شكّل لبنان على مدى السنوات مركز اهتمام العالم بشؤونه وأزماته.
حظي البلد الصغير بمساحته، الكبير بهمة أفراد شعبه، على دعم دولي دائم، خصوصا منذ توقيع "اتفاق الطائف" برعاية المملكة العربية السعودية قبل ثلاثة عقود، والذي وضع حدًّا لاقتتال الإخوة، ليدخل لبنان مرحلة التقاط الأنفاس وبدء بناء الدولة القادرة، لكن للأسف اصطدم لبنان بمَن يرعى الفساد والمفسدين.
وإن كنا لن نتطرق للمرحلة بين عام 1990 و2005 وما جرى فيها من تجاوزات وفساد، فإننا سنقارب الفترة التي تلت اغتيال الرئيس اللبناني رفيق الحريري، الذي أنهى دمه حقبة لم تُشْفَ جراحها حتى الآن.
شهدنا في أعقاب الزلزال الكبير لاغتيال "الحريري"، وفي ظل عمليات الاغتيال التي طالت شخصياتٍ سياديةً في لبنان، نُموا مطردا لهيمنة "حزب الله" الإرهابي.
وكي لا نغرق في التفاصيل، نكتفي بالإشارة إلى أن "حزب الله" الإرهابي فرض سطوته على العديد من إدارات الدولة اللبنانية، حيث عمد إلى تغطية وتنفيذ عمليات التهريب المنظم عبر مرفأ بيروت، وإن كان يتجنب العديد من المتابعين التطرق إلى وجود الحزب في المرفأ ورعايته عمليات تهريب تركت آثارها على الاقتصاد اللبناني.
ورغم كل التجاوزات، حافظت الدول الغربية على دعم لبنان بالإجمال، ولكن بعد 17 أكتوبر 2019 وخروج الشعب في تظاهرات طالبت بالمحاسبة، حتى وصل الأمر بالمنتفضين إلى تعليق "مشانق رمزية" في ساحة الشهداء وسط بيروت، خرج "حزب الله" الإرهابي ليتهم المنتفضين بـ"العمالة"، الغارق هو نفسه فيها، ورغم ذلك استمر المجتمع الدولي في دعم لبنان كي يخرج من الأزمة الاقتصادية، التي دخل بها نتيجة ممارسات "حزب الله" وحلفائه، فهو الذي أوصل لبنان إلى الحالة المُزرية التي بلغها، من مستوى انهيار العملة الوطنية، وصولا إلى تفكيك مؤسسات الدولة، وبدأ المواطن يتلمس ملامح تحول الدولة، التي كانت يوما ما "سويسرا الشرق"، إلى دولة "فاشلة".
ومع انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020 كان الزلزال الذي دفع المجتمع الدولي إلى إعلان الاستنفار من أجل إنقاذ لبنان أرضا وشعبا، وتوافد الغرب إلى بيروت، وكان لسان حاله يقول للبنانيين أولا: "ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم!".
إذًا، المسألة ليست عند الدول الغربية والعربية، وإنما عند اللبنانيين أنفسهم، وإن كان هناك رهان على الانتخابات النيابية الأخيرة من أجل إنتاج طبقة سياسية جديدة، فإن النتائج لم تكن مُرضية، رغم خسارة "حزب الله" وحلفائه الأغلبية في البرلمان، لكن القوى التغييرية والسيادية لم تستطع انتخاب رئيس للجمهورية، ليخرج لبنان من جحيمه.
وأمام انسداد الأفق السياسي برزت محاولة فرنسية يتردد أنها بضوء أخضر أمريكي، من أجل إيجاد حل وتسوية للرئاسة في لبنان، كي تنطلق عجلة الإصلاحات المالية والإدارية المطلوبة من المجتمع الدولي لمساعدة لبنان وتجنيبه مزيدا من الانهيار، الذي تسبب فيه "حزب الله" بشكل مباشر، عبر توتيره علاقات لبنان العربية بتدخلاته في شؤون الغير ومحاولته نشر المخدرات والقلاقل في دول المنطقة، وبشكل غير مباشر عبر دعمه الفاسدين من حلفائه وأصدقائه في التركيبة السياسية اللبنانية.
وعشية ما يُحكى عن لقاء دولي رباعي في العاصمة الفرنسية برعاية الرئيس الفرنسي لمناقشة الوضع في لبنان، ودرس إمكانية إيجاد تسوية رئاسية تُفضي إلى إطلاق خطة دولية عربية لخروج لبنان من أزمته، على أن تكون خطة بعيدة عن يد "حزب الله" الإرهابي، كي لا تضيع الأموال والآمال، يبدو أن هذا اللقاء الرباعي يتطلب ضمانات عدم استفادة الحزب من أي دعم، وأن ما سيتم تقديمه يجب أن يصل إلى الشعب اللبناني، الذي ضاق ذرعا بممارسات "حزب الله".
بالتأكيد هناك صعوبة لتأمين إجماع لبناني على إدارة تُرضي العرب والغرب، ولا تخضع لـ"حزب الله" الإرهابي، وعليه فإن تقديم المساعدات للبنان بمستوى الصعوبة ذاتها، في ظل عدم وجود ضمانات بوقف "حزب الله" عن ممارساته ضد لبنان وأشقائه، وبالتالي فإن الدعم يبقى معلقا حتى تتوفر الضمانات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة