من يعمل سيخطئ لا محالة ولا عيب في ذلك، لكن العيب في «التعامي» عن الخطأ أو الاندفاع لتطبيق حلول دون استقراء سليم أو حساب لتبعاتها.
خلال أيام الاحتلال البريطاني للهند، كثرت شكاوى الجنود من زيادة عدد أفاعي الكوبرا القاتلة في مدينة دلهي تحديداً وما يحيط بها، فأعلنت ممثليّة الحكومة البريطانية بالهند عن جائزة لكل من يصطاد أفعى منها كحل ارتجالي دون تقييم عميق للوضع، فما كان من الشعب الفقير إلا الاندفاع للفتك بتلك الزواحف طلباً للمال، وبعد فترة لاحظ المحتلّون البريطانيون تداعياً غريباً للحل، وذلك أنّ السكان المحليين قاموا بإنشاء «مزارع» لرعاية بيض الكوبرا واستخراج أكبر عدد ممكن منها لبيعها!
من يعمل سيخطئ لا محالة ولا عيب في ذلك، لكن العيب في «التعامي» عن الخطأ أو الاندفاع لتطبيق حلول دون استقراء سليم أو حساب لتبعاتها، وضع مكافأة لقتل الكوبرا لن يحل المشكلة، وتجاهلها لن يحلها أيضاً!
حينها حاول البريطانيون تدارك الخطأ فقرروا العودة لنقطة البداية وقاموا بإلغاء القرار، ولكن مرةً أخرى حدثت تداعيات جديدة لم يأخذها صاحب القرارات المتسرّعة في الحسبان، فالسكّان المحليون عندما علموا بالإلغاء تركوا تلك المزارع وعادوا لانشغالاتهم اليومية، الأمر الذي نتج عنه خروج أعداد هائلة من الأفاعي جعلت الوضع القديم «وردياً» مقارنة بما أصبح عليه الحال!
الحل المتسرّع لا يأتي بخير أبداً، وعدم الانتباه لكامل تفاصيل المشهد وما يحيط به وما يؤثر فيه من أشخاص وظروف وما يعتبر سبباً جذرياً للمشكلة لا شكلياً لن يؤدي إلا لتخبطات مستمرة تجعل المشكلة تتحوّل لأزمة تستعصي على الحلول لاحقاً، حينها لن تنفع الحلول «الترقيعية» ولن يفيدنا بشيء أن النوايا كانت طيبة، الأخطاء تُعالَج بمعايير متكاملة وأدوات فعالة وباستقراء تام، ولا يمكن أن تُعالَج بحلول متهورة أو بتجاهل وجودها أصلاً والتشنيع على من يُشير لضررها!
منذ فترة بدأت في التزايد أصوات تُعاتِب من ينتقد السلوكيات الخاطئة أو القاصرة في بعض مؤسسات الدولة «الخدمية» بحجة أنّ هناك «مترصدين» لبلادنا، وسيجدونها فرصة سانحة للهجوم علينا، بينما سلكت مجموعة أخرى طريقة أكثر غرابة بتصوير من ينتقد تلك السلوكيات المؤسسية كمنتقد للجهات العليا التي اختارت مسؤولي تلك المؤسسة !
خصومنا سيهاجموننا بكل حال، وذلك قَدَر الدول الناجحة، الفاشلة فقط هي من لا يُؤبه بها ولا حُسّاد لها، لكن أن نترك الخطأ يستشري حتى يقوّض جانباً من قدرات الدولة ونتركه دون علاج «حقيقي» وليس علاجاً متشنجاً متسرعاً، طبطبةً على بعض من لا يستطيع رؤية مكمن الداء، أو خوفاً من انتقاد مترصد، فإنّ ذلك مما لا يقول به عاقل أو محب مخلص لوطنه، أما دعوى أنّ الـمُنتقِد ينتقد في الحقيقة مَن اختار ذلك المسؤول أو تلك الإدارة فهذا أمرٌ يبرهن على هشاشته وسقوط منطقه أمام توجيهات رئاسة حكومة البلد الاتحادية ممثلة بصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم التي تتسق ومنهجيات أحدث الأنماط القيادية القائمة على دوام التقييم والتحسين، وهي المنهجية التي جعلت بلادنا تتألق كثيراً في مؤشرات التنافسية العالمية بمختلف مجالاتها.
قبل أيام قال سموّه: «وجهنا اليوم بالبدء في تقييم خدمات ٦٠٠ مركز خدمات حكومي، سنعلن في ١٤ سبتمبر/أيلول عن أسوأ خمسة مراكز خدمة وأفضل خمسة، ورسالتي لكافة المسؤولين: «لن نرضى بغير المركز الأول عالمياً في خدماتنا وكافة مرافقنا»، تقييم الخدمات لمعرفة الفعّال من غيره، وتمييز المجتهد عمن سواه، أمرٌ حيوي لديمومة النمو وضمان استمرارية النجاح، فلا يوجد نمو دون محاسبة صارمة للذات، ولا يستمر نجاح دون ملاحظة كل التفاصيل وتصحيح أي انحراف في مهده، ولا يدوم تفوّق تنافسي بأشخاص يطلبون منك التصفيق فقط، المركز الأول عالمياً كما يقول بوراشد (حفظه الله) يريد جهداً مضاعفاً وتقييماً صارماً وحلولاً ناجحة.
من يعمل سيخطئ لا محالة ولا عيب في ذلك، لكن العيب في «التعامي» عن الخطأ أو الاندفاع لتطبيق حلول دون استقراء سليم أو حساب لتبعاتها، وضع مكافأة لقتل الكوبرا لن يحل المشكلة، لكن تجاهلها لن يحلها أيضاً!
نقلاً عن "البيان"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة