كلما اقترب السودان من بصيص أمل لإنهاء حربه المدمرة، تتكشّف ملامح صراع الأجنحة داخل المؤسسة العسكرية، التي باتت رهينة لتناقضات قادتها وتغلغل النفوذ الإخواني في مفاصلها.
وبدلا من أن تكون المؤسسة العسكرية ضمانة لوحدة البلاد، تحوّلت ـ وفق مراقبين ـ إلى ساحة تصفية حسابات سياسية، تُدار بخطاب عدائي يُغذّي الحرب ويقوّض فرص السلام.
ويشير متابعون للشأن السوداني إلى أن قيادة الجيش السوداني تعاني تصدعًا داخليًا واضحًا، تجلّى في تصريحات مساعد قائد الجيش الفريق ياسر العطا، الذي واصل تبنّي خطاب تصعيدي تجاه المبادرات الدولية والإقليمية، متهمًا أطرافًا خارجية بالسعي لفرض حلول لا تخدم «السيادة الوطنية».
لكن مراقبين يرون أن العطا، ومن خلفه تيار داخل الجيش، يتبنّى خطابًا ينسجم مع أجندة تنظيم الإخوان، الذي تمكن عبر السنوات من إعادة تثبيت نفوذه داخل المؤسسة العسكرية، وتحويلها إلى أداة سياسية تُدار بالتحكم عن بُعد لخدمة أهداف التنظيم.
انقسام خطير في قيادة الجيش
رئيس حزب الأمة السوداني ورئيس تحالف التراضي الوطني مبارك الفاضل المهدي حذّر في تعليقه على تصريحات العطا من «انقسام خطير في القيادة العسكرية»، معتبراً أن ما صدر عن العطا «إما سيناريو متفق عليه لنسف جهود السلام الدولية، أو مؤشّر على انقسام داخلي حاد في قيادة الجيش».
وفي تغريدة أعاد إرسالها لـ«العين الإخبارية»، قال المهدي إن «تصريحات العطا التي وجّه فيها إساءات لدولة الإمارات تجاوزت كل حدود الأخلاق السودانية وأعراف التعامل بين الدول. كان عليه أن يراعي البروتوكولات السياسية والصلات التاريخية التي تربط السودان بدولة الإمارات والمصالح المشتركة بين البلدين».
وأضاف المهدي أن العطا «عبّر بتصريحاته عن موقف داعٍ لاستمرار القتل وليس السلام»، واصفاً خطابه بأنه يتجاهل المأساة التي يعيشها الشعب السوداني، ولا يقدّر الجهود العربية والدولية، خصوصاً من مصر والسعودية، لوقف الحرب وإنقاذ الدولة من الانهيار.
العطا من ضابط دولة إلى ضابط تنظيم
القيادي في التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة السودانية «صمود»، عروة الصادق، اعتبر أن تصريحات العطا «لا يمكن فصلها عن الصراع داخل المؤسسة العسكرية ولا عن المشروع السياسي للإخوان الذين أعادوه إلى واجهة المشهد بعد أن فقدوا أدواتهم خلال السنوات الماضية».
وأوضح الصادق لـ«العين الإخبارية» أن العطا «منذ خروجه من حصار مقر سلاح المهندسين في أم درمان، بات منحازًا لمعسكر الحركة الإسلامية – الواجهة الإخوانية – مانحًا الضوء الأخضر لإعادة انتشار كتائبها المسلحة وفتح مراكز تدريبها، وعلى رأسها كتيبة البراء بن مالك في أم درمان».
وأضاف أن العطا «تحوّل من ضابط دولة إلى ضابط تنظيم، ينفّذ أجندة سياسية تتقاطع مع مصالح فصيل بعينه لا مع مصلحة الجيش أو الوطن»، مشيرًا إلى أن ازدواجية العطا جعلت منه «أداةً تُستخدم في اللحظات الحرجة لعرقلة أي مسار تفاوضي أو تسوية سياسية تُنهي الحرب».
الإخوان يُمسكون بخيوط المؤسسة العسكرية
يرى الصادق أن تصريحات العطا تعكس مشروعاً أوسع لإبقاء الجيش السوداني تحت وصاية الإخوان، قائلاً: «خطابه يتماهى تمامًا مع الخط الإعلامي للتنظيم الذي يرى في استمرار الحرب وسيلة لبقاء نفوذه السياسي والأمني، ويسعى لإفشال أي مبادرة تتحدث عن الإصلاح أو إعادة هيكلة الجيش أو إخراج الاقتصاد من قبضة العسكر».
وأضاف أن ما يجري «ليس مجرد خلاف داخل الجيش، بل خطة منظمة لإبقاء مركز القرار العسكري رهينًا لتيار إخواني، يمنع أي تحول مدني حقيقي».
وختم بالقول إن العطا يسعى إلى تثبيت توازن هش يضمن له نفوذًا شخصيًا، ويبقي الجيش أداة بيد القوى القديمة التي تعيش على الحرب وتخشى من السلام.