خلاف الرئيس والجنرال .. هل تقسم معركة باخموت قادة أوكرانيا؟
"معركة تقسم أوكرانيا".. عبارة باتت تصف بدقة تداعيات القتال في مدينة باخموت داخل أروقة السلطة بكييف، رغم تأكيدات الرئاسة الأوكرانية على الوحدة.
وأعلن الجيش الأوكراني اليوم الإثنين، عزمه "تعزيز" مواقعه في باخموت حيث تحتدم المعارك شرق البلاد، نافيا التكهنات بشأن انسحاب أمام القوات الروسية التي تحاول محاصرة هذه المدينة الرمز.
وفي حين تنتشر شائعات عن انسحاب منذ أسبوع، أعرب قادة القوات المسلحة الأوكرانية "عن تأييدهم لمواصلة العملية الدفاعية وتعزيز مواقعنا في باخموت" خلال اجتماع الإثنين مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي، بحسب الرئاسة الأوكرانية.
الوضع الميداني
ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي، أصبحت مدينة باخموت التي كان عدد سكانها 70 ألفا قبل الحرب، رمزا للقتال بين الروس والأوكرانيين للسيطرة على منطقة دونباس الصناعية، بسبب طول المعركة والخسائر الفادحة التي يتكبدها كلا الجانبين.
وتقدمت القوات الروسية في الأسابيع الأخيرة في شمال وجنوب المدينة، وقطعت ثلاثة من طرق الإمداد الأربعة للقوات الأوكرانية، ولم يتبق سوى منفذ واحد هو الطريق المؤدي إلى الغرب باتجاه تشاسيف.
وتفصيلا، باتت باخموت تحت السيطرة الروسية بنسبة 40٪، كما أنها محاصرة بنسبة 80 بالمائة. ولم يتبق سوى ممر يبلغ عرضه خمسة كيلومترات إلى الغرب، تتدفق منه الإمدادات لـ5000 جندي أوكراني ينتشرون في مواقع دفاعية في أنقاض المدينة.
شق الصف؟
لكن يبدو أن هذا الوضع، ورغم تأكيدات الوحدة وإعلان تأييد الجيش الدفاع عن باخموت، يحرك "حرب أعصاب" في أروقة السلطة في كييف، ويشق الصف بين القيادتين السياسية والعسكرية.
ويتجادل الرئيس فولوديمير زيلينسكي، مع القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنرال فاليري سالوجني، لأسابيع حول ما إذا كان ينبغي التخلي عن المدينة أم لا، وتتباين الرؤى فيما بينهم بشكل كبير، وفق ما فجره تقرير صحفي ألمانيا صباح اليوم.
لكن زيلينسكي وسالوجني ليس الوحيدين في هذا الجدل، إذ تنضم الصحافة الأوكرانية التي لا تخضع للأحكام العرفية، للتشكيك في سياسة الرئيس في باخموت.
وصباح الأحد، عنونت صحيفة "كييف إندبندنت" الناطقة بالإنجليزية، تقريرها عن القتال في باخموت "الجنود الأوكرانيين في باخموت: قواتنا ليست محمية".
وفي ثنايا التقرير، اشتكى الجنود الأوكرانيون من أن القوات المدافعة عن باخموت "كتائب سيئة التدريب ألقيت في مفرمة اللحم في الخطوط الأمامية، مع القليل من الدعم من المركبات المدرعة وقذائف الهاون والمدفعية والطائرات بدون طيار والاستخبارات".
وقال جندي آخر إن الوضع "يزداد سوءا كل يوم".
منطق الانسحاب
ويجادل مؤيدو الانسحاب السريع للجيش الأوكراني من باخموت بأن المدينة مدمرة ومعظمها مهجور، وليست ذات أهمية استراتيجية كافية للدفاع عنها بآلاف الجنود.
بالإضافة إلى ذلك، يضيع الدفاع عن المدينة، جهود آلاف القوات الأوكرانية التي يمكن استخدامها في هجمات مضادة مخطط لها منذ فترة في أماكن أخرى في منطقتي لوهانسك وزابوريزهيا.
ووفق ما نقلته صحيفة "بيلد" الألمانية عن مصادر مطلعة، تم تأجيل الهجوم المضاد المخطط له في أشهر الشتاء، باتجاه مدينة ميليتوبول في جنوب أوكرانيا، إلى أجل غير مسمى بسبب خطط الدفاع عن باخموت.
وأخيرا، يخشى مؤيدو الانسحاب من السيناريو الأسوأ، والذي يتمثل في إغلاق حلقة الحصار الروسية حول باخموت، وأسر المئات، وربما الآلاف، من الجنود الأوكرانيين.
هذا السيناريو المرعب وجدت أوكرانيا صعوبة في هضمه في حالة مدينة ماريوبول قبل أشهر، حين أسر الروس ما يقرب من 2000 مقاتل أوكراني.
فيما قال مستشار عسكري أوكراني، صحيفة بيلد أن باخموت كانت في البداية "فخًا للروس" ويمكن أن تصبح الآن فخًا للأوكرانيين، مضيفا "كان ينبغي سحب القوات قبل ثلاثة أسابيع.. أحد المسؤولين بالغ في تقديره للأمور".
ونقلت "بيلد" عن عدة مصادر داخل القيادة السياسية في كييف أن سالوجني أوصى قبل عدة أسابيع لأسباب تكتيكية، بالتفكير في الانسحاب من باخموت.
خلفية هذه التوصية أن باخموت ليس لها أي أهمية استراتيجية من وجهة النظر العسكرية، ولن يكون الانسحاب من المدينة المدمرة حاسما في الحرب.
وركزت روسيا على باخموت خلال الأشهر الماضية، واستخدمت الآلاف من "فاغنر" في المعركة، حتى باتت المدينة رمزا سياسيا، حيث أعلنها زيلينسكي "المدينة المحصنة" في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ورغم دفع قائد الجيش من أجل انسحاب من باخموت، لكن القيادة السياسية، متمثلة في الرئيس الأوكراني، تمسكت بالاستمرار في المعركة على خلاف توصية قائد قواته، ولا يزال يتمسك بموقفه.
حجج الدفاع
ولدى زيلينسكي وفريق التمسك بالمدينة، حجج تبدو قوية أيضا، تتمثل في أن إن سقوط باخموت سيعطي الجيش الروسي حافزا كبيرا، كما أن الأعلام الروسية في وسط المدينة، مصحوبة بتقارير دعائية عن "تحرير" مدينة كبيرة أخرى في دونباس، من شأنها إحياء الإيمان بـ "النصر" في موسكو.
في الواقع، ومنذ يوليو/تموز الماضي، خسرت روسيا مدنًا (مثل كوبجانسك أو إيزيوم أو ليمان أو تشيرسون)، لكنها لم تتمكن من احتلال أي مدينة، ما يعني أن ضم باخموت سيكون له أهمية كبيرة لدى موسكو.
السبب الثاني في التمسك بالمدينة هو أنه إذا سيطرت روسيا على باخموت، ستصبح مدينتا تشاسيف يار وكوستيانتينيفكا، على بعد بضعة كيلومترات فقط في الغرب، في مرمى هجوم روسي، وسيهرب سكانهما البالغ عددهم عشرات الآلاف.
السبب الثالث، أن معركة باخموت لا تربط الوحدات الأوكرانية فقط في المدينة، بل تربط أيضًا الآلاف من الوحدات الروسية، وإذا صمدت باخموت فلن يكون هناك على الأرجح أي هجوم روسي في مكان آخر. كما أن فشل الاستيلاء على باخموت يؤثر سلبًا على معنويات القوات الروسية.
وفي هذا الإطار، قال معهد الأبحاث الأميركي لدراسة الحرب في مذكرة إن الدفاع عن باخموت لا يزال "منطقيا من الناحية الاستراتيجية" لأن هذه العملية "تواصل استنفاد القوات والمعدات الروسية".
وفي ظل هذه التقديرات الاستراتيجية المتعارضة، والتي تحمل كثيرا من المنطق، فإن استمرار معركة باخموت يؤثر بشكل أو بآخر على تماسك القيادة الأوكرانية، ومدى رضاء الجنود في الجبهة عن إدارة الحرب.