لعبت الإمارات دوراً جباراً في إنهاء كثير من الصراعات في مناطق مختلفة حول العالم وتسكين أوجاع شعوبها، عبر دبلوماسية ناعمة ووساطة ذكية.
زار بابا الكنسية الكاثوليكية فرنسيس دولاً كثيرة ومناطق شتى حول العالم وتوقف في محطات عدة منذ تنصيبه في 19 مارس 2013، لكن سيبقى توقفه في المحطة الإماراتية حدثاً استثنائياً ومفصلياً لن ينتهي الحديث عنه ولن يتوقف تأثيره بمجرد انتهاء بروتوكول مغادرته من مطار أبوظبي في الخامس من فبراير المقبل، كون البلد المستضيف هذه المرة بات نموذجاً ملهماً في تطبيق قيم التسامح والتعايش وقبول الآخر، واتخاذ إجراءات وقرارات انطلاقاً من مبدأ التسامح، وأصبح التسامح محدداً من محددات سياستها الخارجية.
تكشف زيارة البابا فرنسيس عن عمق النموذج الإماراتي في التسامح ومدى فاعليته، وهو نموذج تراكم عبر سنوات طويلة، فأصبح محوراً أساسياً في الخطاب السياسي لكل قادة الدولة ومسؤوليها منذ عهد باني نهضتها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، ثم انتقل إلى أرض الواقع الإماراتي وتبلور في سياسات وبرامج وطنية، وأصبح سلوكا حياً بين مواطني الإمارات وقاطنيها، ليتحول إلى أحد أهم أدوات السياسة الخارجية الإماراتية، وبات يمثل آلية سياسية رشيدة تعتمدها الإمارات في مساعيها الحميدة لحل الصراعات خارج حدودها، وتحديدا في المناطق التي تموج بأقليات عرقية ودينية.
وهنا لعبت الإمارات دوراً جباراً في إنهاء كثير من الصراعات في مناطق مختلفة حول العالم وتسكين أوجاع شعوبها، عبر دبلوماسية ناعمة ووساطة ذكية ترتكز على نشر قيم التسامح وتعزيز مبدأ الحوار بين المختلفين وإقناعهم بالجلوس على طاولة التفاوض وتوفير البيئة المناسبة للحوار، وذلك في كثير من الصراعات المبنية على عدم تسامح أطرافها وعدم وجود الوسيط النزيه الذي يمكن أن يتدخل لإقناع الأطراف بتبني مبدأ الحوار والاستماع للآخر بديلاً لمنهج الإقصاء والاستبعاد .
تكشف زيارة البابا فرنسيس عن عمق النموذج الإماراتي في التسامح ومدى فاعليته، وهو نموذج تراكم عبر سنوات طويلة، فأصبح محوراً أساسياً في الخطاب السياسي لكل قادة الدولة ومسؤوليها منذ عهد باني نهضتها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، ثم انتقل إلى أرض الواقع الإماراتي وتبلور في سياسات وبرامج وطنية
هناك الكثير من الأمثلة لمناطق الصراع التي تمكنت فيها دولة الإمارات من نزع فتيل الأزمة في بعض الحالات اليائسة، وكان آخرها الصراع الأفغاني الذي تبذل الإمارات جهودا كبيرا لإنهائه وتحقيق المصالحة الأفغانية وإعادة الأمن والاستقرار لأفغانستان. فقد استضافت في ديسمبر الماضي مؤتمراً للمصالحة الأفغانية بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، وهناك مؤشرات كثيرة تدل على أن الإمارات ستنجح فيما فشل غيرها، وستكلل جهودها بالنجاح في إحلال السلام في أفغانستان، وإنهاء معاناة الشعب الأفغاني والحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاثة عقود التي خلفت حالة غير مسبوقة من الانقسام السياسي والاجتماعي والعرقي، وحالة كبيرة من عدم الاستقرار أثرت على المنطقة بأكملها.
كما كان للإمارات دور محوري في فض النزاع التاريخي بين إريتريا وإثيوبيا الذي بدأ بأسباب عرقية وإثنية ودام نحو عقدين من الزمان وخلف عددا يتجاوز الخمسة عشر ألفا من القتلى، وخلق صدعا كبيرا في العلاقات بين الجارين كان يبدو من المستحيل رأبه.
وعندما تعانق زعيما إثيوبيا وإريتريا في العاصمة الإريترية أسمرا في مطلع يوليو الماضي ووعدا بإنهاء حالة الحرب بين بلديهما، بدا الأمر للمراقبين انفراجاً مفاجئاً. لكن في حقيقة الأمر كان هذا التقارب بين البلدين تتويجاً لمحادثات جرت عبر قنوات خلفية وغير معلنة استمرت لمدة عام، ولعبت فيها الإمارات دورا محوريا، الأمر الذي تجلى في القمة الثلاثية التي جرت في أبوظبي بين إريتريا وإثيوبيا ودولة الإمارات العربية المتحدة في الرابع والعشرين من يوليو الماضي، ما يؤكد الدور الأساسي للإمارات في المصالحة التاريخية بين أديس أبابا وأسمرا، ويرسخ نموذجاً إماراتياً في إحلال السلام في العالم عبر نشر قيم التسامح والحوار والتعايش السلمي بين الشعوب.
لذا فإن زيارة البابا فرنسيس لأبوظبي تمثل نجاحاً للنموذج الإماراتي في التسامح، وهو النموذج الذي لم يكتف بدعم وتبني قيم التسامح والتعايش السلمي والتآخي بين الشعوب المختلفة أو بين مكونات الشعب الواحد، ولكنه حولها من مجرد منظومة أخلاقية وفكرية يقتصر السجال حولها على النخب الفكرية في القاعات المغلقة أو ترددها بعض النخب السياسية في الخطب المعلنة، إلى آلية عملية، إنسانية وحضارية لحل كثير من الصراعات وإنهاء العديد من النزاعات التي تتغذى على خطاب الكراهية ورفض الآخر، وهي نفس الآلية التي يؤمن بها ويدعمها البابا فرنسيس، ويسعى لتعزيزها باعتبارها تمثل نهجاً أكثر عمقا وأمضى أثراً في التعامل مع كثير من الاضطرابات وحل كثير من المشاكل التي تعج بها مناطق عدة حول العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة