تزامن عام التسامح في دولة الإمارات مع قدوم شهر رمضان شهر الصيام، وفي هذا الشهر تزداد المبادرات والعمل الخيري
تزامن عام التسامح في دولة الإمارات مع قدوم شهر رمضان شهر الصيام، وفي هذا الشهر تزداد المبادرات والعمل الخيري، ولعله من المفيد أن ندرك ما للصوم من أثر في النفس الإنسانية، ومنعة في الجسم، وقوة على احتمال الشدائد، فالصوم ما هو إلا صبر ومصابرة وسماح ومسامحة على ما يعترض الإنسان في حياته من أمور لا يحتملها القلب وتأباها النفوس الصابرة المؤمنة بربها، حيث ارتأت المفوضية السامية للاجئين مع حلول شهر رمضان المبارك مساعدة المحتاجين من النازحين واللاجئين في العديد من دول العالم من خلال مؤتمر صحفي عقد في مركز دبي المالي العالمي باعتبار أن العالم الإسلامي يمتلك القدرة على الارتقاء بالعمل الخيري عبر الاستفادة من عشرات مليارات الدولارات من أموال الزكاة وتوجيهها نحو القضايا الإنسانية.
يحفل شهر رمضان بكثير من الأحداث العظام في تاريخ الإسلام، فقد أنزل الله فيه القرآن، وجعل ليلة القدر العظيمة إحدى لياليه، ورمضان سجل تدون فيه أعمال الصائمين خلال ثلاثين يوماً، وفيه تتوحد مشاعر الصائمين وتتحرك عواطفهم الخيرة ويحسون بذلك الارتباط الأخوي الخالد في أنحاء الأرض
والصيام كان بمثابة عبادة قديمة قبل الإسلام، فقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183]، ويهدف الصوم إلى تعويد المسلم الصبر على الشهوات، وتحرر المسلم من الخضوع للعادات الذميمة وسلطانها، وللشهوة الخادعة وقيودها، ويبتعد الصائم عن مهاوي الضلال، ومهالك الفساد، ويتجه إلى الأعمال الصالحة والمبرات الندية.
وفي إطار عام التسامح أطلقت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية في دولة الإمارات وبالتعاون مع جمعية دار البر الإماراتية مبادرة "شتاهم رحمة" الخيرية الإنسانية، لتوفير المستلزمات والحاجيات للاجئين السوريين في مخيمات الشتات المنتشرة في العديد من البلدان العربية المتاخمة لبلدهم الأم، وانطلاقا من حرص الهيئة الاتحادية وجمعية البر الإماراتية على رفع المعاناة عن كاهل اللاجئين السوريين الذين أجبرتهم الظروف في بلدهم للنزوح إلى الدول العربية المجاورة، والإقامة في المخيمات في ظروف بالغة القسوة والصعوبة، أُشهرت المبادرة على مستوى الحكومة الاتحادية لمنح الفرصة لأكبر عدد من موظفي الوزارات والجهات الاتحادية للمشاركة في فعل الخير، من خلال حساباتها المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، ونظام إدارة معلومات الموارد البشرية في الحكومة الاتحادية "بياناتي".
والصوم يغدو بالنسبة للإنسان وسيلة لإيقاظ شعور الخير والإحسان في نفسه، فيشعر الغني بمعاناة الفقير، فيفيض قلبه عطفاً ومحبة ومودة وتسامحاً نحوه ابتغاء مرضاة الله، ويقول روبرتسون: "إن المسلمين وحدهم الذين جمعوا بين الغيرة لدينهم وروح التسامح نحو أتباع الأديان الأخرى"، فكان رسول الله أجود ما يكون في شهر رمضان، وفي آخر يوم من شهر شعبان خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بنافلة، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه)).
لقد أطلقت دار زايد للثقافة الإسلامية في أبوظبي مبادرة وثيقة المليون متسامح الإنسانية، ضمن فعاليات معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي انطلق في الرابع والعشرين من أبريل/نيسان الماضي بهدف تحقيق قيمة ريادية في استدامة التسامح، معلنة مشاريعها الاستراتيجية في عام التسامح 2019 مع حلول شهر رمضان لتحقيق رؤية قيادة الإمارات في تنمية ثقافة الفرد، ونصت الوثيقة على أن "أتعهد بأن أكون فرداً متسامحاً، متسامحاً مع النفس ومع المجتمع لأن في التسامح إحسان وحياة وازدهار".
وفي شهر الصيام، تدفن الأحقاد والضغائن وتنطفئ شرارات الانتقام وتتخلص النفس الأمّارة بالسوء من وساوس الهوى وحبائل الشيطان وتصفو الصلات الروحية مع الخالق، فقال الله تعالى في حديث قدسي: «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي فأنا أجزي به»، وبذلك يغدو وسيلة لضبط النفس عن اقتراف المعاصي؛ حيث يشعر الصائم بأنه في عبادة دائمة، وأنه وقاية وطريق معتدل لتخفيف غوائل الغريزة والترفع عن مجاراة السفهاء والفتن التي تعصف بالأمتين العربية والإسلامية، والأصل في شهر رمضان أن يكون شهر التقشف في المعيشة وتخفيف المصاريف على عكس ما نشاهد من إسراف وتبذير وتفنن في المشهيات والمآكل ونهم على المشارب والمسليات وغيرها، فلم يكن تشريع الصوم إلا من أجل صحة الأبدان وتجديد نشاط الجسم وخلاياه، وتقوية الإرادة وتغليب حكم العقل على الشهوة، فإذا روّض الإنسان بذلك نفسه ترويضاً تاماً وأصبح السلطان للعقل لا للهوى كان ذلك من قوة العزيمة والمصابرة.
ويحفل شهر رمضان بكثير من الأحداث العظام في تاريخ الإسلام، فقد أنزل الله فيه القرآن، وجعل ليلة القدر العظيمة إحدى لياليه، ورمضان سجل تدون فيه أعمال الصائمين خلال ثلاثين يوماً، وفيه تتوحد مشاعر الصائمين وتتحرك عواطفهم الخيرة ويحسون بذلك الارتباط الأخوي الخالد في أنحاء الأرض، فالصوم ليس مدعاة للخمول والتقاعس والاسترخاء، وإنما هو مثار الحيوية والقوة ومضاعفة الإنتاج.
وفيه تمت أعظم حوادث الإسلام الكبرى، فقد انتصر المسلمون في معركة بدر الكبرى التي فرقت بين الحق والباطل، وفيه علا مجد الإسلام بفتح مكة المكرمة، وفيه خذل الروم والفرس في واقعتي اليرموك والقادسية، وفيه تغير وجه التاريخ بانتصار المسلمين على التتار في موقعة عين جالوت، وفيه اندحر الإفرنج الغزاة على يد القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين في فلسطين، وفيه أيضاً حاربت أمتنا العربية الغزاة الصهاينة لتحرير الأراضي المقدسة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة