علمتنا التجربة الإماراتية أن كلمة مستحيل غير موجودة في قاموسها. بل أكثر من ذلك
عادة ما يسألني الأصدقاء، ما سر المعجزة الإماراتية؟ هل في خزين النفط أم هل في الموقع الجغرافي أم هل في النظام الاقتصادي؟ أم هل.. في.. في.. في، فأقول لهم: السّر يا أصدقائي في أن حكّام الإمارات وشيوخها وأصحاب القرار يحبون بلدهم، ويفتدونه بأعمارهم وأرواحهم وأموالهم.
لا تظن أن السفينة تسير بدون ربان أو بدون خرائط بحرية؛ لأن البحر يحتوي على كثير من الأهوال المختفية وكذلك الحيتان، لكن المهم كيف يستطيع الربان قيادة سفينته بين هذه الألغام ويوصلها إلى بر الأمان. أقول ذلك ونحن نعيش الذكرى الـ48 لقيام "روح الاتحاد" التي تتطلب منا وقفة وإطلالة على هذا الحدث التاريخي، الذي لا يخص الإماراتيين بل يخص العرب؛ لأن تجربة الإمارات شاء الأصدقاء أو الأعداء فهي من التجارب الرائدة في عصرنا الحديث، لا أتكلم زلفى أو مجاملة، وما أبعدني عنهما، لكنني رأيت بأم عيني هذا التطور منذ مجيئي إلى هذا البلد المضياف في عام 2004 وحتى الآن، فرأيت منطقة برج خليفة عندما كانت أرضا مستوية مع الأرض، وها هي المنطقة الأشهر، بنوافيرها وفنادقها ومحلات تسوقها ومبانيها. كيف حصل ذلك في فترة وجيزة في تاريخ الأمم الطويل والعريض. هناك الطاقة الكامنة في هذه الأرض التي تدفع بعجلة التطور إلى الأمام، والتي لا يمكن أن تتحقق بوصفة سحرية أو عصا ساحر، بل تتطلب الفكر الذي يخطط، ويجلب أخطر المهارات العالمية، ويزجّها في ميدان العمل.
علمتنا التجربة الإماراتية أن كلمة مستحيل غير موجودة في قاموسها، بل أكثر من ذلك، تعمل الإمارات على ضمان المستقبل للأجيال الجديدة من خلال بناء المشروعات الاستراتيجية التي تمتد لفترات طويلة، وقد أثبتت الإمارات قابليتها على التكيف مع معطيات العصر، كضمانة وحيدة لهذا المستقبل
هناك مصباح ينير الطريق، وبوصلة تدل وتشير، تستوحي من فكر المغفور له الشيخ زايد، حكيم العرب، وباعث هذه النهضة وراسم هذا المنهج، فلا أحد يضيع في الطريق ما دام اهتدى إلى هذا الفكر الخلاّق، ورؤيته المستقبلية وأحلامه الإنسانية، كان الصراع مع الصحراء، هو جزء من صراع مع النفس أولاً، وأكبر التحديات هي تحدي الذات، وهذا ما ساعد على بناء الجسور نحو الحلم الذي لم يكن سهلاً. ونحن نتساءل: ما الذي يجعل الإمارات في هذه الصورة المشرقة؟ ما الذي يُغري بهبوط طائرة كل 3 دقائق في مطارات دبي على سبيل المثال؟ وقبل نحو أربعين عاماً كانت الطرقات ترابية ولا تصلح لسير السيارات عليها، ما الذي يجعل أكثر من 200 جنسية تعيش في حالة تآلف وانسجام ووئام؟ وفي بلدان أخرى تضيق الأرض بالأجانب وتثير الاضطرابات.
البداية من الصفر ليس سهلاً، ظروف مناخية وبيئية لم تكن ملائمة، لكن إرادة الإماراتيين تجاوزت كل الظروف، من خلال الإيمان بتأسيس الوطن، الفرادة عنصر قوي في قاموس الإمارات، لذلك فكل إمارة تتميز بكنوزها وغناها الروحي والمادي، والواحدة منها تكمل الأخرى، لا يزال الطموح نحو الأفضل محرّكاً للمياه الراكدة، كما نرى إن إكسبو دبي 2020 تتحول إلى عالم بأكمله، فقد تم ربطه بالتنمية الشاملة للبلد؛ حيث جذب الابتكارات والاختراعات من أنحاء العالم إلى أرض الإمارات، تحت الشعار الذهبي "تواصل العقول وصنع المستقبل"، وهذا الشعار لو تظافرت جهود الجميع سيكون بإمكانها أن تعيد لمنطقة الشرق الأوسط دورها القديم، كبوتقة تتلاقى فيها الثقافات وتتفاعل في جو إبداعي متميز نحو آفاق المستقبل.
إن الاستقرار والأمن والأمان من كنوز هذا البلد وسّر من أسراره، يكتشفه المقيمون والزائرون، وهو الذي أدى إلى هذا الازدهار، هذه كنوز غير مرئية، ولا يدرك جوهرها إلا مَنْ يفتقدها، فالإمارات لا تبهرنا نحن العرب بل تُبهر الأوروبيين والغربيين أيضاً، لا صحة لمن يقول إن النفط وراء هذه التنمية، فهناك بلدان تفوق الإمارات في خزائنها من النفط، ولكنها لا تزال في حالة من التخلّف والركود والتراجع، إذاً ما هو سّر تطور الإمارات؟ إن التفكير بالمستقبل لم يغفل اهتمام الإمارات بالماضي والتراث، فهو جسر يربط الاثنين بخيوط قوية، وكم يحلم حكّام الإمارات ببعث الحضارة العربية ونهضتها في الصناعة والحداثة والاستدامة من أجل فائدة شعوب المنطقة.
علمتنا التجربة الإماراتية أن كلمة مستحيل غير موجودة في قاموسها، بل أكثر من ذلك، تعمل الإمارات على ضمان المستقبل للأجيال الجديدة من خلال بناء المشروعات الاستراتيجية التي تمتد لفترات طويلة، وقد أثبتت الإمارات قابليتها على التكيّف مع معطيات العصر، كضمانة وحيدة لهذا المستقبل، ولا نبالغ إذا قلنا إن التجربة الإمارتية تُلهم الآخرين، في مجالات عديدة، أقلها الإعمار والبناء.
لا نريد الدخول في المؤشرات الدولية والأرقام القياسية، وتبوأ الإمارات مكانتها المتميزة فيها، فهي متوفرة ويمكن الاطلاع عليها، أذكر منها فقط الاعتماد على الطاقة الشمسية وبناء المدن الذكية وتفعيل التنمية المستدامة ومدينة "مصدر" أوائل المدن الذكية في منطقة الشرق الأوسط وغيرها، وكل ذلك لا يمكن بناؤه دون الاعتماد على مجتمع المعرفة والعلم والتكنولوجيا، وهكذا تحمل الإمارات شعلة التنمية لتنير الطريق بوجه الأفكار المتطرفة وموجات الإرهاب وعهود الظلامية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة