مرت علينا نهايات العام الماضي الذكرى رقم 68 لحل تنظيم الإخوان الإرهابي بقرار مجلس قيادة ثورة يوليو في مصر عام 1954.
وتوازت الذكرى وسط دعوات دائمة بحل أفرع التنظيم، التي ما زالت موجودة في بعض الدول، خشية أن يُعيد إنتاج نفسه، فحلُّ التنظيم لا يكفي، بل لا بد أن يتبع ذلك تفكيك للأفكار المؤسِّسة له كما نكرر في كل فرصة.
في عام 1954 حلّ مجلس قيادة الثورة في مصر جمعية "الإخوان المسلمين"، بعد أن ثبت تورطهم في الاتصال بالسفارة البريطانية -مصر كانت تحت الاحتلال البريطاني آنذاك- والتآمر ضد البلاد والثورة، فما هي إلا شهور قليلة حتى ردت الجماعة على قرار حلها بمحاولة اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر، أثناء خطابه الشهير في ذكرى الجلاء بميدان المنشية بمحافظة الإسكندرية، شمال مصر.
قرار مجلس قيادة الثورة بحل "الإخوان" لم يكن الأول، فقد سبق وصدر قرار بحل الجماعة من قِبَل رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي في 8 ديسمبر عام 1948 على خلفية اتهام الجماعة وأعضائها بالتحريض ضد الدولة بعد انتهاء حرب فلسطين، لكن رأى جمال عبد الناصر أن قرار حل الأحزاب لا بد أن يسير على "الإخوان"، التي كانت تمثلها في ذلك الوقت جمعية تآمرت على السلطات في مصر.
المفارقة في قرارَي الحل، سواء الصادر عام 1948 أو عام 1954، أن الجماعة ردت عليهما بالرصاص.. وقد نجحت مؤامرة اغتيال محمود فهمي النقراشي، صاحب قرار الحل الأول، لكن فشلت الجماعة في اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر صاحب قرار الحل الثاني.
هنا يمكن التأكيد مرة أخرى أن العنف ليس حالة استثنائية في تاريخ الإخوان، وأن محاولات الاغتيال في حياة الجماعة لم تكن فردية، كما يسوّق التنظيم، والأخطر أن مناهج التربية التي تُشكل وعي أبناء التنظيم هي التي أدت إلى هذه المخرجات.
وتبدو أهمية مواجهة الأفكار الإرهابية المؤسسة لفكر التنظيم بالتوازي مع مواجهة التنظيم نفسه، فالإخوان لن يملوا ولن يتوقفوا عن مواجهة الأوطان باغتيالاتهم الغادرة، كاغتيال رئيس وزراء مصر الأسبق، محمود فهمي النقراشي، فضلًا عن صور الاغتيال المعنوي ومحاولات التشويه التي تقوم بها الجماعة باستمرار.
صدر قراران بحل الإخوان يفصل بينهما 6 سنوات، والتهمة انحصرت في التخابر مع جهات أجنبية، وقد مر على هذين القرارين نحو سبعين سنة، والجماعة كما هي لم تتغير، فقادتها يُحاكَمون الآن في تهم تتعلق بالتخابر مع جهات أجنبية أيضا!
الإخوان لم يعملوا يومًا لأوطانهم، لكنهم أدينوا بالعمل ضد مصالحها والتخابر مع جهات أجنبية هدفها الإضرار بمصالح البلاد الكبرى، وهذا يؤكد فساد التنظيم من جذوره، وأي رهان على وطنيته خاسر، فالتنظيم لم ولن يتغير كحكم قطعي، وإذا كان ثمة تغيير فهو إلى الأسوأ، وبالتالي فإن مواجهته بقرارات الحل تبدو أكثر نجاعة فضلا عن مواجهته أمنيا وقانونيا بكل حزم وحسم.
هنا لا بد من قراءة حدث حلّ التنظيم من جهة ضرورة أن تصدر قرارات حل مماثلة للتنظيم في الدول التي ما زالت توفر له حاضنة، ومنها دول عظمى، فجرائم الإخوان لا تخطئها عين، ولعل هذه الدول لا تجد مشكلة في التعامل والتعاون مع مجموعات تسمى لديهم "معارضة"، حتى لو كانت مصنفة إرهابية في دولها وفي دول جوارها، ما دام ذلك يخدم مصالحها.
لكن، على هذه الدول أن تعي أن إرهاب الإخوان لا يستهدف دولة بعينها وإنما يستهدف العالم كله، فهذا التنظيم، وما ينبثق عنه من أفكار وتنظيمات أصغر، يهدد الأمن الاجتماعي العالمي واستقرار الإنسان في الكرة الأرضية بأكملها، فإرهاب هذه التنظيمات يصل إلى أبعد من الحدود الجغرافية، إلى الإنسان نفسه أينما كان، وهذه خطورة جماعات العنف والتطرف.
ومن جهة أخرى لا بد من العمل على تفكيك أفكار التنظيم وعدم الاكتفاء بقرارات حل التنظيم حتى لا يعيد إنتاج نفسه، فلن يسقط التنظيم ما دامت أفكاره حيّة، لذا لا بد من وضع استراتيجية عامة لمواجهة أفكار التنظيم الإخواني الإرهابي، وأن تُبنى هذه الاستراتيجية على قناعة بضرورة التخلص من كل الأفكار التي تحض على العنف والكراهية، وأن يُفتح نقاش عام بخصوصها، وأن تتم دعوة باحثين وكتّاب ومثقفين ليدلوا بدلْوهم فيما يتعلق بكيفية مواجهة الأفكار الإخوانية، على أن يتم ذلك بالمشاركة مع المؤسسات الدينية والثقافية والتعليمية، كما يجب أن تناسب هذه الاستراتيجية دول العالم المختلفة، مع مراعاة خصوصية كل دولة.. هذه الاستراتيجية يمكن أن تكون مقدمة لسقوط مدوٍّ للتنظيم الإخواني لا تعقبه عودة أو إعادة إنتاج.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة