كييف تثير غضب واشنطن.. هل تصيب لعنة باخموت بايدن أم زيلينسكي؟
مع احتدام القتال للسيطرة على مدينة باخموت في معركة وصفت بـ"الأطول" وجد جيش أوكرانيا نفسه في موقف لا يحسد عليه بعد مكاسب الجيش الروسي.
تلك المكاسب التي تعززت مؤخرًا إلى حد تصريحات روسية أكدت سيطرتها على المدينة الواقعة شرقي أوكرانيا، أصابت القوات الأوكرانية التي تدافع بشراسة عنها، بـ"إحباط" شديد، ودفعت الولايات المتحدة إلى مطالبة كييف بـ"عدم السعي للدفاع عن المدينة بشرق البلاد، وأن تركز أكثر على الاستعداد لشن هجوم مضاد كبير ضد روسيا".
إلا أن القوات الأوكرانية التي ترى خسارة معركة باخموت بأنها "هزيمة سياسية ومعنوية"، رفضت النصائح الأمريكية، وأعلنت عزمها مواصلة الدفاع عن المدينة، مما يكشف مدى اتساع الهوة بين واشنطن وكييف في أهداف الحرب، وطريقة سيرها.
وإلى ذلك، قال مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والقيادة العسكرية العليا في بلاده إنهما اتفقا اليوم الثلاثاء على مواصلة الدفاع عن مدينة باخموت في شرق أوكرانيا.
وعقب اجتماع ضم الرئيس وكبار المسؤولين الحكوميين والقادة العسكريين، قال مكتب زيلينسكي في بيان: "بعد النظر في العملية الدفاعية في اتجاه باخموت، عبر جميع الأعضاء... عن موقف مشترك بمواصلة التمسك بمدينة باخموت والدفاع عنها".
فهل يزيد القرار الأوكراني من اتساع الهوة مع أمريكا؟
الإجابة عن هذا السؤال، سطرها لقاءان في الأول في واشنطن والآخر بكييف واللذان كانا كافيين ليصعد إلى السطح وجود خلاف بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بشكل قد يؤثر على الحرب الجارية هناك منذ أكثر من عام.
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز"، إن هناك خلافات متصاعدة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا فيما يتعلق بالصراع الروسي الأوكراني؛ مشيرة إلى أن هناك صدوعًا في الجبهة الواحدة بين البلدين.
تلك الصدوع يبدو أن معركة باخموت زادتها، وخاصة وأن مسؤولين في إدارة بايدن أكدوا أن أوكرانيا تستثمر الكثير من الرجال والأسلحة لدرجة ستعيق قدرتها على شن هجوم مضاد كبير في الربيع.
وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن: "بالتأكيد لا أريد الحط من مقدار العمل الهائل الذي يبذله الجنود والقادة الأوكرانيون في الدفاع عن باخموت، لكنني أعتقد أنها ذات قيمة رمزية أكثر من كونها قيمة استراتيجية وعملياتية".
إلا أنه مع ذلك، رفضت أوكرانيا التصريحات الأمريكية، فأكد زيلينسكي أن هذه الحرب لن تنتهي حتى عودة أوكرانيا بأكملها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، إلى سيطرتها.
الخلاف حول باخموت، أضيف إلى نقطة خلافية أخرى بين أوكرانيا والولايات المتحدة تتعلق بتسليم الأسلحة؛ فلطالما ضغط زيلينسكي على بايدن لمواصلة إرسال الأسلحة إلى كييف، فيما حاولت إدارة بايدن إقناعه بأن الأسلحة لن تحل هذا الصراع.
وكان زعيم الحزب الجمهوري بمجلس النواب، آنئذ، ورئيسه حاليا، كيفن مكارثي حذر من أن الجمهوريين لن يكتبوا "شيكا على بياض" لأوكرانيا حال فوزهم بالأغلبية في المجلس، لافتا إلى شكوك حزبه المتنامية بشأن الدعم المالي لكييف.
ورفض مكارثي دعوة زيلينسكي لزيارة أوكرانيا، والتي قال فيها: "عليه أن يأتي هنا لرؤية كيف نعمل، وما يحدث هنا، وما سببته الحرب لنا، والناس الذين يقاتلون. وبعد ذلك، يمكنك وضع افتراضاتك."
وعندما أبلغ رئيس مجلس النواب بالدعوة، قال لشبكة "سي إن إن" الأمريكية إنه لن يجري الزيارة. وتمسك مكارثي بموقفه بشأن ضرورة عدم إرسال الولايات المتحدة "شيكا على بياض" إلى كييف.
وبعيدًا عن الخلاف، ما مدى أهمية معركة باخموت؟
بالنسبة للخبراء، فإن مخاطر هذه المعركة رمزية بشكل أساسي؛ فهذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 70.000 نسمة ليست ذات قيمة استراتيجية عالية من وجهة نظر عسكرية، إلا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي زار المدينة في ديسمبر/كانون الأول 2022، كان تعهد بالدفاع عن هذه المدينة الحصينة "لأطول فترة ممكنة".
ويعتقد المؤرخ العسكري والأستاذ في جامعة السوربون بباريس، غيوم لاسكونغارياس، أن "هناك بعدًا رمزيًا لكلا الجانبين سواء من جانب القوات الروسية أو الأوكرانية"، مشيرًا إلى أن الجانبين يقدمان تضحيات كبيرة رغم الشك الدائر حول فائدة المدينة استراتيجيًا.
فبالنسبة للأوكرانيين، على سبيل المثال، فهي مسألة "ضمان استمرارية دعم الرأيين العام المحلي والغربي من خلال إظهار أن الأسلحة الغربية هي ما يساعد على إحداث فرق في المعارك، مع إن ما يحدث الفرق حقًا هو شجاعة ومقاومة الجنود الأوكرانيين. وهذه هي الرسالة التي يود إيصالها فولوديمير زيلينسكي"، يقول غيوم لاسكونغارياس.
وقدر معهد دراسة الحرب مؤخرا في مذكرة له بأن الدفاع عن باخموت لا يزال في الواقع أمرًا "معقولا استراتيجيًا"، لأنه "يستمر في استنفاد القوى والمعدات الروسية".
أما الجانب الروسي، فيرى في الفوز بمعركة باخموت، نصرًا يحتاج إليه لدعم جيشه معنويًا ونفسيًا، بالإضافة إلى أن قوات فاغنر ترى أنها فوزها سيؤكد أنها تقوم بعمل أفضل، بحسب الجنرال دومينيك ترانكون
ما عواقب سقوط باخموت؟
وفقا لفولوديمير زيلينسكي فإن سقوط باخموت سيترك "الطريق ممهدًا" للجيش الروسي في شرق أوكرانيا؛ فبعد باخموت، سيكون بوسع الروس "الذهاب إلى أبعد من ذلك، وسيمكنهم الذهاب إلى كراماتورسك، وإلى سلوفيانسك.
وأضاف الرئيس الأوكراني، في مقابلة مع قناة "سي إن إن" الأمريكية بثت يوم 8 مارس/آذار الجاري، أنه بعد باخموت يكون الطريق مفتوحًا أمام القوات الروسية باتجاه مدن أخرى في أوكرانيا.
فيما قال ميخايلو بودولياك، المستشار الأكثر قربًا من الرئيس الأوكراني، الأسبوع الماضي إن هناك "إجماعا بين قادة الجيش على ضرورة مواصلة الدفاع عن المدينة وإرهاق القوات الروسية، مع بناء خطوط دفاع جديدة بالتوازي في حالة تغير الوضع على الأرض".
تلك التصريحات تؤكد أن تثبيت القتال في هذه النقطة على الجبهة لم يمنع الجيش الأوكراني من نشر بيادقه في أماكن أخرى، إلى درجة إن ميخايلو بودولياك أشار إلى أن "الدفاع عن باخموت قد حقق أهدافه" من خلال استنفاد طاقة القوات الروسية وإعطاء الوقت الكافي للجيش الأوكراني من أجل تدريب "عشرات الآلاف من الجنود للتحضير لهجوم مضاد".
وفي ضوء غموض مستقبل الصراع إذا ما حقق الجيش الأوكراني انتصارا ولو رمزيا في باخموت ستصيب لعنة المدينة بايدن، لكن إذا ما اصابت اللعنة الرئيس الأوكراني فإن مستقبل المعارك سيكون في خطر.