لقد كانت نقطة التحول الكبرى في تاريخ منطقة الخليج العربي هي قيام الاتحاد ذاته، في ظل ظروف صعبة على المستوى الإقليمي؛
حيث العراقيل التي كانت تضعها القوى الدولية والإقليمية، وحيث الضعف العربي بعد هزيمة، ١٩٦٧ وحرب اليمن، وكذلك على مستوى الإمارات السبع؛ حيث الظروف الاقتصادية العسيرة، وانشغال كل إمارة بتحقيق احتياجات سكانها…. هنا جاءت رؤية زايد الثاقبة، وبصيرته النافذة، وعزيمته الصلبة، وصبرة الجميل، واستطاع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مع إخوانه حكام الإمارات بناء أهم وأنجح تجربة اتحاد في التاريخ العربي الحديث. واستطاع كذلك أن يحقق إنجازات قرن في جيل واحد كما عبر أحد الكتاب الغربيين، فما تم في الإمارات في جيل واحد يستغرق قرنا من الزمان وأكثر في دول أخرى.
وقد يظن البعض أن مجرد اتحاد الإمارات السبع كان يمكن أن يغير الأحوال…. والحقيقة أن الاتحاد كان هو المقدمة، وفتح الباب فقط….
وهنا يأتي ثاني الإنجازات وهو بناء دولة حديثة لشعب مستقر وسعيد…وقد كان التحدي الأكبر هو كيف يمكن انتشال غالبية سكان الإمارات من حالة الفقر والمرض والأمية، وانعدام وسائل الحياة الحديث؟ وكيف يمكن إقناع الناس أن الاتحاد هو خير عميم على الجميع لذلك عليهم التمسك به ودعمه؟
هنا جاءت حكمة الشيخ زايد في مشاركة خيرات الأرض مع جميع سكان هذه الأرض، وهنا كانت البداية بالإنسان؛ ومن الإنسان بدأ بناء دولة حديثة على كل المستويات: من مؤسسات الحكم الحديثة التي تحقق مصالح المواطنين وتنهض بهم … إلى تأسيس بنية تحتية من طرق وخدمات ومدارس وجامعات ومستشفيات حديثة…. وفوق كل ذلك الاستثمار في الإنسان الإماراتي…. فاستطاع زايد؛ وفي وقت قصير تكوين جيل متعلم ومدرب من المواطنين من مختلف الإمارات قادر على قيادة الدولة.
ومع بناء الدولة الحديثة جاء الإنجاز الثالث…وهو ترسيخ هوية واحدة لأبناء الإمارات السبع، فأصبح الجميع يفخر بأنه إماراتي…وأنه من عيال زايد…وكان ذلك ثمرة من ثمرات عدله الذي يشهد به الجميع…وأبوته الحانية على الجميع، وإنسانيته التي شملت كل المواطنين والمقيمين….نجح الشيخ زايد الإنسان والقائد في بناء مجتمع العدل، والتعاون والتراحم، والتسامح، والانفتاح على جميع بني البشر…فكانت الإمارات أعظم نموذج للتسامح في عالم اليوم، وكان شعبها من أسعد شعوب الأرض، وذلك لأن قيمة العدل والمساواة وحب الخير للجميع كانت من أهم القيم التي رسخها زايد القائد الإنسان في شعبه.
ورابع الإنجازات هو رعاية واستثمار النعم التي أنعم الله بها على الإمارات، فعلى الرغم من وجود الثروة النفطية…إلا أن حكمة الشيخ زايد دفعته للاهتمام بكل مصادر الخير ولو كانت بسيطة، ويمكن أن تتجاهلها وتهملها الناس في زحمة الخير الذي أفاض الله به على البلاد…فأهتم الشيخ زايد بالزراعة خصوصا زراعة النخيل وجعل من الإمارات واحدة من أهم الدول في ذلك…وأهتم بالتشجير وزراعة الغابات. وأهتم بالصيد البحري…وأهتم بالإبل…. واستطاع الشيخ زايد بحكمته حفظ كل الاقتصاد المتوارث من الضياع، واستثماره وتحويله إلى مصدر رزق للمواطنين. وحقق ما يسمونه اليوم بالتنوع الاقتصادي.
وخامس الإنجازات كان بناء مجتمع يقوم على حكم القانون، وسيادة القانون، وأن جميع الناس مواطنين، ووافدين، وزائرين سواسية أمام القانون، فكانت الإمارات بفضل حكمة زايد القائد والإنسان واحدة من أكثر دول العالم نجاحا في تحقيق حكم القانون…. وللعلم فإن حكم القانون وانتشار العدالة وشعور الناس أن القانون يحمي حقوقهم هو أهم سبب لنجاح دولة الإمارات وازدهار اقتصادها…وتقدمها.
وسادس الإنجازات ترسيخ علاقات مع دول الجوار والأقاليم والعالم تقوم على الحكمة والتوازن وبعد النظر، فقد حرص، رحمة الله عليه، أن تكون علاقات الإمارات مع جيرانها ومع العالم العربي علاقات أخوية عميقة تترفع عن صغائر الأمور، ولا تدخل في صراعات ولا صدامات، تمد يد العون للجميع، وتسعى للصلح بين المتخاصمين حتى جاء وقت كان في أبوظبي ممثلين عن الحكومة ومعارضيها من دول عربية مختلفة مثل اليمن والعراق والجزائر…الخ، كل ذلك تم بسبب حكمة الشيخ زايد، وسعة صدره، وحنكته السياسة وكرمه.
وسابع الإنجازات وضع الإمارات في موقع دولي يقوم على العمل الإنساني والتعاون الاقتصادي والعمل الخيري، حتى أصبح العالم أجمع يحب الإمارات إلى درجة تجعل من الصعب أن تجد عدواً للإمارات في أي مكان في العالم، لأن الإمارات لها أيادي بيضاء في العمل الخيري في كل الأزمات التي يعيشها العالم؛ دون تفرقة بين المحتاجين على أساس الدين أو العرق أو اللغة، وأصبحت الدبلوماسية الاقتصادية عنوانا لعلاقات الإمارات بالعالم. لقد ترك الشيخ زايد رحمة الله عليه ميراثا من المحبة في كل الدنيا لا يقدر بمال، ولا تساويه كل كنوز الأرض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة