انسحاب روسيا من خاركيف.. تكتيك قتالي أم خطوة تجاه المفاوضات؟
انسحاب روسي يفجر استفهامات حول المغزى من خطوة تعتبرها كييف تقدما ميدانيا فيما يجمع خبراء على أنها لا تغير من فلسفة التكتيكات القتالية.
فأكثر المحللين العسكريين في روسيا يميلون إلى التقليل من أهمية التقدم الأوكراني على محور الجبهة الشرقية، معتبرين أنه "موضعي ومؤقت"، بل يذهبون حد القول إنه متعمد لتسليط انتباه الأوكرانيين نحو نقاط التمركز الضعيفة.
أما كييف، فتحاول التسويق للخطوة الروسية على أنها "نجاحات عسكرية جديدة "، مؤكدة أنها وصلت إلى الحدود الروسية، وتحديدا إلى مدينة خاركيف، واستعادت ما يعادل سبعة أضعاف مساحة كييف في شهر واحد.
وفي غضون ذلك، أعلنت موسكو الثلاثاء، أنها تشنّ "ضربات مكثّفة" على كل الجبهات ردا على هجوم مضاد للقوات الأوكرانية، متهمة إياها بارتكاب فظائع في المناطق التي استعادت السيطرة عليها.
انسحاب أم إعادة انتشار؟
تقييم التطورات على محور خاركيف يبدو محشورا في خندق ضيق يرسمه التناقض الروسي الأوكراني في قراءة المستجدات، والتزام كل طرف بقاعدة الحرب الإعلامية.
ففيما تحاول كييف بكامل قواها حشد آلاتها الإعلامية لخلق أقصى صدى إعلامي ممكن لتقدمها المفاجئ، لا يبدو أن موسكو مهتمة كثيرا بهذا الجانب، بل تبرز خلفيات قرار وزارة دفاعها الأخيرة بإعادة انتشار قواتها وتجميعها قرب دونيتسك، أنها تستعد لحسم دونباس، معركتها الرئيسية.
تكتيك تستبطنه الحيثيات على الأرض، ويرجح خبراء أنه يرتكز بالأساس على منطق المباغتة من خلال منح الخصم شعورا مؤقتا بالانتصار، ثم الانقضاض عليه عبر هجوم يحظى بجميع عناصر الفعالية والنجاح.
هدف -في حال تحققت الفرضية- يمنح الانسحاب الروسي بعدا تكتيكيا من شأنه أن يحسم الحرب برمتها، ويقطع الطريق على كييف التي تعيش على أمل إحداث نوع من الضغط عبر هجومها المرتد، من أجل الدفع نحو مائة المفاوضات بحلول نهاية العام الجاري.
وبناء على هذه الفرضية، يبدو انسحاب موسكو متعمدا لتركيز الانتباه على مناطق التمركز الضعيفة، ما يستبعد أي طرح يقول بحدوث تغييرات عميقة في استراتيجية الحرب بالنسبة لموسكو أو في تكتيكاتها القتالية.
قراءة تجعل محللين كثر يميلون لدعم أهمية الخطوة الروسية إلى الوراء في مناطق معينة من أجل المضي قدما عبر تعزيز الخطوط الخلفية غير المحمية في مناطق أخرى.
تكتيك أم مفاوضات؟
تسونامي التعليقات الأوكرانية والغربية على مستجدات الحرب يشي بأن كييف وحلفائها يحاولون بشتى السبل استثمار الحدث في ما يشبه ثمار دعمهم لكييف، وكأنهم يحاولون القول لشعوبهم إن مساندتهم العسكرية لم تذهب سدى.
لكن رغم التطورات على محور خاركيف، لا تبدو الكفة الأوكرانية في أحسن حالاتها، حيث لا تزال تتكبد خسائر فادحة، ما يؤشر لأنه من المبكر جدا على كييف الحديث عن انتصارات في حرب من الصعب التكهن بمنعطفاتها.
الغرب أيضا لا يبدو واثقا من سير الأمور على الأرض، رغم الإعلان الأوكراني، ما يدعم الشكوك حول حقيقة الانسحاب الروسي، ويؤيد فرضية دخول الخطوة ضمن تكتيك القتال.
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أكد هذا المنحى معتبرا أنه "من السابق لأوانه" التكهّن بنتيجة الهجوم المضاد الذي تشنه قوات كييف في شمال شرق أوكرانيا ضدّ القوات الروسية.
وقال بلينكن، خلال مؤتمر صحفي عقده الإثنين في العاصمة المكسيكية، إنّه "من السابق لأوانه أن نقول بالضبط إلى أين سيأخذنا كلّ هذا".
وأضاف "نحن في الأيام الأولى (من الهجوم المضادّ)، لذلك أعتقد أنّه لن يكون من المناسب التكهّن بالضبط إلى أين سيقودنا كلّ هذا".
وذكّر الوزير الأمركي بأنّ "الروس يحتفظون بقوات كبيرة جداً في أوكرانيا، بالإضافة إلى معدّات وذخيرة".
موقف يدعم الطرح القائل بأن المرحلة المقبلة من العمليات العسكرية ستكون أكثر شراسة، وقد تنقلب فيها إحداثيات الحرب بشكل جذري يقود إلى حسمها، ما يقطع الطريق أمام مفاوضات تأملها كييف بشدة.
فالذهاب إلى طاولة المناقشات يفترض بديهة إنجازات كبيرة لكييف على الأرض، وهذا ما لم يتحقق ويستبعد أن يتجسد في شوء التعقيدات التي تواججها بتثبيت أقدامها بالمناطق التي سيطرت عليها.
فبالأشهر المقبلة، سيحل الشتاء العصيب، وستنضاف الظروف الطبيعة والجغرافية إلى لائحة طويلة من العراقيل بوجه أوكرانيا، فيما قد تفاجئ موسكو العالم بهجوم مباغت يحسم الحرب بلا مفاوضات ولا شروط.