طالما ثار التساؤل عن الدوافع الخفية التي تقف خلف قرار قيادات الجيش السوداني وحلفائهم باستمرار الحرب مهما كانت كُلفتها الإنسانية.
فرغم تضافر الجهود الدولية والإقليمية لإنهاء الحرب في السودان، وقبول قوات "الدعم السريع"، للهدنة التي اقترحتها الرباعية الدولية، فإن قيادات الجيش السوداني، ما زالت تتمسك بمواصلة الحرب.
وحسب مراقبين فإن الخطاب الرسمي لقيادات الجيش السوداني، ما زال غارقاً في التناقضات والمراوغة السياسية.
وقال مراقبون لـ"العين الإخبارية" إن موقف قيادة الجيش السوداني من استمرار الحرب، يرتبط بطبيعة مصالحهم الاقتصادية والاستثمارية، خصوصاً في مجال الذهب والتعدين في السودان.
هذا الأمر عدّه مراقبون "الدافع الرئيسي" وراء رغبتهم في استمرار الحرب، تنفيذاً لأجندة التنظيم الإخواني الذي يسعى للعودة إلى السلطة، من خلال الاستفادة من ظروف الفوضى الأمنية والسياسية التي تشهدها الدولة منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، في أبريل/نيسان 2023.
النفوذ في قطاع الذهب
الحديث عن تمدد ونفوذ قيادة الجيش السوداني، وبالأخص عبدالفتاح البرهان قائد الجيش، في مجال التعدين وقطاع الذهب، لم يعد جديداً أو خافياً عن عيون الصحافة الاستقصائية.
وفي نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، كشف تقرير صادر عن موقع "أفريكا إنتلجنس" (Africa Intelligence) المتخصص في الشؤون الأفريقية، عن النفوذ الواسع لعائلة البرهان في السيطرة على قطاع الذهب، ذلك المورد الاستراتيجي الذي يشكّل نصف صادرات السودان.
وفي صدارة هذا النفوذ، كما ورد بالتقرير، يطلّ المحامي حسن البرهان، الذي يتولّى إدارة مصالح شقيقه عبدالفتاح البرهان في ميدان التعدين، وهو ما يؤكد بحسب مراقبين، ضعف السلطة "الصورية" في بورتسودان التي عُيِّن لرئاسة حكومتها كامل إدريس، والتي تعمل كغطاء للنهب المنظم الذي تمارسه العائلة وقيادات التنظيم الإخواني.
وكان الناشط السياسي المعروف في السودان، عبدالمنعم سليمان، كتب على صفحته الشخصية في "فيسبوك" معلقاً على تقرير "أفريكا إنتلجنس"، قائلاً: "كل الدلائل والبراهين التي أوردتها مصادر متطابقة، تؤكد تورط شقيق قائد الجيش السوداني في وقائع أخرى، من بينها ضبط عشرة ملايين دولار نقداً بحوزته في منفذ حدودي بدولة مجاورة قبل أن يُفرج عنه وعن المبلغ لاحقاً". وتابع: "حادثة كهذه تفضح بجلاء حجم النفوذ المالي الذي تحوزه العائلة، وكيف تُستغل موارد البلاد في بناء ثروات شخصية طائلة".
عبدالمنعم سليمان، ذهب في تعقيبه على تقرير المنصة الأفريقية، وربط ذلك برغبة البرهان في استمرار الحرب، مضيفاً: "لا شك أنّ استمرار الحرب يخدم مصالح عبد الفتاح البرهان وأسرته بصورة مباشرة؛ فكل يوم يمرّ في أتون النزاع يفتح لهم باباً جديداً لنهب أطنان الذهب، ومراكمة الأرباح، وتوسيع شبكة النفوذ العائلي عبر تعيين الأقارب في مواقع استراتيجية، رسمية كانت أو غير رسمية".

منظومة الصناعات الدفاعية
خبير اقتصادي مطلع على المعلومات الخاصة بقطاع التعدين والذهب في السودان، تحدث لـ"العين الإخبارية" مفضلاً حجب اسمه لدواع أمنية، حيث أكد دقة المعلومات التي أوردها موقع «أفريكا إنتلجنس» حول تنامي نفوذ عائلة البرهان داخل قطاع التعدين.
وقال: "حسب معلوماتي الدقيقة، فإن شقيقي قائد الجيش السوداني، حسن وخالد البرهان ومصلح نصار مستشار رئيس الوزراء كامل إدريس، تمكنوا من إرساء شراكة مع منظومة الصناعات الدفاعية، من خلال الاستفادة من قاعدة علاقات في مجال التنقيب عن الذهب قبل اندلاع الحرب".
وأشار إلى أن مؤسسة الجيش السوداني تمتلك عبر منظومة الصناعات الدفاعية، أكثر من 300 شركة تجارية وصناعية تعمل في قطاعات حيوية تشمل التعدين، البناء، المياه، المواد الغذائية، تصنيع الأدوية، المصارف، وحتى الاتصالات والطيران.
وكشف الخبير الاقتصادي عن عائدات هذه الشركات، مؤكداً أنها تُقدر بما يزيد على ملياري دولار سنوياً، ما يجعلها واحدة من أقوى المنظومات الاقتصادية شبه السيادية في السودان، حسب قوله.
ولفت إلى أن "عائلة البرهان استمدت نفوذها في جني الأرباح واكتناز الأموال، من خلال إدارة شقيق البرهان لشبكات توريد مدخلات التعدين من المواد الكيميائية، عبر خطابات الاستثناءات من وزارة المعادن الذي تولى حقيبتها نور الدائم طه القيادي بالحركة التي يقودها مني أركو مناوي، بعد تدخل مباشر من البرهان خلال فترة التشكيل الوزاري الجديد بعد تعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء".
أثر العقوبات
وفي يونيو/حزيران 2023، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على منظومة الصناعات الدفاعية، ضمن سلسلة إجراءات استهدفت تجفيف مصادر تمويل الحرب.
كما طالت العقوبات شركات مثل "سودان ماستر تكنولوجي" وأذرع مالية وتجارية لقادة في الجيش السوداني.
وبحسب تقارير أممية ودراسات للباحث جان باتيست غالوبان، فإن الشركات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية تنشط أيضًا في تصدير الذهب والجلود والصمغ العربي، وتسيطر على نسب كبيرة من سوق استيراد القمح والأدوية.
إلا أن الجيش السوداني أصدر في يوليو/تموز الماضي، قراراً قضى بتعليق نشاط عدد من شركاته العاملة في مجالات التعدين والإنشاءات والطباعة.
وطبقاً لحديث الخبير الاقتصادي لـ"العين الإخبارية" فإن قرار الجيش السوداني، جاء "تحسباً لمخاوف كثيرة أثارتها العقوبات الأمريكية والأوروبية المتصاعدة ضد شركات وأفراد مرتبطين بالمؤسسة العسكرية السودانية، بسبب تورطهم في تمويل العمليات الحربية وتهديد الأمن الإقليمي".
وأضاف أن "البرهان يريد اللعب على كل الحبال، ظناً بأن المجتمع الدولي والإقليمي يمكن أن يُخدع بقراراته، وبهذا يتوهم بأنه يستطيع انتزاع اعتراف دولي بشرعية سلطته التي يسعى للحفاظ عليها بأموال الشعب السوداني دون وجه حق".