بايدن وبوتين وحرب أوكرانيا.. هل بدأ الخطر؟
يمكن القول إن الأسابيع الأخطر في عمر الصراع الجاري في أوكرانيا الدائر منذ نحو سبعة أشهر قد بدأت.
والسبب المباشر لذلك هو الاختبار الذي سيخضع له الرئيس الأمريكي جو بايدن وإدارته أمام الأمريكيين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حيث ستكون انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونجرس بمثابة استفتاء على أدائه إلى الآن.
وبايدن الذي يواجه تحديات اقتصادية مذهلة ستكون، وفقا لمحللين، إحدى محددات التصويت المقبل، لم يبخل في الإنفاق على الحرب في أوكرانيا.
ففضلا عن دعم الجيش الأوكراني بأموال نقدية طائلة، خصص الرئيس الأمريكي مليارات الدولارات لتسليحه بحيث باتت أمريكا هي الدولة الأولى من حيث كم المساعدات المالية والعسكرية التي تقدمها لمساندة كييف.
هذا الإنفاق السخي لم يقابله تحسن في مستوى الجيش الأوكراني من حيث قدرته على إنهاء الحرب أو هزيمة روسيا أو حتى استعادة المناطق التي خسرها.
وفي حين يستعد البيت الأبيض في الولايات المتحدة لكشف الحساب، يستعد للأمر ذاته الكرملين.
الكرملين يستعد أيضا
فروسيا، هي الأخرى، تسعى لدعم وتثبيت وجهة النظر القائلة بأنها هي التي تحتفظ باليد العليا في ميادين القتال في أوكرانيا وتتحكم في مسار الصراع، كما أن احتمالات خسارتها شبه معدومة.
فكيف ستخسر وهي التي لوحت باستخدام السلاح النووي وقتما تريد؟، وأعلنت التعبئة في صفوف قوات الاحتياط، ليس علامة على تقهقرها فيما سبق بل على استعدادها لحرب شاملة وكبرى فيما هو آت.
وتتسارع الأحداث الميدانية والتطورات السياسية مع اقتراب البيت الأبيض مما هو بالأحرى "استفتاء نوفمبر/تشرين الثاني".
ومن ناحية روسيا، جاء التلويح باستخدام النووي قبل عقد استفتاءات ضم أربعة أقاليم بشرق أوكرانيا إلى أراضي البلاد.
في حين اقتصر الرد الأمريكي على التنديد ومزيد من وعود وتعهدات التسليح، فوجئ العالم بتخريب خطوط أنابيب الغاز التي تربط بين روسيا وأوروبا، وهو ما اتهمت موسكو واشنطن بالمسؤولية عنه وألمحت إلى أنها تقترب أكثر فأكثر لتكون طرفا في الصراع الجاري.
وفي إطار التطورات المتسارعة "فوجئت واشنطن"، بحسب صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية بطلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للانضمام السريع إلى الناتو.
وربما رأى زيلينسكي أنه الحل الوحيد لإنهاء الحرب أو لانتزاع موقف واضح من الغرب بالتخلي عنه بعد استقطاع نسبة من أرض بلاده وانضمامها للاتحاد الروسي.
وقال تقرير لصحيفة "نيوزويك" أن زيلينسكي ربما أراد اختبار مدى دعم دول الناتو له في الموقف الحالي لبلاده.
ولا يجب تجاهل مسألة عدم التنسيق المسبق مع واشنطن في طلبه ذاك. فهل تكون علامة على استياء خارج عن السيطرة في كييف من الغرب وحجم تسليحه وخطوة يائسة منه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
وجاء الرد الغربي "بارد" بحسب مجلة "نيوزويك" في وصفها رد مستشار الأمن القومي الأمريكي على طلب زيلينسكي حين قال إن الوقت ليس مناسبا للانضمام. كما قالت وزير الخارجية الألمانية أن الغرب يحاول لملمة الصراع وليس توسيعه بإدخال دول أخرى فيه.
وربما يعلم زيلينسكي جيدا أن كم الدعم الكبير الذي تقدمه واشنطن لبلاده في مواجهة الجيش الروسي يرتبط إلى حد بعيد بوجود إدارة ديمقراطية في البيت الأبيض.
فإذا خسر الديمقراطيون وجاءت إدارة جمهورية فالدعم السخي ربما لن يكون الحال. وما الوضع إذن إذا فاز الرئيس السابق دونالد ترامب في انتخابات الرئاسية القادمة وعاد للبيت الأبيض عام 2024 وهو الذى يحمل وجهات نظر معارضة للصراع الحالي.
وقبل أيام أكد ترامب على ضرورة عقد صفقة لإنهاء الحرب حتى انه عرض وساطته شخصيا والتدخل لدى الجانبين. وإذا عاد ترامب فربما لن يكون زيلينسكي في مأمن منه وهو الذي رفض مطالباته قبل سنوات بفتح تحقيق في أعمال هانتر نجل الرئيس الحالي جو بايدن أنداك في أوكرانيا. اذن فعلاقات زيلينسكي وترامب متوترة بالفعل..
نقطة محورية بمسار الحرب
إذا ما نجى الديمقراطيون في الانتخابات واحتفظوا بالأغلبية في مجلس النواب، فربما تحدث جولة جديدة من التصعيد بين روسيا وواشنطن على أراضي أوكرانيا، لكن مع الأخذ في الحساب تداعيات ذلك على المواطن الأمريكي الذي سيكون عليه بعد عامين من الآن تقرير مصير من يسكن البيت الأبيض.
أما إذا خسر الديمقراطيون، وفقا لتوقعات المراقبين، فسيكون الوضع بشكل عملي أشبه بمرحلة من العد التنازلي لعودة الجمهوريين للحكم.
والسبب في ذلك هو أنه وفقا لمراقبين، فإن بايدن ينتظر حتى نتائج انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، ليحدد موقفه من الترشح لفترة ثانية، فإذا ما خسر بايدن قد يعلن اكتفاءه بفترة واحدة.
وفي ذلك الوقت، فمن الناحية التقليدية، ينبغي أن تتقدم نائبته كامالا هاريس للترشح بدعم من الديمقراطيين وأولهم الرئيس.
لكن الواقع هو أن هاريس لا تحظى بأي شعبية بين صفوف الديمقراطيين أو حتى بين الأمريكيين. وفضلا عن الإخفاقات التي تلتقطها الصحف الأمريكية في أداء هاريس، فإن استطلاعات الرأي تظهرها في مرتبة أقل شعبية حتى من الرئيس بايدن.
وقد يؤدي تخلى الديمقراطيين عن دعم هاريس إلى تشتت في صفوف الحزب، الذي سيكون عليه إيجاد بديل سريع وجاهز لمواجهة الجمهوريين، وبشكل خاص ترامب الذي ألمح عن ترشحه سابقا في 2024.
هذه الفترة غير الكافية للتغلب على الخلاف الداخلي في صفوف الحزب وإيجاد بديل سياسي والالتفاف حوله، بشكل متزامن مع وضع اقتصادي متدهور وسيطرة روسية مستمرة على الوضع في أوكرانيا – قد تكلف الديمقراطيين البيت الأبيض.
انتخابات حاسمة للحرب
وبهذا التصور، فإن الانتخابات المقبلة قد تعتبر في أهميتها وكأنها انتخابات رئاسية، ستحدد بدورها هوية من يسكن البيت الأبيض في وقت لاحق. وحتى انعقاد التصويت في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، سيكون على البيت الأبيض إثبات عدم اخفاقه أو هزيمته في أوكرانيا أمام الروس، وهو الذي خرج من أفغانستان بنهج منتقد على نطاق واسع داخلي وخارجي.
وفي كشف حساب أوكرانيا، قد لا يجد البيت الأبيض مكاسب كبيرة للترويج لها. فاتساع الناتو، بانضمام فنلندا والسويد، مشكوك فيه، مع تهديد تركي بين حين وأخر بعرقلة الانضمام، فضلا عن المخاوف الأمنية الداخلية المتزايدة في فنلندا بشأن "انتقام" روسيا.
وعلى المستوى الميداني داخل أوكرانيا، فقد اقتطع بوتين الأقاليم ذات الغالبية الروس وقد صدق مجلس الدوما اليوم على هذا الانضمام.
أما الجانب الاقتصادي، فلم تضعف العقوبات الأمريكية الاقتصاد الروسي بالشكل الذي أملته واشنطن، بل إنها أتاحت له آفاق جديدة في التعامل بالعملات المحلية.
وعلى مستوى العلاقات مع الحلفاء، فربما يتسع الخلاف مع أوروبا التي تعاني من وضع صعب مقبل بسبب أزمة الغاز في وقت تشير فيه أصابع الاتهام إلى واشنطن بالمسؤولية عن تخريب خطوط الغاز.
كما أن واشنطن لم تستطع إقناع الهند بقطع علاقتها مع روسيا، ولم تستطع إقناع تركيا بقبول انضمام السويد وفنلندا في الناتو. حتى الاتحاد الأوروبي يشهد خلافات بينية في مسألة العقوبات على روسيا بسبب اعتراض دول مثل المجر.
aXA6IDE4LjIyNC4zMS45MCA= جزيرة ام اند امز