الإمارات وأزمة السودان.. دعم إنساني مستدام وعطاء بلا حدود
مساعدات إماراتية إنسانية جديدة للسودان، وتعهدات متجددة بمواصلة دعم وإغاثة أبناء النيل لمواجهة التداعيات الإنسانية للحرب الأهلية ببلادهم.
أحدث تلك التعهدات جاء على لسان الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال منتدى أبوظبي الاستراتيجي، الإثنين، مشددا على أن التزام الإمارات الإنساني ثابت مع الشعب السوداني بكل أطيافه، رغم الحملات الإعلامية المضللة.
دبلوماسية نابضة بالإنسانية
وقال قرقاش في كلمته إن الأزمة الإنسانية في السودان ملحّة، مشددًا على ضرورة "أن تتوقف الحرب الآن"، وأن يتحمل كل طرف مسؤولياته.
تأتي هذا التصريحات بعد أيام من إعلان دولة الإمارات مجددا دعمها الكامل للجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى فرض هدنة إنسانية فورية ووقف شامل لإطلاق النار في السودان، بما يتيح وصول المساعدات إلى المتضررين ويضع حدّاً لمعاناة المدنيين المستمرة منذ اندلاع الحرب الأهلية.
وأعربت دولة الإمارات عن إدانتها الشديدة واستنكارها العميق للانتهاكات الإنسانية والجرائم المروّعة التي ارتكبت بحق المدنيين في مختلف أنحاء السودان المتضررة من الحرب الأهلية، بما فيها مدينة الفاشر.
وأكدت وزارة الخارجية في بيان أصدرته 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أن استهداف المدنيين والأحياء السكنية والمرافق الحيوية في كافة المناطق التي تشهد مواجهات عسكرية مسلحة يشكل تصعيداً خطيراً وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني ولجميع القيم والمبادئ الإنسانية، وأن ما شهدته البلاد من اعتداءات مروّعة يمثل جريمة بحق الإنسانية تتطلب موقفاً دولياً موحداً وحازماً.
وشدّدت الإمارات على ضرورة اضطلاع الأطراف المتحاربة بمسؤولياتها الكاملة في حماية المدنيين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وآمن ودون عوائق، مؤكدةً أن استغلال المعاناة الإنسانية أو المساعدات لأغراض سياسية أو عسكرية أمر مرفوض ومدان.
وأكدت أن البيان المشترك للرباعية حول السودان (الصادر 12 سبتمبر/أيلول الماضي) يشكل خطوة تاريخية في مسار الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، إذ يقدم تشخيصاً دقيقاً لطبيعتها ويرسم خريطة طريق واضحة لمعالجتها، من خلال هدنة إنسانية تعقبها عملية انتقال مدني للسلطة، مجددةً التأكيد أن لا حل عسكرياً للأزمة السودانية، وأن التوافق الإقليمي والدولي الذي عكسه البيان يمثل دعماً مهماً لمسار السلام ووحدة السودان.
وجدّدت دولة الإمارات تأكيد موقفها الثابت والداعي إلى ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، واعتماد الحل السياسي والحوار الوطني الشامل طريقاً وحيداً لإنهاء الحرب الأهلية، وصون وحدة السودان واستقراره، ودعم الجهود الإقليمية والدولية لتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب السوداني الشقيق.
جهود دبلوماسية نابضة بالإنسانية، هدفها الأول دعم وإغاثة أبناء النيل.

ريادة إنسانية ودبلوماسية
جهودٌ تسجلها صفحات تاريخ العلاقات الأخوية الممتدة بين البلدين منذ أكثر من 5 عقود، بحروف من ذهب، تخليدًا للبصمات الإنسانية الإماراتية المساندة للشعب السوداني.
ومنذ اندلاع القتال في 15 أبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبدالفتّاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بقيادة نائبه السابق الفريق أول محمد حمدان دقلو، كانت الإمارات سبّاقة على الصعيدين الإنساني والدبلوماسي لوقف التصعيد وإنهاء الأزمة عبر الحوار والطرق السلمية وتخفيف التداعيات الإنسانية.
فبعد أيام فقط من اندلاع الأزمة، وتحديدًا في 26 أبريل/نيسان 2023، أعلنت عن تقديم 50 مليون دولار كمساعدات إنسانية طارئة للسودان، في سبق إنساني وجهت دولة الإمارات عبره أنظار العالم إلى ضرورة التركيز على البعد الإنساني للأزمة السودانية لتخفيف وطأة الأزمة على المدنيين.
مساعدات جديدة.. 100 مليون دولار
وعززت الإمارات هذا الدور الإنساني بمبادرات متتالية، كان أحدثها إعلان السفير محمد أبوشهاب، المندوب الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، خلال الاجتماع الذي عقده مجلس الأمن الدولي 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عن تقديم الإمارات تبرع إضافي بقيمة 100 مليون دولار أمريكي لدعم العمليات الإنسانية المنقذة للحياة في الفاشر، ليصل إجمالي المساعدات الإماراتية منذ اندلاع الأزمة إلى أكثر من 700 مليون دولار، وترتفع إجمالي مساعداتها للسودان على مدار الـ10 سنوات الماضية إلى أكثر من 3.9 مليار دولار.

دعم اللاجئين
يأتي الإعلان عن المساعدات الإنسانية الجديدة للسودان، فيما تواصل الإمارات دعمها للاجئين السودانيين.
ومنتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت مؤسسة "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية"، عن استكمال مشاريع إنسانية حيوية، بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، لدعم اللاجئين السودانيين في جمهورية تشاد وتمكينهم من الحصول على الخدمات الأساسية من مياه نظيفة ورعاية طبية، وإنشاء بنية لتعزيز الصحة العامة، بما يسهم في تحسين الظروف المعيشية للاجئين السودانيين والمجتمع المضيف في شرق تشاد.
وجاء تنفيذ هذه المشاريع بدعم من مؤسسة "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية"، لتمكين مفوضية اللاجئين من مساعدة اللاجئين السودانيين في تشاد، ومساندتهم في مواجهة الظروف الصعبة بعد فرارهم من ديارهم، وقد استطاعت تلك المشاريع تحقيق مستهدفاتها في تقديم الخدمة لأكثر من 131 ألف لاجئ سوداني إضافة إلى أفراد من المجتمع المضيف.
وشملت المشاريع الإنسانية المتكاملة، حفر 10 آبار في مخيمات اللاجئين شرق جمهورية تشاد بقدرة متوسطة تبلغ 975 متراً مكعباً يومياً من المياه الصالحة للشرب يستفيد منها 65 ألف شخص.
كما تم إنشاء عيادة صحية متكاملة وسط تجمعات اللاجئين السودانيين في مخيم "أركوم" في شرق تشاد، تضم 13 غرفة وساحتين مظللتين للانتظار، وهي مزودة بمنظومة توليد كهربائي تعمل بالطاقة الشمسية، ونظاماً لإدارة النفايات، والمعدات والمواد الطبية بما يكفي لخدمة أكثر من 66 ألف شخص، بما يشمل حوالي 40 ألف لاجئ سوداني و26 ألفاً من أفراد المجتمع التشادي المضيف شرق البلاد.
وقبيل تلك المشاريع الإنسانية، نفذت دولة الإمارات في مايو/ أيار الماضي مبادرة إنسانية جديدة في جمهورية تشاد لدعم اللاجئين السودانيين، حيث تم توزيع ثلاثة آلاف سلة غذائية في مخيمات دوقي وعلاشا وأبوقدام، إلى جانب إرسال فريق طبي ميداني لتقديم الرعاية الصحية في مخيم أبوقدام.
وجاء هذا المشروع بالتنسيق مع وزارة العمل الاجتماعي والتضامن والشؤون الإنسانية، واللجنة الوطنية لاستقبال وإعادة إدماج اللاجئين والعائدين في تشاد، في إطار التعاون المشترك لتخفيف معاناة اللاجئين وتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وقد استفاد من هذا المشروع الإغاثي خمسة عشر ألف لاجئ سوداني، موزعين على ثلاثة مخيمات رئيسية، حيث شهد مخيم دوقي توزيع 1500 سلة غذائية استفاد منها 7500 شخص، في حين تم توزيع 1300 سلة في مخيم علاشا استفاد منها 6500 شخص، كما تم توزيع 200 سلة غذائية في مخيم أبوقدام استفاد منها 1000 شخص، بهدف تلبية احتياجات هذه الأسر لمدة شهر كامل، بما يضمن تعزيز الأمن الغذائي وتحسين الظروف المعيشية في المخيمات المستهدفة.
كما شهدت المبادرة إرسال فريق طبي إلى مخيم أبوقدام لتقديم الرعاية والخدمات الطبية للاجئين، وهو ما ساهم في تلبية جانب أساسي من احتياجاتهم الإنسانية في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشونها.

أيضا تم نهاية مارس/آذار الماضي، توزيع مساعدات إنسانية لدعم اللاجئين السودانيين في تشاد، ضمن مساهمتها في التخفيف من معاناة الأسر الأكثر تضررًا.
وسبق ذلك بنحو أسبوع، تنظيم زيارة إنسانية رفيعة المستوى إلى مخيم غوروم للاجئين في جوبا بجنوب السودان يوم 19 مارس/آذار، بمشاركة دولية واسعة، تضامنًا مع المجتمعات النازحة من مناطق النزاع، وتم خلالها توزيع مساعدات غذائية على سكان المخيم، بمن فيهم اللاجئون السودانيون.
وفي 7 من الشهر نفسه، تم افتتاح مستشفى مادهول الميداني بولاية شمال بحر الغزال في جنوب السودان، ليكون ثالث مستشفى ميداني تقيمه الإمارات لخدمة اللاجئين السودانيين في دول الجوار، بعد مستشفيي أمدجراس وأبشي في تشاد.
تعزيز التعاون الدولي
وفي إطار جهودها لتعزيز التعاون الدولي، لدعم السوداني إنسانيا، لم تفوت الإمارات اجتماع دولي بهذا الصدد، بل كانت سباقة في إطلاق مبادرات لدعم وإغاثة أبناء النيل.
وفي 14 فبراير/شباط الماضي، نظّمت الإمارات بالتعاون مع إثيوبيا والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، "المؤتمر الإنساني رفيع المستوى من أجل شعب السودان"، الذي يُعد أول مؤتمر إنساني للسودان يُعقد هذا العام.
وخلال المؤتمر، أعلنت الإمارات عن تقديم 200 مليون دولار إضافية كمساعدات إنسانية.
وقد لاقت هذه المبادرة إشادة واسعة من المنظمات الدولية، لا سيما خلال الإطلاق المشترك بين المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية لخطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2025، وخطة الاستجابة الإقليمية للاجئين السودانيين، في 20 فبراير/شباط، بمشاركة إماراتية فعالة.
و قبيل المبادرة الإنسانية التي أُعلنتها في أديس أبابا، تعهدت الإمارات خلال مشاركتها في اجتماعات المؤتمر الدولي الإنساني بشأن السودان في العاصمة الفرنسية باريس، 17 أبريل/نيسان 2024، بتقديم 100 مليون دولار أمريكي دعمًا للجهود الإنسانية في السودان ودول الجوار.
وأعلنت الإمارات في 17 يونيو/حزيران 2024 أنها ستخصص 70 مليون دولار منهم كمساعدات للسودان عبر وكالات الأمم المتحدة، فيما ستوجه 30 مليون دولار أخرى لدول الجوار التي تؤوي لاجئين ونازحين.

دعم السودانيات
وفي إطار دعمها للنساء المتضررات من الأزمة السودانية، أعلنت الإمارات سبتمبر/ إيلول 2024 تقديم 10.25 مليون دولار للأمم المتحدة، حيث سيتم تخصيص 3 ملايين دولار لكل من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة الصحة العالمية، و2 مليون دولار لصندوق المرأة للسلام والعمل الإنساني، و2 مليون دولار لصندوق الأمم المتحدة للسكان، إضافة إلى 250 ألف دولار لدعم برنامج الاستجابة بناءً على النوع الاجتماعي في تشاد.
طوق نجاة
وعلى مدار 31 شهرا من عمر الأزمة، شكّلت المبادرات والمساعدات الإماراتية طوق نجاة لملايين المتضررين، حيث بلغ عدد المستفيدين المباشرين من تلك المساعدات ما يزيد عن مليوني شخص.
في إطار الدعم الإنساني والإغاثي والطبي المقدم من دولة الإمارات للاجئين السودانيين المتأثرين بالأوضاع الصعبة التي تسبب بها الصراع في البلاد، أنشأت الإمارات 3 مستشفيات لتوفير الخدمات الطبية للاجئين في دول الجوار، تنفيذاً لتوجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، وتفصيلها كالتالي:
- مستشفى ميداني في أمدجراس بتشاد في 9 يوليو/ تموز 2023 دعماً للاجئين من الأشقاء السودانيين.
- افتتحت الإمارات "مستشفى الإمارات الميداني" المتكامل في مدينة أبشي في تشاد في أبريل/ نيسان 2024، ليقدم خدماته العلاجية والرعاية الطبية إلى الأشقاء السودانيين اللاجئين إلى الأراضي التشادية.
ويتضمن المستشفى ــ الذي بلغت تكلفته أكثر من 20 مليون دولار ــ أقسام الأطفال وأمراض النساء والتوليد إضافة إلى جراحة العظام والجراحة العامة والطب الباطني، كما يشمل غرفة العمليات وطب الطورائ ومختبراً وصيدلية وأقسام الأشعة بأنواعها، إضافة إلى 10 أسرة لغرف العناية المركزة و50 سريراً للمرضى الداخليين وغيرها من التخصصات الطبية.
- علاج 90889 حالة داخل المستشفييْن الميدانيّيْن في مدينتي أمدجراس وأبشي بتشاد.
- افتتحت الإمارات 7 مارس/ آذار 2025 مستشفى في منطقة مادول في ولاية بحر الغزال في جنوب السودان، فضلا عن تقديم الدعم إلى 127 منشأة صحية في 14 ولاية.
أيضا منذ بداية الأزمة سيرت الإمارات جسراً جوياً وبحرياً نقل قرابة 13 ألفا و168 طنا من المواد الغذائية والطبية والإغاثية طن من المساعدات الإغاثية والإنسانية عبر 162 طائرة وعدد من سفن المساعدات.
دعم تاريخي
ومنذ بدء العلاقات بين دولة الإمارات والسودان قبل 5 عقود وحتى اليوم، تتدفق مساعدات إماراتية إغاثية وإنسانية واقتصادية وتنموية.
مساعدات تتدفق كنهر عطاء ينبع من دار زايد لإغاثة أهل السودان، الأمر الذي يجسّد خصوصية العلاقات الأخوية التاريخية بين البلدين من جانب، ومن جانب آخر يؤكد أن التزام الإمارات بمد يد العون والمساعدة للأشقاء في السودان، هو التزام تاريخي بدأ منذ عهد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ويتواصل حتى اليوم بتوجيهات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات.