والأحاديات الدوغمائية المغلقة، والعبثيات العدمية المفضية إلى النزاع والفناء، فتؤسس للانتقال إلى مرحلة جديدة، تفتح آفاقاً واعدة؛ بطموحات رائدة من التلاقي والتآخي، والارتقاء بمشهد العلاقات الإنسانية إلى سمو مدارج الأخلاق، والتعارف والاندماج الإيجابي بين المكونات المختلفة والأجناس المتغايرة.
إن ظواهر عدم التسامح والتطرف والعنف التي تضرب العالم من دون هوادة، خصوصا في العقدين الأخيرين، جعلت من خطاب التعايش وفضيلة التسامح وقيم السلم، موضع بحث وعناية وإحاطة من العلماء والعقلاء والحكماء، وعموم الباحثين والمفكرين؛ بحيث أصبح التسامح محور مؤتمراتهم، وبات التعايش رافعة منتدياتهم وملتقياتهم، لا بل بات التلاقي الإنساني السعيد، جوهر الخطابات الدينية والفلسفات الروحية على السواء؛ بهدف بلورة قيم رادعة؛ لكل النمطيات العدمية والتمثلات العبثية والسلوكيات الغوغائية، المحرضة على الكراهية والتمييز والتطرف والعنف؛ اتجاه الآخر المختلف في الدين أو العرق أو اللون أو الثقافة.
في هذا السياق، تقدم دولة الإمارات أفضل نموذج للتجمعات الإيجابية البناءة والملتقيات الخلاقة، وتدفع إلى الخروج من النزعات الفردية الفكرية، المتمركزة حول الذات، إلى المشاركة التفاعلية في القضايا المصيرية المتعلقة؛ بشأن هندسة التعايش والتسامح بين الأديان والطوائف المختلفة؛ لرسم لوحة جميلة لمستقبل زاهر، لوحة تجمع كل ألوان المحبة والمودة والإخاء المستمر والنقاش الإيجابي.
ومع ذلك لا تزال الحاجة قائمة لتفعيل التسامح، وإدماجه في الوعي والممارسة الجمعية. وعلى الرغم من أن قيم التسامح ليست طارئة؛ تستدعيها الأزمات؛ كما يعتقد كثير من الناس، يظن البعض أن الحاجة إليها رهينة الأزمات الداخلية التي تعاني منها المجتمعات المتعددة الانتماءات، خصوصا مع صعود موجات الإرهاب والعنف المسلح والتمييز الديني، واستهداف الأقليات الدينية والعرقية وغير ذلك.
إلا أن الواقع يؤكد مرة بعد أخرى أن التسامح رافق مسيرة الإنسان منذ فجر التاريخ، ولكن على الدوام كانت مفاهيم التسامح تتناهبها الأهواء والنزعات العدمية، وفي أحيان كثيرة كانت تتجاذبها مجموعة متنافرة من العوامل تحول دون تفعيلها كقيم نافذة في السلوك والممارسة الجمعية. ولذلك نظن أن واجب الوقت يحتم الارتقاء بالتسامح من الحيز النظري الأخلاقي، إلى الواقع الاجتماعي والقانوني، أي إلى مرحلة الإلزام القانوني والواجب الديني، أي اعتبار التسامح واجبا إيمانيا وإلزاما شرعيا وقيمة قانونية راقية.
يقول الفيلسوف الفرنسي زاركا: "إن التسامح ينبغي أن يتجاوز منطق الشعارات؛ ليصبح محددا، مؤسساً، يؤطر الفكر والسلوك، والتمثلات والممارسات الفردية والجماعية، فينبغي أن يدخل التسامح في العادات والمؤسسات.. وأن يتم التنصيص عليه في الأجهزة القانونية والسياسية".
كما أن إعمال النظر في مفهوم التسامح، يتضح من خلاله أهمية تدارك العلماء والفقهاء الخطاب العالمي المرتبط بالآخر، والسعي إلى بناء منظومة فقهية مواكبة لتطلعات العلاقات مع الآخر، وتغذية المدونات الفقهية؛ بمفردات كونية، تتماشى مع الواقع المعاصر، وتحقق مقاصد التعارف والتفاعل الإيجابي، مستعينة بالنصوص الثرية الأصلية التي تدعو إلى التعايش والتسامح مع الآخر.
إن دور الأديان والفلسفات المختلفة في تعزيز قيمة التسامح كبير، فالأديان تمتلك من المقومات المشتركة ما يجعلها قادرة على بناء حصون ضد أي خطاب طائفي أو عنصري؛ بل تستطيع من خلال مشتركاتها إثراء العالم بمفاهيم إيجابية، وتقديم تصور جميل حول التلاقي والحوار للعالم.
والمشترك القيمي والأخلاقي بين الأديان قادر أيضا على هدم أسطورة العنف الشهيرة، أسطورة ربط العنف بالدين، فالأديان إذا فهمت بمقاصدها وقيمها لا تنتج إرهابا وعنفا وإنما تنتج إيمانا وقيما وأخلاقا.
والتطرق إلى استعادة قيمة التسامح واستحضارها في الوعي الكوني، يحتم على المعنيين بهذه القيمة الرائعة، إحياء قيم التربية والثقافة البانية للتسامح والسلم والتعايش في عقول البشر وسلوكهم، فالتربية على التسامح ضرورة حضارية، وواجب شرعي، ومطلب إنساني للعودة بالمجتمعات الإنسانية إلى صفاء إنسانيتها، وملاذ استقرارها، ومرابع تضامنها، فتستحيل إلى قوة ضد التطرف، والعنف، والظلم، والعنصرية، والأنانية، والظلم.
كما يسعى ملتقى "دور الأديان في تعزيز التسامح" إلى إصدار ميثاق يعزز من قيمتي التسامح والتعايش، وهو ميثاق "حلف الفضول الجديد"، ويهدف إلى تعزيز كل القيم النبيلة التي تعزز من قيمة التسامح؛ كحرية التدين والرحمة والمصلحة والعدل والمواطنة والسلم والوفاء والبر والتضامن وحقوق الأقليات، وتوظيف كل هذه المفاهيم الإنسانية والمصطلحات الحقوقية؛ لرفع مستوى هذه القيم وترجمتها في الفضاء الإنساني، وتسليط الضوء على النجاحات العالمية في تعزيز قيم التسامح؛ لخدمة البشرية من مواثيق حقوقية وإعلانات دولية وبيانات إنسانية، فلا يتصور التطرق إلى مفهوم التسامح والتصدي له، دون التطرق إلى مفاهيم تعد مفتاحا لفهم التسامح ودلالاته وأنساقه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة