أوروبا ومرحلة ما بعد حرب أوكرانيا.. لاعب وليست قوة عسكرية
حاول عديد من الباحثين قراءة الدور الأوروبي بعد الحرب الأوكرانية، لكن صحيفة بوليتيكو لخصت الأمر في أنه "لاعب عسكري وليس قوة عسكرية".
وقال تحليل نشرته الصحيفة الأمريكية إنه بعد اندلاع حرب أوكرانيا، أصبحت بروكسل لاعباً عسكرياً لكنها لا تزال بعيدة عن أن تكون قوة عسكرية.
وساعدت المعارك في الأراضي الأوكرانية على تحويل الكتلة الأوروبية من قوة اقتصادية وتنظيمية بحتة إلى قوة لها بعض "الأسنان العسكرية".
ونقل التحليل عن الجنرال المتقاعد توم ميدندورب، رئيس الدفاع الهولندي السابق الذي يرأس حاليا المجلس العسكري الدولي للمناخ والأمن، قوله إن الحرب كانت بمثابة "جرس إنذار كبير". وأضاف أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يعزز قدراته العسكرية، لكن لا يعني هذا إنشاء جيش أوروبي موحد.
ويعتمد الاتحاد الأوروبي في جهوده لمساعدة أوكرانيا عسكريًا على صندوق السلام الأوروبي (EPF)، وتبلغ ميزانيته مليار يورو لتعويض الدول الأعضاء جزئيًا عن الذخيرة والصواريخ المرسلة إلى كييف من مخزوناتها، ومليار يورو أخرى لشراء الذخيرة بشكل مشترك.
قيود مؤسسية
وعلى الرغم من القيود المفروضة على الإنفاق الدفاعي، يعد الاتحاد الأوروبي جهة مانحة كبيرة للمساعدات العسكرية لأوكرانيا.
ويدور مؤخرا خلاف حول محاولة تمويل إنتاج وتسليم مليون قذيفة مدفعية إلى أوكرانيا.
وقال جوسيب بوريل، كبير الدبلوماسيين بالاتحاد الأوروبي، إن الكتلة أرسلت 220 ألف طلقة ذخيرة في مايو/أيار، فضلا عن 1300 صاروخ، مؤكدا أن الخطة تسير في مسارها الصحيح.
وأنشئ الصندوق السلام الأوروبي في عام 2021، وكان تركيزه الأولي على أفريقيا بشكل أساسي. ولكن منذ 24 فبراير/شباط 2022، يستهدف الصندوق أوكرانيا. وهو لا يٌستخدم فقط للذخيرة والصواريخ ولكن لجميع المعدات العسكرية التي يوفرها الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الدبابات.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أطلقت الكتلة أيضًا مهمة مساعدة عسكرية بتمويل من الاتحاد الأوروبي بقيمة 100 مليون يورو لتدريب 15000 جندي أوكراني، وهو رقم تضاعف في فبراير/شباط الماضي.
"سلمي بالفطرة"
لكن طبيعة الكتلة الأوروبية كمشروع سلام لا تزال تصبغ أي جهد دفاعي. فلا يمكن استخدام ميزانية الكتلة للعمليات العسكرية، وهذا هو السبب في أن ميزانية صندوق السلام الدولي خارجة عن ميزانية التكتل.
وفي أبريل/نيسان الماضي، اقترحت المفوضية الأوروبية قانونًا بقيمة 500 مليون يورو لدعم إنتاج الذخيرة ويهدف إلى تعزيز قدرة مصانع القذائف الأوروبية على تصنيع الأسلحة، وذلك بالتزامن مع توفير تمويل مشترك بنحو 500 مليون يورو من الحكومات الوطنية للاتحاد الأوروبي ومصادر أخرى من بينها الأموال التي كانت مخصصة للتعافي من وباء كورونا.
وبينما يلجأ مسؤولو الاتحاد الأوروبي إلى محاولة تخصيص الأموال للمشاريع الدفاعية، يخشى المشككون أن يكون تأثيرها ضئيلا للغاية على توازن القوى في أوكرانيا.
وقال دبلوماسي بشكل ساخر، للصحيفة: "لست متأكدًا من أن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين سيكون خائفًا حقًا عند النظر إليه"، أي إلى التكتل الأوروبي.
ومع ذلك، فإن الإنفاق العسكري للاتحاد الأوروبي على أوكرانيا كبير. ويبلغ إجمالي مساهمة الصندوق في أوكرانيا 5.6 مليار يورو. وتقول بولندا وحدها إنها أرسلت أكثر من 3 مليارات يورو من العتاد الحربي إلى أوكرانيا.
وبدأ الاتحاد الأوروبي في النظر بجدية أكبر في لعب دور في الدفاع مع إطلاق مبادرة عام 2017 للتعاون المنظم الدائم تسمى "بيسكو" (PESCO)، وهو اتفاق تعاون عسكري يشمل 68 مشروعًا، تمتد من الأنظمة البحرية والجوية إلى الإنترنت والفضاء.
قال رئيس المفوضية الأوروبية السابق جان كلود يونكر في ذلك الوقت: "لقد حان الوقت لإيقاظ الحمل النائم".
لكن لا يزال الجهد الأوروبي المشترك بعيدا عن فكرة إنشاء جيش أوروبي مشترك، وتظل القوة العسكرية تحت سيطرة العواصم الوطنية إلى حد كبير ويتم تنسيق شؤون الدفاع من خلال حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وفي بولندا، قال مسؤول بوزارة الدفاع في وارسو إن الحرب "حفزت الحكومات الوطنية على أن تكون أكثر استباقية وتسعى إلى فرص إضافية للتعاون"، مضيفًا أن الاتحاد الأوروبي "في الغالب هو بناء سياسي اقتصادي بينما الناتو بناء سياسي عسكري".
أما رد فعل الاتحاد الأوروبي على الحرب في أوكرانيا، "فلا يزال خطوة صغيرة جدًا على طريق تطوير قدرات عسكرية أوروبية أفضل، لكنها قفزة عملاقة"، وذلك وفقا لأنطونيو ميسيرولي، مساعد السكرتير العام السابق لحلف الناتو.
والعوائق التي تواجه الاتحاد الأوروبي في القيام بدور عسكري أكثر فاعلية هائلة. فأولاً، سيتعين على الكتلة تطوير سياسة خارجية مشتركة. وهذه خطوة تتطلب إجماعًا وطنيًا وهو عائق كبير بسبب اختلاف مواقف ومصالح الدول الأعضاء.