لا يُفرِط المرء في التشاؤم حين يصف الرئيس الأمريكي جو بايدن بـ"الحليف المُخيف"، الذي لا يؤمَن جانبُه.
فلا يمكنك التنبؤ بتصرفاته، ولا يمنحك الوقت كي تعزز ثقتك به وبإدارته التي تحتفل بمرور عام على وجودها في "البيت الأبيض".
وإذا كنا قاب قوسين أو أدنى من توديع العام الميلادي 2021، فإن الانطباع السائد لدى حلفاء أمريكا حول العالم هو أن الولايات المتحدة شرعت في التخلي عن مسؤوليتها حيال شركائها، وهي شديدة التغاضي عن جرائم أعدائهم.
وربما يعتبر الحرص الأمريكي على تجاهل مشكلات الشرق الأوسط مفهوما في سياق ما فعلته أمريكا مثلا مع حليفها القوي فرنسا، كون واشنطن خلقت من لا شيء مشكلة كبيرة مع باريس، وبالتالي مع الاتحاد الأوروبي، واستبقت ذلك بـ"الغدر بهم" كما قال جوزيف بوريل، ممثل الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي، حين سحبت واشنطن قواتها فجأة من أفغانستان، ثم بأزمة صفقة الغواصات مع أستراليا لاحقا.
إسرائيل بدورها لا تُخفي غضبها من تصرفات إدارة "بايدن" حيال إيران، فلم تطفئ زيارة جيك سوليفان، مستشار "بايدن" للأمن القومي، نيران الحنق الإسرائيلي المتزايد، سيما وأن خطط العسكريين الإسرائيليين ترمي لمواجهة عسكرية مع طهران "قريباً" بحسب المتداول من أخبار.
لا بد إذًا من جردة حساب سنوية على المستوى السياسي الدولي والإقليمي، وذلك من أجل إدراك حجم الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية الحالية، وهي الأخطاء التي يصعب تداركها بين عشية وضحاها، لأن بعضها "كارثي" بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
فأولا ذهبت دبلوماسية "بايدن" منذ الساعات الأولى لدخول وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، مكتبه إلى إزالة اسم الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية، وإنْ كان التصنيف بحد ذاته قد اعتُبر خطوة رمزية قامت بها إدارة الرئيس ترامب في ساعاتها الأخيرة، فإن قرار الإزالة والشطب أضرّ بمستويات الضغط على مليشيا الحوثي الإرهابية، ما شجّعها على ارتكاب مزيد من أعمالها الإرهابية التي تزعزع استقرار اليمن وجواره.
ومع أن الحليف الأمريكي أوفد دبلوماسياً مخضرماً لمتابعة الملف اليمني، وهو السفير تيموثي ليندركينغ، فإن عمل الأخير كان، ولا يزال، يساوي بين الجلاد والضحية، ويتعامل مع الشرعية اليمنية المعترف بها دولياً كما يتعامل مع الحوثي الانقلابي، ودور المسؤول الأمريكي محصور في تصريحات لا تفيد إلا جانب الانقلاب الحوثي.
وفي العراق لم تقُم أمريكا خلال "سنة بايدن" الأولى في الحكم بأي عمل جدي إزاء المليشيات المدعومة من إيران، بل إن واشنطن تسعى لإتمام انسحابها العسكري من العراق قبيل نهاية العام، في سيناريو يحاكي خطط الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، للانسحاب من المنطقة كلياً.
أما سوريا، فقد أسقطها صانع القرار الأمريكي من معادلاته، بل وحتى من خطاباته المعلنة، وبات نواب في الكونجرس الأمريكي بغرفتيه، "النواب" و"الشيوخ"، وبحزبيه، الجمهوري والديمقراطي، يطلبون من "البيت الأبيض" الإفصاح عن معالم سياسته حيال سوريا، ويطالبون بكشف أي استراتيجية لدى "بايدن" إزاء الوضع في سوريا.
وبين هذا التخبط وذلك الارتباك، يُنظر اليوم إلى الحدث الأوكراني من زاوية "التردد" الأمريكي، الذي يعجز عن مواجهة روسيا، ويضع كييف أمام خيارات صعبة، إنْ هي وضعت بيضها كله في سلة "العم سام"، فسرعان ما نالها وينالها من واشنطن الوعود الفارغة، والتضامن الذي لا يقدم ولا يؤخر.
وعلى أساس متين من الثقة بالمستقبل الأفضل، يرسم قادة الخليج العربي خططاً مختلفة وأكثر فائدة لدولهم وشعوبهم، بعيداً عن اختلال الموازين لدى هذا الحليف "المخيف"، وقريباً من تنوع الشراكات، وتعزيز أواصر العلاقات بالشرق والغرب، وعدم حصرها في أمريكا دون غيرها، كون العالم يتغير وقطاره يسير دون توقف، والثابت بالأمس أضحى شديد التحول في عالم السياسة والاقتصاد والأمن.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة