قصة الـ"4 ثوان".. خفايا الخط الفاصل بين الموت والحياة في أوكرانيا
في حرب مبنية على المدفعية والدبابات والطائرات دون طيار وصواريخ الكروز، لم يعد دور القناص غير المرئي والمميت بارزا، لكنه لا يزال أساسيا في ساحة المعركة.
وعبر عدسة منظار على الخطوط الأمامية قبالة مناطق سيطرة روسيا بجنوب أوكرانيا، يطل قناص أوكراني على موقع روسي بدا مميزا بالعلم الأزرق لوحدات النخبة الروسية المحمولة جوا.
- "رجل الكهف" يظهر بأوكرانيا.. لماذا اختبأ 57 عاما بمنزله؟
- أوكرانيا تواجه ثغرة سلوفاكيا.. اقتراع يهدد اصطفاف أوروبا
المسافة بين القناص والمبني كانت تزيد قليلاً عن ميل واحد، لكن المدة الزمنية الفاصلة بين رصاصة القناص وأي جندي روسي يظهر كانت فقط 4 ثوانٍ، وهي ما تفصل هذا الجندي عن الموت.
وقال بارت، قائد فريق قناصة أوكراني في جنوب البلاد، لفريق "نيويورك تايمز" الذي أمضى أسبوعا مع فرقة القناصين المكون من 4 رجال: "إننا نتنقل في الصباح والمساء".
وأضاف لقد وصلنا في الظلام بعد أن سلكنا طرقاً حالكة السواد، محشورين في شاحنة صغيرة مطفأة الأضواء، وبخطوات سريعة سرنا فوق الزجاج المكسور، حيث نصبنا بنادقنا في الموقع المعروف باسم "المخبأ".
واسترخى بارت، ومد ذراعيه خلف بندقيته التي يبلغ وزنها 20 رطلاً، والمختبئة بين أنقاض مبنى نصف مدمر، قائلا: "لقد طلع الفجر.. وسيكون يومًا طويلًا".
تكتيكات لتحدي التكنولوجيا
ويعد القناصة، الذين طغت عليهم أدوات القتل عالية التقنية والقوة الهائلة لمدافع الهاوتزر ومدافع الهاون، جزءاً من قوة أكثر بدائية هم المشاة، لكنهم ليسوا أقل أهمية مما كانوا عليه قبل أكثر من قرن من الزمان، عندما كان بإمكان أحد رماة الحرب العالمية الأولى ترويع 100 رجل برصاصة واحدة.
لكن التكنولوجيا الحديثة، خاصة انتشار الطائرات الصغيرة دون طيار التي تعمل كأدوات مراقبة فتاكة فوق الخطوط الأمامية، جعلت القنص من مواقع مخفية أكثر صعوبة بكثير، وقد أجبر ذلك القناصة الأوكرانيين على تغيير تكتيكاتهم أو المخاطرة بالموت السريع.
وعلى بعد 400 ميل تقريبا من المكان الذي كان يوجد به فريق بارت، كان فولوديمير، 54 عاما، وهو جندي مشاة في كتيبة البنادق المنفصلة التاسعة عشرة، يستعد ليومه الأول من تدريب القناص في ميدان الرماية، وكانت أمامه أهداف ورقية ملصقة هناك.
ولم يعد سوى عدد قليل من مدارس القناصة الأوكرانية الرسمية، لكنه يأتي إليها الكثير من المتطوعين من جميع أنحاء البلاد.
واشتكى بعض القناصة من أن التركيز على مهاجمة الخنادق، تكتيك ضروري لاستعادة الأراضي، جعل تدريب القناصين أقل أولوية بين بعض القادة.
وقال فولوديمير: "إنها رغبة شخصية لي ولرفاقي في أن نصبح قناصة، أنا بحاجة إلى تطوير المهارات الأساسية، لأنه في الجبهة لن يكون هناك وقت لذلك".
عدد القناصة وأنواعهم
وعدد القناصة في الجيش الأوكراني غير معروف علناً، لكن المدربين يقدرون أن عددهم بضعة آلاف، مقسمين إلى فئتين رئيسيتين.
وتُعرف الفئة الأولى منهم والتي تعد الغالبية العظمي منهم، بالرماة القادرين على إطلاق النار على الأشخاص من مسافة 300 ياردة تقريبًا، وهؤلاء غالبًا ما يكونون في الخنادق لدعم رفاقهم.
والفئة الثانية هي "قناصة الكشافة"، ويعرفون بين القناصة بـ"الرماة بعيد المدى"، وهؤلاء هم عدد قليل من جنود المشاة الذين يمكنهم إطلاق النار بدقة من مسافة ميل واحد وما بعده، وهم قادرون على قراءة الرياح ودرجة الحرارة والضغط الجوي، قبل الضغط على الزناد بقليل.
لكن الضغط على الزناد قد يأتي بتكلفة كبيرة، خاصة في عصر الطائرات دون طيار والنظارات الحرارية، التي تضمن أنه بغض النظر عن مدى تمويه القناصين بشكل جيد، فإن حرارة أجسامهم من المرجح أن تعرضهم لخطر كبير (في غياب الملابس المضادة للحرارة التي يصعب الحصول عليها).
يمكن أيضًا رؤية الغبار والدخان وأحيانًا الوميض المنبعث من طلقة من العيار الكبير أثناء خروجها من البندقية بسرعة تزيد عن 2700 قدم في الثانية.
وهذا يعني أنه ليس أي جندي روسي يظهر في مرمى النيران هو مرشح جيد للقتل، لكن يجب أن تفوق أهمية الهدف المخاطرة المحتملة.
لذا فإن احتمال إطلاق النار يزداد إذا كان هذا الجندي "هدفا ذا أولوية" مثل مشغل مدفع آلي أو ضابط أو أحد أفراد طاقم الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، أو الأهم من ذلك "القناصة الروس".
وقال ماريك، قناص أوكراني في كتيبة مشاة تسمى "ذئاب دافنشي": "لديهم بعض الرجال الجيدين، وذوو الكفاءة، وأعتقد أنه لا ينبغي لأحد أن يقلل من شأن العدو".
وقال إن "فريقه تمكن من قتل مجموعة منهم في وقت سابق من الحرب، ليس ببنادقهم، ولكن بالمدفعية لضمان عدم فرار أي منهم. ويحاول الروس أن يفعلوا الشيء نفسه عندما يرصدون القناصة الأوكرانيين".
"رقصة" القناصين
ويقوم فريق القناصة المدرب جيدًا خلال وجوده على الخطوط الأمامية بالمضايقة أو المراقبة والقتل ثم ينسحب أو يتم اكتشافه والقضاء عليه، وغالبًا ما تكون هذه بمثابة رقصة دقيقة للقناصين وهم يختارون مواقعهم ويختارون إما إطلاق النار أو المراقبة.
وغالبًا ما يضطر القناصون، خاصة على المدى البعيد، إلى الانتظار لساعات، باستخدام تطبيقات الطقس والضغط والحساب بالدفاتر لتحديد هدفهم قبل أن يضغطوا على الزناد.
ويعد قتل إنسان آخر باستخدام بندقية ومنظار عالي القوة بمثابة تجربة محسوبة وحميمة في بعض الأحيان، على عكس المذبحة المحمومة التي تحدث عن قرب في معارك الخنادق، بحسب وصف القناصة.
ويقول رابتور، قناص آخر في فريق بارت: "أفكر في الأشخاص الموجودين على الجانب الآخر، ربما لا يريدون أن يكونوا هنا، لكنهم هنا. من غير الطبيعي أن نقتل شخصًا ما، لكن هذه هي وظيفتنا".
لكن القناصين يفعلون أكثر بكثير من مجرد إطلاق النار على الناس من مسافة بعيدة. في الواقع غالبًا ما يكون قتل الخصم هو الخطوة الأخيرة في قائمة طويلة من الأولويات الأخرى، مثل الاستطلاع وحماية الوحدات المهاجمة وتحديد أهداف المدفعية.
وعند الغسق، وبينما كانت الأرض تبرد وبدأ دخول الظلام، حزم الفريق حقائبهم وأغلقوا بنادقهم، وانطلقوا نحو الشاحنة وانطلقوا بعيدا.
aXA6IDMuMTM3LjE2Mi4yMSA= جزيرة ام اند امز