الموالاة والمزايدات بمربع بوتين.. أوكرانيا أمام الخيار "صفر"
إلى أدناها تتقلص خيارات أوكرانيا بمواجهة روسيا وتتراجع معها آمال "خروج آمن" من أزمة تستبطن شبح سيناريو شبه جزيرة القرم.
فمع إعلان الرئيس الروسي، الإثنين، الاعتراف بـ"استقلال" منطقتين انفصاليتين شرقي أوكرانيا، بدا الأمر أشبه بخطاب إعلان حرب وليس إعلان دعم لاستقلال انفصاليين.
ففي تحد للتحذيرات الغربية، أمر بوتين بإرسال قوات إلى شرق أوكرانيا لدعم مطالب انفصاليين موالين للروس في هذه المنطقة، فيما لا يزال الغرب على خط التكهنات في محاولة للبت فيما إذا كان هذا الانتشار يشكل عملية الغزو التي توقعتها، لتمضي قدما في فرض عقوبات قاسية وواسعة النطاق على موسكو.
من جانبه، يجد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه من دون خيارات تذكر بوجه نظيره بوتين الذي قد يصدر بين اللحظة والأخرى أمرا بهجوم قد يكبد كييف خسارة أراضيها للمرة الثانية.
غزو يبدو أن جميع مؤشراته اكتملت على الأرض وفي أروقة السياسة سواء في موسكو أو كييف أو بالعواصم الغربية، حيث دعت وزارة الخارجية الأوكرانية، الأربعاء، مواطنيها إلى مغادرة روسيا في أقرب وقت ممكن خوفا من تصعيد عسكري من موسكو.
كما أصدر الجيش الأوكراني أمرا بتعبئة جنود الاحتياط بعدما أمرت روسيا قواتها بالاستعداد لدعم المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون في شرق البلاد.
وقالت القوات البرية الأوكرانية في رسالة عبر موقع فيسبوك "سيتم استدعاء جنود الاحتياط الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و60 عاما... الدعوات ستبدأ اليوم. والحد الأقصى لفترة الخدمة هو عام واحد".
أما روسيا فأكدت على لسان رئيسها أن مصالحها وأمنها "غير قابلة للتفاوض"، فيما حذّرت بريطانيا من أن احتمال شن الكرملين غزوا على أوكرانيا "كبير".
وبلغ الخوف من حدوث تصعيد عسكري على أبواب الاتحاد الأوروبي ذروته منذ اعترف بوتين الاثنين باستقلال منطقتين انفصاليتين مواليتين لروسيا في شرق أوكرانيا، وهما دونيتسك ولوهانسك.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، تبدو أجراس الإنذار أكثر حدة، حيث اعتبر الرئيس جو بايدن أن ما يحصل هو "بداية غزو"، فارضا دفعة أولى من العقوبات على روسيا على غرار دول أخرى، في خطوة تختزل المخاوف الغربية من أن إجراءات مماثلة لن تكون ذات جدوى حال حدوث هجوم.
معضلة
يواجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المدعوم من الاتحاد الأوروبي وواشنطن، معضلة جسيمة، حيث يجد نفسه محشورا في زاوية ضيقة بين رأي عام محلي يجبره على اتخاذ مواقف حازمة بوجه بوتين، وبين عجزه على مواجهة القوة العسكرية الروسية.
فأي "تهور" منه قد يفتح على بلاده حربا واسعة غير متطابقة من حيث موازين القوى، وستكون حينها الكلفة باهظة والارتدادات أكبر من أن تحتويها أي مقاربة رغم الدعم الذي يحظى به.
فوولديمير فيسينكو، مدير مركز "بنتا" للدراسات السياسية في كييف، يرى في حديث لـ"فرانس برس"، أن "خيارات زيلينسكي تقلصت بشكل كبير، وبات الهدف الرئيسي تجنب وقوع حرب واسعة ويتمثل الهدف الرئيسي بمنع امتداد الحرب خارج الجبهة الحالية" إلى مناطق أخرى من شرق أوكرانيا أو بقية البلاد.
سيناريو القرم
من الأحداث القاتمة العالقة بالذاكرة الجماعية للأوكرانية ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا العام 2014، في صدمة لا يزال صداها يلازم المواطنين ويشوه تاريخهم المعاصر.
ففي ذلك العام، أرسل فلاديمير بوتين جنوده للسيطرة على المنشآت والإدارات الرئيسية في هذه المنطقة، وخسرت أوكرانيا يومها كل أسطول البحر الأسود تقريبا وكل المنطقة من دون إطلاق رصاصة واحدة.
ويرى المحلل السياسي المستقل ميكولا دافيديوك، أن مسيرة زيلينسكي السياسية القصيرة ستنتهي سريعا في حال رضخت أوكرانيا أمام القوات الروسية بالطريقة نفسها، معتبرا في حديث لـ"فرانس برس"، أنه في حال قدم الرئيس الأوكراني تنازلات، فإنه لن يحتفظ بالرئاسة.
طرح يدرك الرئيس الأوكراني عقباته ومآلاته وهو ما جعله على ما يبدو يعلن مؤخرا أنه يدرس قطع العلاقات الدبلوماسية مع موسكو، حاثا الغرب على فرض عقوبات على جارته.
ومما يعزز القراءات القائلة بضعف موقف الرئيس الأوكراني هو الخلل الحاصل على مستوى التقييم العملي والفعلي لموازين القوى مع موسكو.
فرغم أن زيلينسكي يدرك أنه لا مجال لمواجهة روسيا عسكريا حال اندلاع الحرب، رغم الدعم الغربي، إلا أنه يحاول أن يناور عبر تصريحات لا تستهدف سوى الرأي العام المحلي في محاولة لعدم خسارة شعبيته.
لكن بوتين الذي يدير الأزمة بحسابات بعيدة عن كييف، يستعد على ما يبدو للسيطرة بالقوة على بقية مناطق دونباس، عقب اعترافه باستقلال منطقتين شرقي أوكرانيا.
مزايدات
قبل الاعتراف باستقلال "الجمهوريتين" الانفصاليتين، ذهب الرئيس الروسي إلى حد القول إن أوكرانيا كيان مصطنع نجم عن خطأ ارتكبه الاتحاد السوفيتي الناشئ، في تصريحات رأى خبراء أنها تسعى لرسم خطوط حمراء لموالاة كييف للغرب.
فما يحدث هو أن موسكو لن تتخلى عن أوكرانيا وأن ما تقوم به لا يخرج عن نطاق المزايدات من أجل تحقيق ذات الهدف وإن كلف ذلك حربا يدرك الجميع أنها ستكون لصالح روسيا وستعيد كتابة ترتيبات نهاية الحرب الباردة وأيضا تعديل النظام العالمي القائم.
مزايدات تظل أحد عناصر الضغط على الغرب لتحقيق أهداف موسكو بشأن الضمانات الأمنية ووقف تمدد حلف شمال الأطلسي شرقا، أي منع أوكرانيا من الانضمام إليه.
aXA6IDMuMTM1LjIwNi4xNjYg
جزيرة ام اند امز