للمرة الأولى، يتحدث كبار المسؤولين السعوديين والإسرائيليين عن إمكانية تطبيع العلاقات بين البلدين، وعقد اتفاق سلام بينهما.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن أن بلاده على أعتاب اتفاق سلام تاريخي مع السعودية، مبشراً بفجر عصر جديد من السلام في المنطقة، فيما أكد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، خلال مقابلته مع شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، أننا نقترب كل يوم أكثر فأكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، مشيراً إلى دعم إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، للوصول إلى تلك النقطة.
من دون شك، الحديث السعودي والإسرائيلي السابق، يشير إلى تقدم في المفاوضات الجارية بين الجانبين برعاية أمريكية، إلى درجة أن وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، أشار إلى أن اتفاقاً إطارياً توسطت فيه الولايات المتحدة قد يتم إبرامه مطلع العام المقبل، وهو عام حساس للإدارة الأمريكية، حيث يريد الديمقراطيون تحقيق إنجاز كبير بحجم اتفاق سلام سعودي - إسرائيلي قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني من العام المقبل.
وهو ما يعني أن الأسابيع والأشهر المقبلة ستكون حافلة بالجهود الهادفة إلى تدوير الخلافات، وتجاوز العقبات والتحديات، والعمل من أجل التوصل إلى التفاهمات اللازمة بشأن القضايا المطروحة على جدول المباحثات الهادفة إلى جعل السلام حقيقة على أرض الواقع، إذ إن حركة التاريخ تقول إن دائرة السلام بين إسرائيل والدول العربية تتسع منذ التوقيع على اتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات في أغسطس/آب عام 2020، حيث شكل هذا الاتفاق نقطة تحول في مسار عملية السلام في المنطقة، ورسم ملامح مرحلة جديدة.
فالثابت أن اللغة الواقعية والعقلانية ورؤية المصالحة المشتركة، باتت تتقدم على الشعارات الأيديولوجية والمزيدات السياسية، دون أن يعني ما سبق أن ليس للسلام مقومات لا بد منها كي يكون حقيقيا وفاعلا في رسم مستقبل المنطقة.
السعودية، الدولة العربية الوازنة ذات الثقل الإسلامي، تتطلع إلى السلام انطلاقا من استراتيجية رؤية 2030، وهي رؤية تحتاج إلى تحقيق الأمن والاستقرار والتعاون مع الجميع، وهي في تطلعها هذا، تدرك جيدا أن السلام مع إسرائيل لا بد أن يقوم على جملة مرتكزات، في المقدمة منها وضع دعائم للاستقرار في المنطقة، وإيجاد حل مقبول للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وتحقيق ضمانات القوة والديمومة بدعم من الشريك الأمريكي، فيما تدرك إسرائيل جيدا أن الانتقال إلى مرحلة جديدة لا بد أن يكون من خلال السلام مع جيرانها العرب.
فالسلام وحده كفيل برسم ملامح جديدة للشرق الأوسط والخليج العربي من خلال تصفير المشكلات والانتقال إلى مشاريع إقليمية - دولية كبرى، كما هو حال الممر التجاري الممتد من الهند إلى أوروبا بمشاركة دول الخليج العربي والولايات المتحدة مرورا بإسرائيل، ولعل هذا المشروع سيزيد من عناصر القوة الناعمة إلى الموقع الجغرافي لدول الخليج العربي، خاصة أن هذه الدول اكتسبت مزيدا من عناصر القوة من خلال دبلوماسيتها المفتوحة على مختلف القوى الإقليمية والدولية الفاعلة، وبطبيعة الحال فإن السلام بين إسرائيل والدول العربية يتطلب من إسرائيل تغيير طبيعة سياستها إزاء الفلسطينيين، وكذلك بنيتها السياسية بما تتواءم مع مقتضيات السلام، إذ لا يمكن تحقيق السلام بوجود حكومة متطرفة لا تؤمن بالتعايش السلمي، ولا يشكل السلام استراتيجية لها إزاء مستقبل العلاقة مع الفلسطينيين والعرب عموما.
والنقاش لم يعد يدور حول السلام في المنطقة، بل بشروط كيفية تحقيق هذا السلام، وبالمقومات والفواعل والعوامل التي تؤمن به، وصولا إلى جعله حقيقة لرؤية مستقبل المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة