"انتصارات كييف".. غموض روسي في غيمة تشكيك حلفاء أوكرانيا
تستقبل روسيا التي تشن عملية عسكرية في أوكرانيا منذ أكثر من مئتي يوم، التقارير حول انتصارات تحققها كييف، بأعصاب باردة، فيما ينظر إليها حلفاء الدولة السوفياتية السابقة بحذر.
وبينما تهلّل كييف لتغييرها كفة الميزان لصالحها، بتأكيد تحقيق "انتصارات ميدانية" في الأيام الماضية، وتمكنها من استعادة أراض كانت في قبضة الجيش الروسي في شرق أوكرانيا، لا يبدو حلفاؤها في الغرب في عجلة من أمرهم للاحتفال.
تشكيك الحلفاء
والواقع أن تقارير عديدة تؤكد أن الوضع الميداني من المستحيل التأكد من تطوراته لأن البيانات التي يصدرها كل من الطرفين المتحاربين، تفتقر للمصداقية.
وأمام بيانات متتالية من الجيش الأوكراني عن تحقيق "انتصارات ميدانية"، يبدو حتى الآن أن واشنطن غير مصدقة لما يعلنه الجيش الأوكراني.
التشكيك في انتصارات كييف ورد على لسان وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، الذي قال اليوم الثلاثاء، إنه "من السابق لأوانه التكهّن بنتيجة الهجوم الأوكراني المضادّ".
وقال بلينكن خلال زيارة للمكسيك: "نحن في الأيام الأولى (من الهجوم المضادّ)، لذلك أعتقد أنّه لن يكون من المناسب التكهّن بالضبط إلى أين سيقودنا كلّ هذا".
وذكّر الوزير الأمريكي بأنّ "الروس يحتفظون بقوات كبيرة جداً في أوكرانيا، بالإضافة إلى معدّات وذخيرة".
غموض في الجانب الروسي
وفي ظل ما أعلن الجيش الأوكراني تحقيقه الأسبوع الماضي من تقدّم سريع في منطقة خاركيف المحاذية لروسيا، وإنجازاته، غير المسبوقة في منطقة خيرسون، على تخوم شبه جزيرة القرم التي ضمّتها موسكو إليها في 2014، يبقى الغموض على الجانب الآخر سيد الموقف.
فروسيا لا تعير التقارير عن انتصارات أوكرانيا الميدانية كبير اهتمام، بل إن الكرملين حين خرج عن صمته، اكتفى بتأكيد عدم الحاجة حاليا إلى إعلان تعبئة عامة لدعم الحملة العسكرية في هذا البلد.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، في اتصال مع الصحفيين، اليوم الثلاثاء، إن انتقاد قيادة روسيا، ومطالبة البعض بالتعبئة دليل على "التعددية"، وإن الروس في المجمل يواصلون دعم الرئيس فلاديمير بوتين.
توقيت إعلان الانتصار
"وول ستريت جورنال" نقلت عن محللين في وقت سابق أن "الهجوم المضاد" الذى يشنه الجيش الأوكراني حاليا، قد يكون أخر فرصة لكييف لإقناع الغرب باستمرار دعمها بالأسلحة، قبل حلول الشتاء الذى سيكشف عن الدمار الذى ألحقته الحرب باقتصاديات أوروبا.
فيما نقلت "واشنطن بوست" عن محللين اقتصاديين أمريكيين أن الضرر الذى سيصيب أوروبا سيضر بالعلاقة مع واشنطن، وسينكشف حجم الفرقة بين الجانبين.
كما أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي دعا مجموعة السبع خلال قمتهم هذا الصيف في بافاريا بألمانيا الى إيجاد حل لإنهاء الحرب قبل الشتاء، يريد أن يحرز تقدما ميدانيا قد يعزز موقفه التفاوضي في أي محادثات سلام قادمة.
ويروج الجيش الأوكراني وكثير من وسائل الإعلام الغربية منذ فترة عن لما يصفه بـ"هزيمة روسيا" من قبيل أنها لم تتمكن حتى الآن من بسط نفوذها وسيطرتها بشكل كامل على مناطق الشرق ولاسيما إقليم دونباس.
لكن هؤلاء يتناسون تأكيد عدة محللين أن الجيش الأوكراني لايزال يعمل بطاقة تدريب وتسليح غربية، أي أن استمرار بقائه في المعارك معتمد بشكل رئيسي وكامل على الدعم الغربي وبالتحديد الأمريكي.
أمريكا تمسك العصا من الوسط
وفسر كثيرون وبينهم المحلل السياسي البروفيسور جون ميرشايمر فى وقت سابق أن الولايات المتحدة الذى انخرطت بثقلها وراء أوكرانيا، قد لا تتحمل أو تقبل بالهزيمة في ميدان المعركة أمام الروس، ومن ثم فستبقي دعمها للجيش الأوكراني حتى ولو تخلت عنها أوروبا.
ويقول تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية إن قادة الولايات المتحدة من الرئيس جو بايدن وما بعده ربما يحرصون على عدم إعلان نصر سابق لأوانه للجيش الأوكراني.
وبدلاً من ذلك، يتطلع المسؤولون العسكريون إلى المعارك التي لم تأت بعد ويضعون خططًا لتزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة وتوسيع نطاق التدريب، بينما ينتظرون بحذر رد روسيا على ما أعلنته كييف عن "خسائر مفاجئة ومذهلة" للجانب الروسي في ساحة المعركة.
وقال التقرير إن المسؤولين الأمريكيين يعلمون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يزال لديه قوات وموارد للاستفادة منها، ولا تزال قواته تسيطر على مساحات شاسعة من الشرق والجنوب.
ونقل التقرير عن فيليب بريدلوف، الجنرال المتقاعد بالقوات الجوية الأمريكية والذي كان القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي من 2013 إلى 2016، أن الغرب سيكون عليه "تجهيز أوكرانيا بشكل صحيح، ليكونوا قادرين على التمسك بمكاسبهم".
وسيكون السؤال الرئيسي في المستقبل هو إلى أي مدى يرغب الكونجرس والجمهور الأمريكي في إنفاق المزيد على الحرب في أوكرانيا، والتي تقول الولايات المتحدة والغرب إنها تمثل أيضًا تهديدًا كبيرًا لأوروبا.
وليس من الواضح كيف، ستؤثر نجاحات أوكرانيا مؤخرا على الجدل الدائر؛ فقد طلب البيت الأبيض من الكونجرس إعطاء الضوء الأخضر لمساعدات إضافية بقيمة 11.7 مليار دولار كجزء من إجراء تمويل حكومي شامل يجب أن يوافق عليه المشرعون قبل نهاية الشهر.
وأنفقت الولايات المتحدة بالفعل حتى الان نحو ١٥ مليار دولار في ضخ أسلحة ومساعدات عسكرية أخرى للجانب الأوكراني.