أوجه الشبه بين حرب أوكرانيا والحروب الأخرى تكاد تنعدم، لأسباب يمكن تلخيصها في عدة نقاط، وجب الوقوف عندها وتمحيص طبيعة مآلاتها وأحوالها.
فأولا: إصرار روسيا على تسمية ما يجري في أوكرانيا بـ"العملية العسكرية الخاصة"، يقابله تمسك أوكرانيٌ وغربي بإطلاق صفة "الحرب" على ما يحصل، والمسألة هنا غير مرتبطة بـ"ترف المصطلحات"، إنما تتعدى ذلك تجاه ما يترتب على كل تسمية، سواء تعلق الأمر بموسكو أو كييف.
فعلى سبيل المثال، لو أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنها "حرب"، فإن الأمر يتطلب منه دستوريا إعلان التعبئة العامة في البلاد وفرض حالة الطوارئ، وهو ما لا يريده الرجل أو فريقه.
ثانيا: من مصلحة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي القول دوما بأنها "حربٌ مفتوحة"، كون ذلك يعيد الأمور -من وجهة نظره- إلى المربع الأول في التفاوض أو التفاهم على إنهاء الحرب، بما في ذلك مطالبه الدائمة بـ"انسحاب روسيا من شبه جزيرة القرم"، والتي ضمّتها عام 2014، وتم ربطها بأقاليم الاتحاد الروسي رسميا.
ثالثا: تحرص "أمريكا بايدن" على استمرار الحرب في أوكرانيا، وهذا ليس مجرد رأي، بل تعبير عن جملة تصريحات يدلي به دوما معارضو بايدن داخل الحزب الجمهوري في الكونغرس، ويؤكد المشهد أن واشنطن تريد "إدارة الصراع"، لا إنهاءه في وقت قريب.
رابعا: لدى الولايات المتحدة الأمريكية محاذير صارمة تخص الحرب في أوكرانيا، منها عدم خروج الحرب عن نطاقها الجغرافي "الأوكراني"، لا سيما نحو بولندا -الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي- أو غيرها من دول الناتو، لذلك رأينا واشنطن قبل شهرين تقريبا نصّبت نفسها مدافعة عن روسيا حين سقط صاروخ داخل الأراضي البولندية، فالحكاية لها فصول كبيرة والذهاب تجاه اتهام موسكو بقصف أرض دولة عضو في الناتو يتطلب تفعيل المادة الخامسة من ميثاق الحلف، وبالتالي سيأخذنا هذا نحو حرب عالمية ثالثة، لا قدّر الله.
خامسا: جملة المتغيرات الدولية الحاصلة كل يوم تستدعي أيضا خيارات السلام المرتقب، وإن اتسعت رقعة الحرب، وهذا ما أشار إليه الرئيس بوتين قبل مدة، حين قال: "كل حرب تنتهي بسلام من خلال مفاوضات، وأوكرانيا ليست استثناءً في ذلك".
سادسا: التموضع السياسي الخاص ببعض الدول المؤثرة في المنطقة والعالم حيال هذا الصراع الجاري منذ فبراير الماضي، يعكس نمطا دوليا غير مألوف في العلاقات، ولكن في إطار إيجابي، فالأزمة أعادت إلى الأذهان سيناريوهات الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي وأمريكا، لكن الأمور كانت مختلفة عن الآن، فحاليا هناك أصوات حكيمة تقود جهودا مباشرة، بُغية إيجاد حلول سريعة وعاجلة تنهي الحرب وتفتح أبواب الحوار بين الروس والأوكران.
سابعا: بما أنها "حرب" لا تشبه أي حرب، فقد دفعت دولة مثل ألمانيا للذهاب نحو تسليح جيشها وزيادة عدد قواتها العسكرية، وأجبرت دولتين محايدتين تاريخيا، مثل السويد وفنلندا، لتقديم طلب انضمام عاجل إلى الناتو، ونهاية هذه الحرب من المؤكد ستكون نهاية لا تشبه أي نهاية لحرب أخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة