أثار ما أعلنه الرئيس الأوكراني من "تقدم ميداني" لقوات بلاده مؤخرا، و"استعادتها عشرات القرى والبلدات من القوات الروسية"، تكهناتٍ جديدةً بخصوص المسار المستقبلي للأزمة.
ففي الوقت الذي حاول الغرب -بشقّيه الأوروبي والأمريكي- تصوير ما جرى على أنه "هزيمة لروسيا"، رأت موسكو أن ما جرى "لن يغير من استراتيجيتها، ولن يُثنيها عن تحقيق أهداف عمليتها العسكرية"، وأن تصوير الأمور على أنه "انتصار أوكراني" يفتقر إلى فهم منطق روسيا في هذه الحرب، بوصفها حربًا أطلسية تستهدف الوجود الروسي، وأنها لن تقبل بذلك حتى لو كلفها الأمر استخدام أوراق جديدة في المرحلة المقبلة، خاصة أنها هددت مرارًا باستخدام الأسلحة النووية إذا تطورت الأمور أكثر.
ما قيل عن "تطورات ميدانية" خلال الأيام الماضية نقل الأزمة الأوكرانية-الروسية إلى مرحلة جديدة، إذ ثمة مَن يرى أن "التقدم الأوكراني الميداني لن يتوقف إلا باستعادة السيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها القوات الروسية"، وأن مثل هذا الأمر سيحظى بدعم وتخطيط ومشاركة كاملة من حلف شمال الأطلسي "الناتو"، إذ إن سيطرة القوات الأوكرانية على مناطق واسعة من مقاطعة خاركيف، بحسب إعلان كييف، سيشجعها على مواصلة ما أسمته "تقدمها الميداني"، وقطع الطريق أمام الإمدادات الروسية جنوبًا، تطلعًا إلى استعادة دونيتسك ولوهانسك، وصولا إلى شبه جزيرة القرم.
ولعل هذا ما يفسر تصريحات الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عندما ربط أي تفاوض مع روسيا بـ"استعادة كامل الأراضي الأوكرانية مسبقا".
في المقابل، لا تبدو روسيا بصدد القبول بمثل هذا السيناريو، الذي سيكون بمثابة القبول بأمر واقع، وعليه، ثمة من يتوقع أن يكون الرد الروسي على ما تعلنه أوكرانيا من "تقدم ميداني" مزيدًا من القصف الذي يستهدف البنية التحتية الأوكرانية، وإشهار سلاح الطاقة بشكل أقوى ضد الغرب، بوصفه الداعم والمخطط للسياسة الأوكرانية، واستهداف قوافل الأطلسي الداعمة لكييف، وربما إشعال جبهات جديدة، فضلا عن إعادة هيكلة القوات الروسية على الجبهات، من أجل إنهاء أي تهديد وجودي.
ففي النهاية ترى روسيا أنه لا يمكن لأوكرانيا أن تحقق النصر عليها وإنْ كان السلاح الغربي الداعم لأوكرانيا قد يؤخر من هزيمتها في هذه الحرب.
من الواضح أن جوهر استمرار الأزمة الأوكرانية على هذا النحو له علاقة بغياب مبادرات دبلوماسية حقيقية لحلها سلميا وسياسيا، فدعوات الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، لا تتجاوز كونها مجرد تصريحات، فيما سياسة الغرب تقوم على إطالة الأزمة بغية استنزاف روسيا في هذه الحرب، حتى لو أدى ذلك إلى تدمير أوكرانيا، أما الطرفان الروسي والأوكراني فأمام معادلة صفرية في المفاوضات، ما دام كل طرف يرفض شروط الآخر بالكامل، ويراهن على الميدان لتحقيق أهدافه، لكن من الصعب إنتاج واقع جديد، خاصة في ظل القرار الأمريكي بمنع أوكرانيا من الانخراط في عملية سياسية تؤدي إلى وقف الحرب عبر التوصل إلى حل سلمي، ما يعني أن الأزمة الأوكرانية قد تطول وتطول رغم تداعياتها الكارثية على أمن الطاقة والغذاء في العالم، لا سيما أوروبا، الأكثر تأثرا بتداعيات هذه الأزمة.
ما يتردد عن "التقدم الأوكراني الميداني" قد يسهل العودة للمفاوضات بين كييف وموسكو، لكن الواضح من سلوك الطرفين حتى الآن هو في إطار الفعل ورد الفعل، وفي ظل عدم وجود رغبة أمريكية في إنهاء الأزمة، وأن المفاوضات ليست بيد كييف، بل بيد داعمها الأمريكي، ورفض موسكو التفاوض تحت النار، فإن سيناريو استمرار الحرب وانتقالها لمرحلة أشد يبقى الأرجح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة