أكتوبر الماضي خفضت "أوبك بلس" بالإجماع إنتاجها النفطي مليونَي برميل يوميا، كخطوة اقتصادية بحتة تراعي توازن العرض والطلب للسوق العالمية.
ولقي القرار حينها انتقادًا من "البيت الأبيض"، ولكن بلغة الحقائق، ثبت صواب القرار بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر، وتذبذب الأسواق منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، كما ثبت أن دول "أوبك" المؤثرة في إنتاج النفط، تحديدا السعودية والإمارات، لا تستخدم الملفات الاقتصادية لأهداف سياسية، بحسب الزعم الأمريكي وقتها، بدليل أن قرار المنظمة حينها لقي تضامنا من الدول العربية والدول الأعضاء في "أوبك" جميعا دون استثناء.
ومؤخرا كشفت مصادر أمريكية رسمية في حديث لصحيفة "وول ستريت جورنال" مطلع الأسبوع الماضي أن إدارة الرئيس بايدن "تراجعت عن تهديداتها السابقة" بحق المملكة العربية السعودية، وعوضا عن ذلك يمضون قدما في مشاريع مشتركة لمواجهة تهديدات العام الجديد.
هذا يعني ببساطة أنه لا يمكن اختزال علاقة الرياض بواشنطن في إطار النفط، بل هي أكبر بكثير وأبعد من مصالح حزبية انتخابية مؤقتة.. فالعلاقة بين البلدين استراتيجية وعميقة وممتدة لأكثر من ثمانية عقود، عبر تعاون ثنائي قوي في مجالات السياسة والدفاع والاقتصاد والاستثمار والطاقة، وأشياء أخرى أكثر.. فالدول الكبرى قادرة على إعادة حساباتها، واستدراك إدارة الرئيس بايدن خطأها، ورفع مستوى التنسيق الأمني والدفاعي مع السعودية، هي خطوة في الاتجاه الصحيح نحو إعادة بناء الثقة بين الحليفين، والأهم أن تحكم العلاقات بين البلدين استراتيجية ثابتة يمكن الاعتماد عليها، وأن تستوعب واشنطن أن دول الخليج العربي لن ترهن أمنها لتكتيك سياسي أو مصالح حزبية، وأن الخيارات متعددة أمامها في هذا العالم المفتوح.
أما على مستوى الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها والقمم العربية-الأمريكية والخليجية-الصينية، التي عُقدت في جدة والرياض، أثبتت بوضوح أن منطقة الشرق الأوسط لا تزال تحتفظ بتأثيرها في توازنات القوى الدولية، وأنه لا يمكن الاستغناء عنها ولا غضّ الطرف عما يجري فيها.
وقد عبّرت دول مجلس التعاون الخليجي عن مواقفها بوضوح منذ بداية هذه الحرب، وذلك بأنها تدعم السلام والتفاوض لإنهاء هذه الحرب.
وقد قادت السعودية، ومعها الإمارات، بعقلانية وتوازن موقفا إنسانيا في هذه الأزمة نجح في إطلاق عدد من الأسرى، كما قدّمتا دعما ماليًّا كبيرًا لمعالجة الأوضاع الإنسانية في أوكرانيا، وما زالت الدولتان تفتشان عن حلول سلمية لإنهاء الأزمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة