الإمارات وتركيا.. تعاون ثقافي وإنساني متنام تعززه زيارات متبادلة

تعاون إماراتي تركي بناء على مختلف الأصعدة الثقافية والإنسانية والأكاديمية لدعم علاقات البلدين التاريخية ومواجهة التحديات المشتركة، يرتقب أن يشهد دفعة قوية مع "زيارة الدولة" التي يجريها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى تركيا اليوم
ويبحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال الزيارة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مختلف جوانب التعاون والعمل المشترك بما يخدم أولويات التنمية في البلدين، إضافة إلى مجمل القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
وتعد "زيارة الدولة" هي الأعلى مستوى بين أنواع الزيارات التي تتم بين قادة الدول، ولها مراسم وبرامج وبروتوكولات خاصة، منذ الإعداد لها وحتى إتمامها، إذ تعد أهم أشكال الاتصالات الدولية في مجال البروتوكول الدبلوماسي، الأمر الذي يعبر عن حجم المكانة التي يحظى بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ودولة الإمارات لدى تركيا وقيادتها.
زيارات واتفاقيات
وتعد تلك الزيارة هي الثالثة التي يجريها رئيس دولة الإمارات إلى تركيا خلال 4 سنوات بعد زيارة أجراهما في 10 يونيو/حزيران 2023، وزيارة أجراها يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 التي كانت بمثابة محطة تاريخية ونقلة مهمة في مسار العلاقات بين البلدين.
وخلال نفس الفترة أجرى الرئيس التركي 5 زيارات للإمارات في فبراير/ شباط 2024 ، ونوفمبر/ تشرين الثاني 2023، ويوليو/ تموز 2023، إضافة إلى زيارتين أجراهما في فبراير/شباط ومايو/أيار عام 2022.
وتشكل الزيارات المتبادلة لكل من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى تركيا، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى دولة الإمارات، محطات مهمة في مسيرة تعزيز العلاقات الثنائية وتطويرها في المجالات كافة.
كان من أبرز نتائج تلك الزيارات توقيع عشرات الاتفاقيات لتعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، ومن بينها الجانب الثقافي.
أيضا أسهمت تلك الزيارات المتبادلة في إحداث نقلة نوعية في علاقات البلدين التاريخية، توجت بتعاون متنام متواصل.
جسور ثقافية
ضمن أحدث مستجدات التعاون الثقافي بين البلدين، شهدت العاصمة التركية أنقرة، يونيو/ حزيران الماضي افتتاح معرض "أم الإمارات"، The Mother of the Nation» الذي نظمته وزارة الداخلية الإماراتية، احتفاءً بالدور الريادي والملهم للشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات"، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، والرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، في مجالات تمكين المرأة، ودعم التنمية الأسرية والمجتمعية على المستويين المحلي والدولي، وما تمثله من نموذج عالمي للقيادة النسائية المؤثرة، من خلال مبادرات تمس جوهر الإنسانية.
حضر حفل الافتتاح ماهينور أوزدمير، وزيرة الأسرة والخدمات الاجتماعية في الجمهورية التركية، وسعيد ثاني الظاهري، سفير دولة الإمارات لدى تركيا، إلى جانب ممثلين عن وزارة الداخلية، وعدد من كبار الشخصيات والمسؤولين والدبلوماسيين.
ويحتفي المعرض الذي احتضنته "مكتبة الأمة" التابعة لرئاسة الجمهورية التركية، بمسيرة «أم الإمارات»، التي شكلت علامة مهمة في تاريخ العمل الإنساني والاجتماعي، ووضعت بصمتها الراسخة في مسيرة تعزيز دور المرأة الاجتماعي والتنموي، حيث سلط المعرض الضوء على محطات مشرقة من عطاءات وإسهامات سموها في النهوض بالمجتمع.
كما يبرز المعرض الدور الريادي للمرأة الإماراتية وإنجازاتها المتنوعة، ويعزز من التبادل الثقافي والمعرفي بين الشعبين، بما يجسد التقدير الدولي المتنامي لسموها كرمز للريادة المجتمعية والإنسانية.
وأعربت الشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات" عن شكرها وتقديرها لجمهورية تركيا الصديقة حكومة وشعبا على استضافتهم معرض "أم الإمارات" في العاصمة أنقرة.
وبينت أن احتضان تركيا للمعرض يعكس عمق العلاقات الأخوية الراسخة بين البلدين الصديقين بقيادة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس رجب طيب أردوغان.
وأكدت الشيخة فاطمة بنت مبارك أن المعرض يمثل جسراً ثقافياً واجتماعياً مهماً بين البلدين، حيث يساهم في تعزيز التفاهم المتبادل وتبادل الخبرات في مجالات تمكين المرأة والتنمية الأسرية والمجتمعية، منوهة إلى أن المعرض يعكس التزام البلدين المشترك بتعزيز القيم الإنسانية النبيلة ودعم جهود التنمية المستدامة على المستويين الإقليمي والدولي.
وأضافت أن إقامة المعرض في "مكتبة الأمة" التابعة لرئاسة الجمهورية التركية يحمل دلالة رمزية مباشرة، تؤكد على ما تحظى به المبادرات الإماراتية، من تقدير واحترام على أعلى المستويات في تركيا، وتعكس عمق العلاقات الرسمية والشعبية بين البلدين الصديقين.
تكريم أم الإمارات
يأتي تنظيم المعرض بعد نحو شهر من زيارة الشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات" إلى تركيا، حظيت خلالها باستقبال حافل وحفاوة استثنائية.
ومنح الرئيس رجب طيب أردوغان، الشيخة فاطمة بنت مبارك "أم الإمارات"، وسام الجمهورية، تقديراً لجهودها الرائدة في دعم قضايا المرأة والأسرة والطفولة، ودورها الإنساني والمجتمعي البارز على المستويين الإقليمي والدولي.
جاء ذلك على هامش زيارتها لقصر دولمة بهتشة بحضور أمينة أردوغان حرم الرئيس رجب طيب أردوغان والوفد المرافق لها.
وتعتبر الشيخة فاطمة بنت مبارك، أول شخصية نسائية تنال هذا الوسام الذي يتم منحه من قبل رئيس الجمهورية التركية، بناء على توصية مجلس الوزراء.
ويجسد منح "أم الإمارات" وسام الجمهورية، الاحتفاء الكبير بمبادراتها الرائدة ومشاريعها التنموية والإنسانية والمجتمعية التي ساهمت في بناء مجتمعات أكثر تماسكا وازدهارا، كما يعكس هذا التكريم التقدير العالمي لمكانة "أم الإمارات" وإنجازاتها المتواصلة في تمكين الإنسان والنهوض بالمجتمعات، وترسيخ قيم العطاء.
وأشاد الرئيس التركي بالدور المحوري الذي تقوم به الشيخة فاطمة بنت مبارك في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وذلك من خلال الأنشطة والمبادرات التي تنفذها المؤسسات والمنظمات التي ترأسها.
مجمع الشيخ زايد لرعاية الأطفال
وخلال زيارة تركيا، أجرت "أم الإمارات" زيارة إلى مجمع الشيخ زايد لرعاية الأطفال ترافقها أمينة أردوغان حرم الرئيس رجب طيب أردوغان.وشاهدت الشيخة فاطمة بنت مبارك والسيدة أمينة أردوغان عرضاً تعريفياً تناول برامج المجمع وبرامجه المتكاملة في رعاية الطفولة، وأبرز جهوده في توفير بيئة تعليمية واجتماعية وصحية متكاملة للأطفال.
كما تناول العرض أهمية المجمع في دعم التعاون الثنائي بين الدولتين في مجالات تنمية الطفولة المبكرة، إلى جانب تسليط الضوء على المبادرات التعليمية التي يطلقها المجمع لترسيخ القيم الإنسانية وتطوير القدرات الذهنية والإبداعية للأطفال، مع تقديم الدعم الأكاديمي والنفسي للطلبة الموهوبين.
كما استمعت الشيخة فاطمة بنت مبارك خلال زيارتها إلى عرض شامل حول مشروع إعادة تطوير مجمع الشيخ زايد لرعاية الأطفال في إسطنبول، والذي جاء نتيجة توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة تمكين المجتمع ومؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية مع وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية في الجمهورية التركية بهدف تطوير المجمع بقيمة 40 مليون درهم، حيث يشكل المجمع نقلة نوعية في خدمات الرعاية المتخصصة للأطفال.
وأشادت الشيخة فاطمة بنت مبارك بالجهود المبذولة في المجمع الذي يعد صرحاً إنسانياً بارزاً يعكس العلاقات التاريخية المتميزة بين دولة الإمارات والجمهورية التركية، مؤكدة أهمية هذه المشاريع الإنسانية في تعزيز روابط التعاون المشترك وتحقيق التكافل الاجتماعي، ومنوهة بأن رعاية الأطفال وتوفير الحياة الكريمة لهم من أولويات العمل الإنساني الإماراتي في مختلف دول العالم.
تعاون إنساني
على صعيد التضامن الإنساني أيضا، جسدت عملية "الفارس الشهم 2" التي أطلقتها دولة الإمارات عقب الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 فبراير/شباط 2023، عمق ومتانة العلاقات الإماراتية التركية، وأسمى صور التضامن والأخوة الإنسانية.
جهود رسمت ملحمة إغاثية إنسانية، قادها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، وجعلت البلاد في صدارة دول العالم الداعمة للشعبين التركي والسوري، بحجم تبرعات هو الأضخم، إذ تجاوز 150 مليون دولار، منهم 50 مليون دولار لتركيا.
وأرسلت الإمارات المستلزمات الطبية والإغاثية والغذائية وفرق البحث وآليات مجهزة بالمعدات الخاصة بإزالة الأنقاض، والفرق الطبية، وشيدت مستشفى ميدانيا لعلاج المصابين في منطقة إصلاحية بغازي وآخر في "هاتاي".
وفي فبراير/ شباط الماضي، حصلت دولة الإمارات على وسام الشرف، من الرئيس أردوغان خلال برنامج "نتّحد"، الذي أقيم مؤخرا بمناسبة إحياء الذكرى الثانية لزلزال 6 فبراير، حيث كانت دولة الإمارات من الدول الرائدة في تقديم المساعدات لتركيا الصديقة في أعقاب الزلزال الذي وقع في جنوب تركيا عام 2023.
واستلمت سفارة دولة الإمارات في أنقرة، الوسام من قبل الرئيس أردوغان، تقديرا لجهود دولة الإمارات في إغاثة الشعب التركي المتضرر من الزلزال، من خلال عملية "الفارس الشهم2"، حيث بلغت مساهمات الدولة لكل من تركيا وسوريا 10030 طناً من المساعدات.
تعاون ثقافي وأكاديمي
التوافق بين الدولتين على أكثر من صعيد شكل دافعا قويا لتعزيز التعاون بينهما في الجانب الثقافي والأكاديمي.
ضمن أحدث مستجدات التعاون، شاركت مؤسسة حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية والتربوية في المؤتمر العاشر للموهوبين والمتفوقين، الذي عقدته جامعة دوكوز أيلول في مدينة إزمير التركية، مايو/ آيار الماضي بمشاركة نخبة من العلماء والخبراء والممارسين التربويين.
ويُعد المؤتمر العاشر للموهوبين والمتفوقين من أبرز الفعاليات الأكاديمية المتخصصة على المستوى العالمي، إذ يسعى إلى مناقشة أحدث الاتجاهات في مجال رعاية الموهوبين، وتعزيز دور المؤسسات التعليمية في تطوير استراتيجيات شاملة لاكتشاف وتنمية القدرات الاستثنائية لدى الطلبة.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تم الأعلان عن فوز الفنانة ساناز البرزي من تركيا عن عملها "طائر الحياة" خلال مشاركتها في ملتقى الشارقة للخط في دورته الحادية عشرة "تراقيم" التي أقيمت تحت رعاية الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة واستمرت خلال الفترة من 2 أكتوبر إلى 30 نوفمبر 2024 في مختلف مناطق الشارقة بتنظيم من إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة في الشارقة.
وتستمد العلاقات الثقافية بين دولة الإمارات وتركيا قوتها نظرا لما تتمتعان به من تاريخ ثقافي وتقاليد أدبية غنية وملهمة، وتعزيزا لهذا العلاقات وقع الجانبان في فبراير/ شباط 2022 مذكرة تفاهم بشأن التعاون في المجال الثقافي.
وشهد البلدان مؤخرا تعاونا ثقافيا متناميا عبرت عنه مشاركة تركيا ضيف شرف معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2023، والحضور التركي اللافت خلال فعاليات "إكسبو دبي 2020"، فضلا عن مشاركة "جمعية الناشرين الإماراتيين" في معرض إسطنبول الدولي للكتاب العربي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي قدمت خلالها 284 عنوانا من إصدارات 31 دار نشر إماراتية.
علاقات تاريخية
علاقات تتعزز على مختلف الأصعدة استنادا إلى العلاقات التاريخية بين البلدين.
ونشأت العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإمارات وجمهورية تركيا في 1 أبريل/نيسان 1977، وافتتحت السفارة التركية في أبو ظبي عام 1979 ، فيما افتتحت الملحقية العسكرية التركية في أبو ظبي في العام 1999.
وفي المقابل، تم افتتاح سفارة دولة الإمارات في أنقرة عام 1983، وافتتحت القنصلية العامة للدولة في إسطنبول عام 1989، كما افتتحت الملحقية العسكرية للإمارات في أنقرة عام 2005.
وشكلت الزيارة التاريخية للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لتركيا عام 1984 أساساً ومنطلقاً لعلاقات متينة وقوية بين البلدين.
وشهدت العلاقات الإماراتية - التركية نقلة نوعية بعد زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تلبية لدعوة وجهها الرئيس التركي له لتكون هذه الزيارة محطة رئيسية في مسيرة تعزيز العلاقات بين البلدين والتي ترتكز على المصالح المشتركة بينهما.
وتشهد العلاقات بين الإمارات وتركيا تطوراً مستمراً في العديد من القطاعات الحيوية ويعكس هذا التطور حرص قيادتي الدولتين على تطوير العمل المشترك، والتطلع إلى المزيد من فرص التعاون الثنائي، بما يحقق التنمية والازدهار للبلدين وشعبيهما الصديقين.