تصعب قراءة التحركات الدبلوماسية لدولة الإمارات حيال تركيا وإيران وسوريا بمعزل عن التغيرات المتسارعة للبيئة الإقليمية والدولية.
وتمضي التحركات الدبلوماسية الإماراتية وفق استراتيجية "رابح - رابح"، بمعنى ضمان فوائد وعوائد استراتيجية مناسبة لطرفَي العلاقة الثنائية بين الدول، ما يعزز فرص نجاح الدبلوماسية الإماراتية في بناء مشتركات مع الجميع، حيث يبدو لافتاً قدرة دبلوماسية الإمارات على اختراق أجواء الخلافات دون وساطات، وهي السمة الأكثر بروزاً في العمل الدبلوماسي الإماراتي، الذي يمتلك مهارة فريدة في التواصل ومدّ الجسور -بغض النظر عن مساحات التباين- وبناء العلاقات المتوازنة مع الجميع.
الإمارات في دبلوماسيتها لا تتخلى عن الثوابت، فهي بتحركاتها الهادئة لا تتناسى مخاوفها بشأن البرنامج النووي الإيراني. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى تصريحات معالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، لدى حديثه عن زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن الوطني الإماراتي، إلى طهران، حيث أكد أن الإمارات تشارك الجميع المخاوف الإقليمية من السياسات والأنشطة الإيرانية في المنطقة، لكنها ترى أن "المواجهة ليست السبيل الأمثل للمضي قدماً".
وتجدر الإشارة هنا أيضاً إلى أن الإمارات لا تتحرك في هذه الملفات بشكل منفرد، فالدبلوماسية الإماراتية تتسم بميلها إلى التشاركية والتنسيق مع الأشقاء، سواء على مستوى مجلس التعاون، أو على الصعيد العربي بشكل عام، لذا يُلاحَظ أن المستشار "قرقاش" أكد أن إجراءات بناء الثقة مع إيران تعتمد على آليات كثيرة، وأن الحوار والتعاون الاقتصادي يشكلان جزءاً من هذه الإجراءات، وأن هذا الأمر "سيستغرق وقتاً"، والأهم هو تأكيده أن "الحلفاء الخليجيين على علم بالتحركات الإماراتية تجاه إيران"، وأن الهدف من ذلك كله هو "فتح صفحة جديدة في العلاقات"، وهذه دلالة مهمة للغاية، لأنها تنفي تماماً فكرة التنافس بين دول مجلس التعاون في التحرك نحو دول إقليمية، مثل إيران أو تركيا، كما يزعم البعض، فالواضح أن هناك نوعاً من التوافق الخليجي بشأن الملفات المختلفة، مع تباين المقاربات وآليات إدارة أو تحقيق المتفق عليه أو المنسَّق بشأنه في هذه الملفات.
ويدرك متابعو الشأن الإماراتي أن السياسة الخارجية للدولة تعاملت مع تطور المعطيات الإقليمية في كل مرحلة زمنية، مع احتفاظها بسماتها الأساسية المميزة والمتفردة، وفي مقدمتها الفاعلية والديناميكية والهدوء والرصانة والحفاظ على قواعد حُسن الجوار، الأمر الذي يفسر نجاحات هذه السياسة، التي تبدو في حقيقة الأمر انعكاساً لما تشهده جميع قطاعات العمل والتنمية في دولة الإمارات من تطورات إيجابية متسارعة.
وفي ضوء التحركات الدبلوماسية الإماراتية نحو محطات إقليمية عدة، فإن تحليل الشواهد يؤكد أن منطقة الشرق الأوسط ربما تشهد تغيرات جيوسياسية مستمدة من شيوع مُناخ الوفاق بدلاً من الصراع في الأجواء الإقليمية، فمسارات التهدئة وتبريد الأزمات تتمدد، وتشارك فيها أطراف إقليمية عدة، وتنخرط العواصم الإقليمية فيها بدرجات متفاوتة وإيقاع يراوح بين التسارع والتمهُّل، ما يمكن أن يسهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي وإنهاء التوترات، بما يصب نهايةً في سلة التوقعات القائلة بأن هناك نظاما إقليميا جديدا قيد التشكّل، ارتكازاً على قاعدة التعاون والمصالح الاقتصادية، قبل السياسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة