تابعت التحركات الدبلوماسية الفاعلة لدولة الإمارات خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
تحركات جاءت على هامشها مشاركة معالي الدكتور أنور قرقاش؛ المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، في القمة العالمية للشرق الأوسط، والتي عبر بها معاليه عن عدة رسائل إماراتية حول اتفاقية الدفاع مع الولايات المتحدة، والتحديات الأمنية التي تمر بها المنطقة.
لابد أن تقابل المصداقية الإماراتية بعلاقات تملك نفس الدرجة من المصداقية، فالإمارات لا تحتاج لاتفاقيات دفاعية هامشية، لأنها قادرة على الحفاظ على أمنها واستقرارها، وإن اتخذت خطوات في هذا الاتجاه، فإنها تتوقع من الطرف المقابل الالتزام بها، وهو ما ذكره معالي أنور قرقاش حين قال: "من المهم الانتقال من الأمور غير الرسمية إلى الأمور الرسمية".
العالم تغير كثيرًا بتحدياته الأمنية والاقتصادية، ولا يمكن النظر إلى العلاقات الدولية من زاوية محددة، والاعتماد على كتلة معينة تحدد قراراتها وفقًا لمصالحها، ونحن نعيش تحولات القرن الواحد والعشرين السريعة، ونستطيع إدراك تحول النظام الدولي يومًا بعد يوم إلى تعددية الأقطاب.
وعندما تؤكد إدارة بايدن عن التزامها بأمن المنطقة، فلا بد أن تقترن الأقوال بأفعال صادقة، فلا فائدة من اتفاقيات الدفاع إن لم تكن ملزمة بتفاصيل واضحة، ممكن مراجعة نتائجها بكل شفافية، وتطويرها بشكل واسع على المدى البعيد، فالعلاقات الدولية في العالم الجديد يعد استثمار طويل الأمد، ولا يمكن اختزاله برئيس معين، ثم يأتي رئيس لاحق يلغي قرارات استراتيجية، اتخذها الرئيس الذي سبقه.
وهو ما ذكرته في مقالنا بتاريخ 25 مايو 2023، بعنوان (ترميم البيت العربي) جاء فيه: "كان لضبابية السياسة الأمريكية، وتركها فراغًا أمنيًا واسعًا الأثر الكبير، ما جعل القادة العرب يعيدون ترتيب حسابات العلاقات مع الدول الكبرى".
التوجهات العالمية تسير نحو تنوع الشركاء على الصعيد السياسي والاقتصادي، فدول العالم المحورية لن تربط أمنها الوطني مع كتلة محددة في ظل متغيرات النظام الدولي، وهو أمر أدركته واشنطن ولو متأخرًا، والفرصة أمامها مواتية لطمأنة حلفائها، إنها جادة في الالتزام بتعهداتها الأمنية، وردع المخاطر التي قد تهدد مصالحها في المنطقة، وهو ما أكده معالي قرقاش حين قال: "إن تحالفاتنا الأساسية، مثل التحالف الذي لدينا مع الولايات المتحدة، ستكون بمثابة حجر الزاوية".
من حق حلفاء واشنطن إبداء بعض الشكوك في التزاماتها الأمنية، خصوصًا بعد ترددها في التعامل بشكل رادع تجاه هجمات الحوثي الإرهابية التي استهدفت منشآت مدنية وحيوية في الإمارات والسعودية، وتلويحها بسحب منظوماتها الدفاعية من الخليج، وتجميدها صفقة مقاتلات إف-35 التي أبرمت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ما يدفع الإمارات للتساؤل حول جدية العلاقة؟ وإن كانت تعتمد على الحزب الذي يتولى السلطة؟ وقد أكد معالي قرقاش في هذا السياق، "أن بلاده لا تزال مهتمة بالحصول على طائرات إف-35"، ما يقدم فرصة متاحة للجانب الأمريكي، لتأكيد حسن نواياه وجديته في التعاطي مع تحديات المنطقة.
ولعل التحديات الراهنة هي أكبر اختبار لجدية واشنطن، فبينما تمتد أيادي السلام لتحقيق الأمن والاستقرار، ويصل وفد الحوثيين التفاوضي إلى الرياض، نجد ميليشيات الحوثي تستعرض عتادها العسكري في صنعاء، وكأنها تبتز المنطقة الباحثة على التنمية والازدهار، وأكمل الحوثيين مسيرة الغدر والخيانة بعد استهداف قوة الواجب البحريني في الحد الجنوبي للسعودية، ما خلف شهداء (رحمهم الله) وجرحى.
مقياس الرضا على الطريقة التي تتعامل بها واشنطن مع أمن المنطقة، سيتطلب من إدارة بايدن إعادة النظر في تعاملها مع مخاطر الميليشيات الإرهابية، فالاكتفاء بتصريحات التهدئة والإدانة غير مجدية، بل تعطي إشارات معاكسة للأطراف المعتدية، أن تستمر دون تجاوز حدودها، على نقيض مواقفها القوية في خلافها مع الصين وروسيا.
ولابد أن تبتعد اتفاقيات الدفاع عن تقلبات السياسة الأمريكية، فالعلاقة بين العرب وواشنطن تحتاج لتجديد شامل، على أن يكون أساس التجديد هما المصداقية والشفافية، فلم تعد الضبابية سياسة نافعة، وإن كانت الولايات المتحدة حريصة على مصالح المنطقة، فعليها الالتزام باتفاقيات دفاعية جادة، بعيدة عن مزاجية الكونغرس والبيت الأبيض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة