ولا يؤكد وقف الضم فقط التزام الإمارات بالدفاع عن حق الفلسطينيين في دولتهم، ولكنه يؤكد أيضا صواب رؤيتها في كون السلام أقوى وأمضى.
لا ينبع توجه دولة الإمارات لإبرام معاهدة سلام مع إسرائيل من مجرد إدراك لفرص ثنائية محدودة، لكنه بالأحرى توجه يرتبط برؤية شاملة لفتح أفق أرحب للتنمية والازدهار في منطقتنا بأسرها. أفق يستند من جهة إلى ثقة بالذات نابعة من تراكم سنوات من بناء الإنسان ومقدرات الدولة التي سارت إلى أفق البيئتين الإقليمية والدولية، ويستند من جهة ثانية إلى التمسك بالحق العادل لكل شعوب المنطقة في الأمن والاستقرار والحياة الكريمة ولاسيما الشعب الفلسطيني.
وفي أولى تجليات هاتين الركيزتين تعيد الإمارات اليوم، وهي تبرم السلام مع إسرائيل، تمسكها بكل ثوابت رؤيتها للحل العادل للقضية الفلسطينية وفق أفق جديد يتيح للفلسطينيين إقامة دولتهم وتقرير مصيرهم ومستقبلهم والتحرر من أسر جمود مقوض فرضه على قضيتهم المتاجرون بآلام الشعب الفلسطيني وإحباطاته.
اليوم لا تمنح الإمارات الفلسطينيين فقط فرصة للخروج من هذا الجمود القاتل، بل إنها بحسب ما أوضح -بجلاء- سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، تتعهد بألا "ينفصل التطبيع مع إسرائيل عن التقدم إزاء منح الفلسطينيين حقوقهم وقيام دولتهم". ماذا يعني ذلك التعهد أيها القارئ الكريم؟
إنه المضي والتقدم لكسر الجمود التاريخي وتقديم مكاسب السلام ومنافعه المتبادلة المتوقعة لمنح الدولة الفلسطينية أفقاً جديداً من الأمل بعدما كادت تخسر آخر ما بقي لها من مقومات في ظل مخططات الضم الإسرائيلية التي أوقفها الاتفاق الإماراتي- الإسرائيلي.
ولا يؤكد وقف الضم فقط التزام الإمارات بالدفاع عن حق الفلسطينيين في دولتهم، ولكنه يؤكد أيضا صواب رؤيتها في كون السلام أقوى وأمضى من صراعات عدمية لا تخدم سوى الطامعين في الهيمنة على دولنا العربية ومصائر شعوبها.
اليوم، عزيزي القارئ، بات الفلسطينيون يمتلكون فرصة لاستئناف نضال إيجابي لإقامة دولتهم، نضال قوامه البناء وليس الهدم، قوامه الانخراط الإيجابي وليس الهروب المستمر وراء سياسة "الكراسي الفارغة"، التي لم تفض إلا إلى خسائر كارثية للقضية الفلسطينية، على حد تحذير وزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش.
تأسيساً على ما تقدم، فإن دولة الإمارات لا تسعى، لسلام منفرد، أو مكاسب تتجاهل ثوابت الإمارات والتزامها التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، بل ترى الحق الفلسطيني في دولة مستقلة مكوناً عضوياً لسلام ترجوه للمنطقة بأسرها، ومضي دولة الإمارات في هذا الشأن كما أكد عليه سمو الشيخ عبدالله بن زايد بقوله "سنواصل وقوفنا مع القيادة الفلسطينية في أي خطوات نحو السلام".
لعل نظرة سريعة للقارئ الكريم لتقرير "تكلفة الربيع العربي"، الذي أصدره
"المنتدى الاستراتيجي العربي"، قبل نحو عامين، والذي كشف أن تكلفة الاضطرابات في الدول التي شهدت ما سمي "ثورات الربيع العربي"، بلغت حتى عام 2017 نحو 833.7 مليار دولار، فضلاً عن عشرات الآلاف من الأرواح التي أزهقت في صراعات عدمية يغذيها رفض الآخر، وتحفزها قوى غير عربية "متطرفة تحلم بإمبراطوريات زائلة" يصل إلى نتيجة مفادها أن الشباب العربي الذي يشكل 60% من التعداد السكاني بات أمام تحديات تجعل من المستقبل لهذه الفئة في نفق مظلم لا يحتاج لأن يرى نوراً في آخره بل إلى قفزات كبيرة تطوي معها مراحل كبيرة للوصول إلى ركب الدول المتقدمة وردم تلك الفجوة معها.
ولعلي أختم مع القارئ الكريم هذا المقال بدعوة إلى التمعن في مرادفة "التقدم"التي استخدمها سمو الشيخ عبدالله بن زايد في مقاله، المنشور بصحيفة "وول ستريت جورنال"، ليدرك المنظور الإماراتي للمستقبل، دون التنازل عن الثوابت الراسخة للقضية الفلسطينية. "التقدم في قيام الدولة الفلسطينية حيوي في هذه المرحلة"، "المعاهدة لن تنفصل عن التقدم إزاء منح الفلسطينيين حقوقهم وقيام دولتهم".
نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة